منذ عهد الأولين وإلى اليوم، والشعر القطري يحافظ على خصوصيته، بالانحياز للقيم، وإعلاء مصلحة الوطن، مما أكسبه تميزا، تكامل مع سمات القصيدة التي يتصف بها، من حيث عمق المفردة اللغوية، وتماسك البناء الفني.
هذه السمات امتدت إلى أغراض الشعر المختلفة، ومنها القصيدة الوطنية، مما حقق لها انتشارا، لامست معه أصحاب الذائقة الشعرية، حتى ذاع صيتها على ألسنة المتلقين، كونها تخاطب الوجدان، وتعبر عن الذات، وتثير الشجن الوطني، فكانت أقرب إلى الجمهور، يصدح بها، كلما غلبه التعبير عن حب الوطن، أو تأكيد الانتماء له.
ومن بين الشعراء الذين كان لهم حضورهم اللافت في إنتاج القصيدة الوطنية، الشاعر فالح مبارك العجلان الهاجري، والذي أنتج العديد من القصائد الوطنية، وتغنى بها عدد من المطربين، منها: "يا علم رفرف على كل السواري، وعانقي هام السحايب والرعود، وصفوة الجيل، ويا هل العليا، ونبراس الأجيال، وحنا لها، وهلي برد، وإزفني للعزاوي، ورشراش، وعوية الذيب، والمستحيلة، وماهي علينا ثقيلة، وحنا بخير وديرة العز في خير"، وغيرها.
وفي هذا السياق، أكد الشاعر فالح الهاجري، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية/قنا/ أنه رغم اعتزازه بكل هذه القصائد، إلا أنه يعتبرها جهدا قليلا في حق الوطن، في ظل ما ينعم به أبناء الوطن من حقوق وخيرات، كما أنه لا يمكن تأكيد حب الوطن والانتماء له، عبر كلمات، أو قصائد، إذ إن الانتماء للوطن، لا يمكن اختزاله في مفردة لغوية، أو غيرها.
وأوضح أن "الانتماء للوطن، أزلي، وباق، ما بقى المواطن على الأرض، وأن الوطن عنده هو أجمل من كل القصائد التي أنجزها، ولذلك فإن الانتماء للوطن أمر وجودي يلازم الإنسان، وينمو معه، وأن الشعراء من خلال إنجازهم لأعمالهم الوطنية، فإنهم بذلك يؤكدون هذه المعاني في قلوب الجيل الحالي، والأجيال المقبلة، ليصبح ذلك من الموروث الخالد لأعمالهم الوطنية".
وحول مدى تفاعل الشعراء مع اليوم الوطني للدولة، أكد الشاعر فالح الهاجري، الملقب بـ"شاعر الوطن" أن اليوم الوطني يحفز الشعراء لإنتاج قصائد وطنية، كونه الأقرب للشاعر في كتابة القصيدة الوطنية، علاوة على ما تشكله المناسبة ذاتها من تحفيز للإبداع بشكل عام، ليترجم المبدعون كل ذلك في إنتاج، يعبر عن حب الوطن، ويؤكد عمق الانتماء له، بما يثير الشجن الوطني بين جمهور المتلقين.
وقال: إن حب الوطن لديه لا ينتهي، وأنه يتجدد معه كل ثانية، وكذلك الحال لجميع أهل قطر، إذ إن "كل حياتنا تعد أياما وطنية، فالوطنية ديمومة للإنسان، مادام الإنسان حيا على هذه الأرض، وينعم بها، وأن إنتاج الشاعر للقصيدة الوطنية يأتي ترسيخا لهذه المعاني، بما يدعم الانتماء الوطني، ويجعل حب الوطن والعطاء له، هو الأكثر استمرارا، كون الوطن، هو الأبقى والأسمى".
وأضاف أنه لذلك، تبقى القصائد الوطنية حاضرة دائما، مقابل أغراض شعرية أخرى، غير وطنية، قد تتلاشى، أو يقل تأثيرها في أوساط جمهورها، كون القصيدة الوطنية، هي التي تحفز المواطن، وتلامس مشاعره، ليكون ذلك هو الهدف الأسمى لها، انطلاقا من حرص الشاعر على تحقيق الاستمرارية، وتوارث هذه الأعمال بين الأجيال.
وحول السمات التي تتميز بها القصيدة الوطنية دون غيرها، أكد الشاعر فالح الهاجري أن القصيدة الوطنية هي الأقرب إلى المصداقية، كونها تلامس مشاعر المواطن الحقيقية، ويشعر معها بأن الوطن هو البقاء الدائم في حياته، ما دام له عمر، لتأتي المناسبة الوطنية لتكون وسيلة أكثر لانتشارها، كون الوطن راسخ في وجدان الجميع، ولذلك تكون القصيدة الوطنية هى الأكثر تأثيرا في أوساط جميع أبناء الوطن.
