«الفلسفة السياسية».. تفعيل التنظير لمجتمع أفضل

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

«الفلسفة ملهاش علاقة بالواقع».. «الفلسفة فى الكتب وبس، ونظريات الفلاسفة داخل الكتب وبس».. ستظل هذه الدعاوى وتلك العبارات هى الشيطان الماكر الذى يلعب بعقول قراء الفلسفة، بل والمانع ايضًا لكل من أراد الدخول والبداء فى قراءة هذا الفرع المعرفى الزخم، ما لم نُبين الدور الحقيقى الذى تشغله الفلسفة وهنا سنحاول خلال الكبسولة الفلسفية لهذا الأسبوع، بيان الدور المحورى الذى تلعبه الفلسفة من خلال أحد افرعها المسمى بـ «الفلسفة السياسية».

عزيزى القارئ تحاول الفلسفة على مر العصور ترشيد سلوكنا على نحو عقلانى، وهو ما يتطلب مفهومًا عامًا فى العالم الذى يتم فيه هذا الترشيد وفى أنفسنا بوصفنا كائنات فاعلة فيه. وتأتى السياسة لإتمام دور الفلسفة، من خلال وضع القوانين والضوابط التى يحتاجها المجتمع من أجل استقراره وتقدمه، وهنا كان لا بد من حدوث المشاركة بين الفلسفة والسياسة فى إنتاج مجتمع متماسك عضويًا، متكامل نسبيًا.

فكان من المستحيل على الفلاسفة أن يغضوا الطرف عن السياسة، لذلك يجب أن تُغذى الفلسفة السياسة بالمعايير، وبالنظريات المرشحة للفعل، وأن تعمل على توعية السياسى توعية تؤكد له مفهوم «إنسان»، وتجعله أكثر حساسية بمسئولياته. وليكن تساؤلنا، كيف تساعدنا الفلسفة السياسية على فهم المسائل السياسية فى عصرنا وحلها؟

إجابتنا عن التساؤل السابق تكمن فى الدور الذى تلعبه الفلسفة السياسية، حيث تعرضت لكل من أصل الدولة ومحاولة تفسير نشأة السلطة فى المجتمعات القديمة، ثم تطرقت لطبيعة الدولة والأسس التى تقوم عليها سلطتها، وحق السيادة بداخلها وصاحب السلطة فى إصدار القرارات فيها، والعلاقة بين الحكام والمحكومين، ومدى شرعية السلطة فيها وأنواع أنظمة الحكم، والشكل المثالى للسلطة، بمعنى أن الفلسفة السياسية تعرضت لكافة فروع علم السياسة وأن كانت تتركز فى الأساس على السلطة ذاتها.

لذلك تعتبر مؤلفات كبار فلاسفة الإغريق القدامى، وعلى رأسهم أرسطو وأفلاطون، هى أول المؤلفات التى تضمنت تحليلات سياسية قابلة لأن تشكل أساسًا لما أصبح يعرف فيما بعد بالفلسفة السياسية. وقد ألهمت هذه المؤلفات – وهو ما أكدناه على مدار ثلاثة أجزاء متصلة حملت عنوان «الفلسفة والسياسة.. رؤية فلسفية لسياسات الحضارات القديمة» نُشرت على بوابة دار الهلال الإلكترونية – عددًا من الفلاسفة والمفكرين الذين تتابعوا على مر القرون منذ العصر اليونانى القديم وحتى العصر الحديث. غير أن هؤلاء الفلاسفة والمفكرين طرحوا رؤى ونظريات وتحليلات سياسية شديدة الاختلاف والتبيان.

أضف إلى ذلك صديقى القارئ تتضمن الفلسفة السياسية فى نفس الوقت بعدًا وصفيًّا، أى إعطاء وصف للحياة الجماعية ووصف عمل الحكومة السياسية، وتوضيحيًا، أى التشكيك فى أصل المدينة والقوانين، وفهم أسباب تطور النظم، ومعياريًا، أى تحديد النظام الأكثر عدلًا. بقدر ما تسعى إلى تحديد مبادئ الحكومة الرشيدة من خلال البحث عن المبادئ الأخلاقية، ولهذا ترتبط الفلسفة السياسية ارتباطًا وثيقًا بالفلسفة الأخلاقية، أى أن التفكير فى الأخلاق، وخاصةً الفضائل، يسهم هذا فى تحديد ما ينبغى أن تكون عليه المدينة الخاضعة لحكم رشيد.

وفى الختام يمكننا القول إن الفلسفة السياسية هى اجتهادات ورؤى يطرحها المفكرون، لتفسير الظواهر والأوضاع السياسية القائمة، أو لصياغة نماذج لمجتمعات مثالية، أو فاضلة فى محاولة لتجاوز الواقع المعاش والتغلب على سلبياته. وقد اختلفت الموضوعات التى جذبت اهتمام المفكرين ودفعتهم لدراستها والتعليق عليها باختلاف العصور والأزمنة التى عاشوا بها. ولذلك يصعب فهم الأفكار السياسية وسياق تطورها بمعزل عن الزمان والمكان والبيئة الاجتماعية والسياسية التى ظهرت فيها تلك الأفكار. وبعبارة واحدة، على السياسى أن يحتك بالفلسفة ليستمد منها المعونة النظرية والأخلاقية، لتحسين المجتمع وتطويره لغدٍ أفضل.

[email protected]

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق