قصص إسلامية
قال تعالى: "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ"، ويقول تعالى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ".
ويقول تعالى: "فَأَخَذْنَهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ ٱلظَّلِمِينَ"وكذلك "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ". هذه هي نتيجة الفساد والظلم والإجرام.
لاحظوا أنَّ الفرحَ بهلاك الظالمين أمرٌ مقترنٌ بالإيمان واهله، وكل انسان ينظر في نفسه، وسيعرف حقيقة الأمر، هل كان مع الحق واهله، ام كان في خندق الباطل وحزبه؟
أبارك للشعب السوري هذا الانتصار المظفر، ولقد رأيته يخرّ ساجدا لله، شاكراً له هذا النصر، وتحريره بعد أن ذاق الويلات قرابة 55 عاماً من التنكيل والذبح، والقتل والاختطاف، راح ضحية الطغيان نحو مليوني شهيد، وتم تشريد 12مليوناً.
يذكرني هذا الٱنتصار بنور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، الذي ولد عام 511هجرية في حلب، ولقبه "أبو القاسم"، الملك العادل، أعظم قادة المسلمين الذين حاربوا الصليبيين في الشام، تعلم القرآن والفروسية والرمي، واتسم بالجدية والذكاء.
رابط الجأش في الحروب، أكثر الناس تحرِّياً للعدل والإنصاف، وأصبرهم في الحرب، وأحسنهم مكيدة ورأياً، وأجودهم معرفة بأمور الأجناد وأحوالهم، تولى إمارة حلب وتوابعها بعد وفاة أبيه الذي ورث عنه مشروع محاربة الصليبيين، وقال: "إني لأستحي من الله تعالى أن يراني مبتسماً والمسلمون محاصرون بالفرنج".
تميز نور الدين بوضوح الرؤية والهدف، فبعد أن اجتاح الصليبيون العالم الإسلامي، عام 1095ميلادية، وعاثوا في أرض الإسلام فساداً، واحتلوا بيت المقدس، وأجزاء كبيرة من الشام، في ظل ضعف إسلامي، ووسط الهزائم التي ابتليت بها الدول الإسلامية، ما لبثت أن ارتفعت راية الجهاد لتحرير الشام من الصليبيين، فعزم نور الدين على جمع المسلمين، وتوحيد الصف والهدف، حتى يتمكن من تحرير الأرض، وعلى رأسها بيت المقدس.
وسع نور الدين إمارته، فاستهل حكمه ببعض الهجمات على إمارة أنطاكية الصليبية، واستولى على قلاع عدة في شمال الشام، وسار على رأس جيش إلى الموصل، فضم المدن الخاضعة لإمارتها، مثل الرقة ونصيبين وسنجار، واستعاد الرها، وعمره 30 عاماً.
تضرع إلى الله ودعاه قبل فتح قلعة حارم، عندما التقت قواته بالصليبيين الذين يفوقونه عدة وعدداً بعدما لبثت سبعين سنة حصناً لهم، فقد هجم الصليبيون على معسكره، وهو في قلة من أصحابه الذين أشاروا عليه ألا يقيم في هذا المكان لمجيء الفرنج، فقال: "إذا كان معي ألف فارس لا أبالي بأعدائي قلُّوا أم كثروا، والله لا أستظل بجدار حتى آخذ بثأر الإسلام وثأري".
عزم نور الدين على فتح مدينة بانياس التي كانت بيد الصليبيين فتوجه إليها، ودارت معركة قوية وانتصر وفتحها، وضرب على أهلها الجزية، واستغاث به أهل دمشق من بطش الفرنجة، بعد أن سمعوا عن جهاده، فأجابهم وأرسل قواته، وشن حملات عليهم وحاصرها، وتم له الصلح مع ملكها معين الدين وتزوج ابنته، واجتمعت كلمتهما وسلم إليه دمشق، وأصبحت عاصمة دولته، وقضى على معاقل الصليبيين، وفتح الحصون وأحكم سيطرته على بلاد الشام.
ووصل إلى الرها، ثم حماة ففتحهما ووحد بلاد الشام، وحصنها، وبنى الأسوار على مدنها، وأنشأ المدارس، وكان أول من بنى مدرسة للحديث.
أمر البابا ايجين الثالث بتجهيز وتحريك حملة صليبية من فرنسا وألمانيا إلى دمشق لاحتلالها، وبعد أربعة أيام من المواجهة الشرسة تراجع الصليبيون، فتمكن نور الدين من تطهير الأراضي الداخلية، وطرد الصليبيين وحصرهم في الشريط الساحلي.
توفي بعد فترة مرض قصيره، سنة 569هجرية، وهو في التاسعة والخمسين من عمره، مكث منها في الملك ثمانية وعشرين عاماً.
رحمه الله تعالى ورحم الشهداء رحمة واسعة.
إمام وخطيب
0 تعليق