يعتبر "مترو الرياض" أحد المشاريع الكبرى لرؤية عظمى، ويعد حلقة وصل بين الحاضر والمستقبل، ففي وقت يشهد فيه العالم تحولات وطموحات في ثورة النقل، يأتي "مترو الرياض" ليكون قفزة نوعية نحو تحقيق هذه الطموحات ويجعل من الرياض مدينة أعلى جودة وأكثر ذكاء واستدامة.
لا عجب أن يطول انتظار هذه اللحظة التاريخية، فلا يتأخر المشروع إلا من ضخامته وجمال تفاصيله، و"مترو الرياض" هو الأكبر في العالم من نوعه، بدأت فكرته برؤية ثاقبة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - رعاه الله - حين كان رئيسا للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وتبلورت مكامنه ومستهدفاته بتدشين رؤية المملكة 2030.
لقد كان تحديا كبيرا، إذ شُيّد بأكمله في مرحلة واحدة، بتصاميم فنية عصرية ومواصفات متقدمة وتقنيات حديثة، لكنه لم يكن بالطبع مستحيلا على سواعد أبنائنا، بعد توفيق الله وتيسيره.
يضم "مترو الرياض" شبكة نقل تشتمل على 6 مسارات مترابطة بطول 176 كلم، و190 قطارا تضم 452 عربة، جرى تصنيعها من قِبَل أكبر مصنّعي عربات القطار في العالم، و85 محطة، من بينها 4 محطات رئيسة، قام بتصميمها أشهر المكاتب الهندسية العالمية، وبطاقة استيعابية تبلغ 3.6 ملايين راكب يوميا، وبتكامله مع شبكة الحافلات، تتجاوز الطاقة الاستيعابية 4 ملايين راكب يوميا.
هذا الإنجاز العظيم سيزداد جمالا حين يكون فاعلا بتحقيق آماله ومستهدفاته، وهذا لن يتأتى إلا بملء مقاعده، فيعتاد الناس ركوبه والاستفادة من محاسنه وثمراته، وهو بلا شك تحدٍ آخر واجهته الكثير من دول العالم بحلول متفرقة، منها:
أولا: تذاكر نقل مجانية أو مدعومة، فعلى سبيل المثال، سعيا للحد من الازدحام المروري أصبحت تالين، عاصمة إستونيا، أول عاصمة أوروبية تقدم وسائل النقل العام المجانية للمقيمين في عام 2013. كما تقدم الصين تذاكر مجانية لفئات محددة، مثل: الطلبة وكبار السن وذوي الدخل المحدود، في حين أن الولايات الأمريكية المتحدة وبعض دول أوروبا تقدم تذاكر مدعومة لهذه الفئات، بدلا من كونها مجانية، وتذاكر مخفضة لمن يرغب في استخدام النقل العام بشكل يومي.
ثانيا: رسوم وسياسات للحد من استخدام السيارات، كما فعلت بريطانيا وسنغافورة بفرض ضريبة على استخدام الطرق أو رسوم على المواقف للتقليل من استخدام السيارات أو التشجيع على المشاركة في استخدامها. وذهبت فرنسا وإسبانيا إلى أبعد من ذلك بتقييد دخول المركبات الشخصية إلى مناطق مركزية لتعزيز استخدام النقل العام. وتطويرا لمثل هذه السياسات، نفذت المكسيك برنامجا يدعى (لا قيادة اليوم) يتمحور حول منع استخدام نسبة محددة من السيارات في أيام معينة لتشجيع أصحابها على تجربة استخدام النقل العام. في حين أن دولاً أخرى مثل الدنمارك استثمرت في البنية التحتية لتهيئة الطرق والممرات لتشجيع المقيمين والسياح على المشي بالأقدام أو ركوب الدراجات.
ثالثا: شبكة متكاملة وتقنيات عالية، فمثلا يقدم النقل العام في اليابان حلولا دقيقة وسلسلة ومريحة وشاملة تشجع العامة من استخدامه. كما قامت فنلندا والنرويج وكوريا الجنوبية بدمج شبكات القطارات والحافلات وسيارات الأجرة في نظام تقني ومالي موحد لتحسين تجربة المستفيد. في حين أن بعض الدول مثل بريطانيا، تكبدت أعباء مالية إضافية لتوفير خدمات الإنترنت المجانية في قطاراتها تشجيعا لساكنيها ومرتاديها على زيادة استخدامها.
رابعا: رفع الوعي بأهمية النقل العام، فقد نجحت بعض الدول، مثل هولندا والولايات الأمريكية المتحدة وبريطانيا، في تعزيز استخدام الدراجات أو النقل العام في بعض مدنها المزدحمة من خلال حملات توعوية مستمرة، وبمشاركة جميع الجهات الحكومية والخاصة، للتعريف بثمرات النقل العام وما تحققه من استدامة بيئية ورفع لمستوى جودة الحياة.
افخروا يا أهل الرياض، وأبناء مملكتنا الحبيبة، بهذا الإنجاز الكبير، واشكروا المولى - عز وجل - أن أنعم علينا بقيادة طموحة وسواعد فتية تسابق الزمن؛ لنكون الأفضل عالميا خُلقا وعلما وتقدما وحضارة، لما فيه خير للعباد والبلاد، وما "مترو الرياض"، وما يحمل في طياته من أبعادٍ اجتماعية وثقافية واقتصادية وبيئية وابتكارية، إلا واحدًا من إنجازات وطننا الغالي نحو تحقيق رؤيته الواعدة والطموحة.
0 تعليق