وأضاف أن القصيدة الوطنية تتسم أيضا بعبارات محكمة، تكسبها تميزا، علاوة على تماسك بنائها الفني، لما يعكسه عمق تأثيرها من تعبير عن الحس الوطني، الذي يعزز الانتماء، لافتا إلى أنه حينما ينتج القصيدة يتعمق لديه شعور وطني كبير، بأنه يحمل مسؤولية تجاه جميع من يسمعها، أو يصدح بها، بجانب حرصه على أن تتوارثها الأجيال، انطلاقا من كون القصيدة تحمل رسالة وطنية، مما يستدعي معها سلاسة كلماتها، ووضوح معانيها، الأمر الذي قد يجعلها أيضا وسيلة للحن فني راق، أو أداء غنائي مميز.
وفيما يتعلق بعوامل انتشار القصيدة الوطنية، أكد الشاعر فالح العجلان الهاجري أن مواقع التواصل الاجتماعي حققت لها انتشارا لافتا، في ظل التطورات الحديثة، مشددا على أن المعيار الأساسي لانتشار العمل الوطني، سواء كان قصيدة، أو غيرها، يرتبط بنوعية العمل ذاته وتميزه، وليس في كمه، مؤكدا حرصه على رصد ردود الفعل حول القصائد التي ينجزها، سواء من جانب الشعراء، أو الجمهور العادي، كون الأعمال الوطنية تحمله أمانة كبيرة تجاه الوطن.
وعن إمكانية انتشار القصيدة الوطنية، خارج حدود الوطن، أكد أن هناك العديد من الأعمال الوطنية يذيع صيتها، خارج الوطن، ولا تقف عند حدوده، ورغم مفرداتها المحلية، إلا أن كثيرين خارج الوطن يرددونها دائما، للمزايا المشار إليها سابقا، مما يجعلها محفورة في ذاكرتهم، لاسيما إذا تم توظيفها في عمل غنائي.
وقال: إنه لذلك، فإن الشاعر الحقيقي هو الذي يتمكن من إنجاز قصيدته الوطنية، وفق سمات تؤهلها لعمل غنائي، بما يحقق لها الانتشار، فضلا عما يحققه لها من تنوع، كون الشاعر ينجز قصيدته، ليلحنها الملحن، ثم يؤديها المطرب، أو المجموعات، فتثري بذلك الذائقة العامة لدى المتلقي، وتعمق لديه الشجن الوطني.
وإذا ما كانت القصيدة الوطنية المغناة أسرع انتشارا من غيرها، أكد أن تلحين القصيدة الوطنية يحقق لها انتشارا وسرعة كبيرين بالفعل، لاسيما في ظل سرعة العصر، وما يشهده من تطورات تقنية تحقق الانتشار للقصيدة المغناة، مع ضرورة توفر الوقار لتلحين القصيدة، بما يناسب القيمة والمناسبة الوطنية.
وحول كيفية الحفاظ على القصيدة الوطنية من التلاشي، شدد الشاعر فالح الهاجري على ضرورة أن تكون لهذه الأعمال مرجعية حقيقية، بالإضافة إلى توثيقها رقميا، وهو ما يضمن للشاعر حقوقه الفكرية، منعا لقرصنة أعماله، أو الاستيلاء عليها، مؤكدا أن "منطقتنا الخليجية لديها تعطش دائم للشعر، ويحرص أبناؤها دائما على الإبداع فيه، كما أنها تتميز بذائقة سمعية، تكاد تختلف عن غيرها، مما يجعلها جديرة بالتوثيق، والحفاظ عليها من الاندثار، أو التلاشي".
وفيما إذا كانت القصيدة الوطنية تشهد تنوعا في ذاتها. لفت الهاجري إلى أن القصيدة الوطنية قد تشهد تنوعا في بنيتها، التي قد ترتبط بمناسبة وطنية عابرة، مما يجعلها قصيدة آنية، قاصرة على المناسبة التي قيلت فيها، بينما القصيدة الوطنية العامة، تخرج عن الظرفية الآنية، بما يجعلها متداولة في كل الأوقات، "لذلك أحاول أن تكون قصائدي الوطنية، صالحة لكل الأزمان والأوقات، بل وتظل تصدح بها الأجيال".
وفي هذا السياق، أكد الهاجري أن أحد أسباب رسوخ القصائد أو الأغاني الوطنية في أذهان المستمعين، هو تعبيرها الصادق، وملامستها لمشاعرهم الوطنية، مما يجعلها تنتقل من جيل إلى آخر، محققة بذلك أحد أهم أهدافها، وهو أن تتوارث بين الأجيال، لتنتقل من جيل إلى آخر.
واختتم الشاعر فالح العجلان الهاجري تصريحاته لـ قنا بالتأكيد على أن الوطن لديه أكبر وأسمى من كل شيء، ولذلك لا يمكن اختزال حبه، أو تأكيد الانتماء له في عمل، أيا كان نوعه، إذ لا يمكن اختزال الشيء الثمين في جزء بسيط، كون الوطن يتجاوز كل شيء، فهو الباقي، وما سواه إلى زوال".
0 تعليق