تستضيف القاهرة، خلال الأسبوع الجارى، قمة منظمة الدول الثمانى الإسلامية للتعاون الاقتصادى «D8»، فى نسختها الحادية عشرة، التى ستناقش سبل مواجهة المتغيرات العالمية الاقتصادية والسياسية المتلاحقة.
وتترأس مصر النسخة الحالية من القمة، حيث تولت رئاسة المجموعة فى مايو الماضى، وتستمر فى قيادة أعمالها حتى نهاية العام المقبل. ومن المقرر أن تعقد القمة على المستوى الرئاسى، حيث يحضر رؤساء الدول الأعضاء الـ٨ بما فيها مصر، وهى: تركيا، وبنجلاديش، وإيران، وإندونيسيا، وماليزيا، ونيجيريا، وباكستان.
وتحدثت عدة تقارير عن حضور الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وكذلك الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان، فى أول زيارة لرئيس إيرانى للقاهرة منذ نحو ٩ أعوام، بالإضافة إلى حضور نجيب ميقاتى، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية. ومن المتوقع أن تعقد عدة قمم ولقاءات ثنائية على هامش انعقاد قمة منظمة الدول الثمانى الإسلامية فى القاهرة، سواء على مستوى الرؤساء أو الوفود المشاركة فى المؤتمر.
أولويات الأجندة المصرية
تتركز أولويات الأجندة المصرية على الارتقاء بالتعاون بين الدول الأعضاء فى الموضوعات الاقتصادية، وتعزيز وتفعيل الأطر القائمة فى مجالات التجارة والزراعة والسياحة والصحة والشباب والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصناعة.
وتشمل الأولويات المصرية، أيضًا، العمل على تعزيز وتمكين المرأة والشباب عبر الشركات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة معدلات الاستفادة من تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لدعم التنمية وتعزيز التجارة.
وكشف السفير راجى الإتربى، مساعد وزير الخارجية للشئون الاقتصادية متعددة الأطراف الدولية والإقليمية مفوض مصر لدى المنظمة، عند تسلم مصر رئاسة المجموعة، خلال شهر مايو الماضى، عن أن القاهرة ستسعى إلى إطلاق شبكة للتعاون بين معاهد التدريب الدبلوماسى، وشبكة أخرى لمراكز الأبحاث الاقتصادية بين الدول الأعضاء، فضلًا عن متابعة جهود المنظمة فى إنشاء مركز للشركات الصغيرة والمتوسطة، وصندوق لتمويل المشروعات وفقًا لمعايير الاستدامة، وتعزيز التعاون فى مجال السياحة المستدامة وصيانة التراث، بالإضافة إلى السعى لتفعيل مبادرة إنشاء بنك للبذور فى إطار تعزيز جهود تنمية الزراعة المستدامة.
وأكد، حينها، أن الرئاسة المصرية ستسعى إلى الانتهاء من كل التفاصيل الخاصة باستكمال اتفاقية التجارة التفضيلية بين الدول الأعضاء بالمنظمة، تمهيدًا لدخولها حيز النفاذ، وتدشين مستوى جديد من التعاون بين دول المنظمة، وتعزيز دور القطاع الخاص فى المبادلات الاقتصادية البينية.
وتسعى مصر إلى تعزيز التعاون بين دول المجموعة فى مجالات التجارة، والصناعة، والتكنولوجيا، حيث تملك دول مثل ماليزيا وتركيا صناعات متقدمة وتقنيات يمكن الاستفادة منها بشكل متبادل، كما أن ذلك التعاون بين الدول الأعضاء يمكن أن يسهم فى تحول المجموعة إلى قوة اقتصادية عالمية، ومصدر رئيسى للطاقة والغذاء، ما يعزز قدرتها على التأثير فى صنع القرار العالمى.
وتعمل مصر فى هذه المرحلة، التى يشهد فيها الاقتصاد العالمى تحولات كبيرة، للعب دور محورى فى التنسيق بين الدول الثمانى لتعزيز التكامل الاقتصادى، حيث تقود جهودًا واضحة تهدف إلى تطبيق آليات التعاون بين الدول النامية والاقتصادات الناشئة، وتسعى، بالتعاون مع الدول الأعضاء فى المجموعة، إلى تقليل الاعتماد على الأسواق الكبرى وتقوية اقتصاداتها المحلية.
وكذلك تعمل مصر على تعزيز تعاون الدول فيما يخص تسريع الابتكار المحلى، ونقل المعرفة، وتطوير التكنولوجيا، بما يسهم بشكل كبير فى تحسين أوضاع شعوب الدول الأعضاء، ويمنحها قدرة أكبر على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية العالمية.
تحقيق التوازن فى النظام العالمى
تتمتع مصر بقدرة كبيرة على أن تصبح قوة فاعلة على الساحة الدولية، بتعزيز التعاون والتضامن بين الدول الأعضاء، من خلال توحيد الجهود واستثمار الموارد المشتركة.
فى هذا السياق، يمكن للقمة المقبلة أن تلعب دورًا مهمًا فى تحقيق التوازن فى النظام العالمى، ودعم احترام المجتمعات الإسلامية، وتعزيز مصالح الدول النامية والاقتصادات الناشئة، ومن ثم يصبح التضامن بين الأعضاء ضرورة استراتيجية لتحقيق هذه الأهداف الطموحة.
وتواصل مصر الاضطلاع بدورها كلاعب رئيسى فى تنسيق السياسات والمواقف داخل مجموعة الدول الثمانى الإسلامية، حيث تولى أهمية كبيرة لتعزيز التبادل التجارى بين الدول الأعضاء وتشجيع الاستثمارات والشراكات بين القطاع الخاص.
ومن خلال استضافتها عددًا من الفعاليات الاقتصادية البارزة، تسهم مصر بشكل فعال فى تعزيز التعاون فى مجالات حيوية، مثل قطاع الأسمدة، والطاقة، والبنية التحتية، بالإضافة إلى تعزيز تبادل السلع والخدمات بين الدول الأعضاء.
تعزيز التعاون فى مجال الأمن الغذائى
فى خطوة استراتيجية، تواصل مصر جهودها لدعم آلية اتخاذ القرار داخل المجموعة، حيث من المتوقع أن تشدد على أهمية التغلب على التحديات التى تواجه تفعيل اتفاقية التجارة التفضيلية بين دول المجموعة الثمانى.
وتضع مصر فى مقدمة أولوياتها التبادل العلمى فى مجالات البحث والتطوير، لا سيما فى قطاعى الزراعة والأمن الغذائى، حيث تعتبر هذه المجالات من الركائز الأساسية التى تعمل المجموعة على تطويرها.
وتكثف مصر، أيضًا، العمل فى مجالات حيوية أخرى، مثل المالية والخدمات المصرفية، والتكنولوجيا، والطاقة، والبيئة.
وتتميز رئاسة مصر النسخة الحالية من القمة بأن القاهرة تتمتع بعضويتها فى عدد من التجمعات الإقليمية والدولية الأخرى، وهذا التقاطع لا يقتصر على تعزيز مصالح مصر فحسب، بل يعتبر دعمًا قويًا لأهداف المجموعة ككل، ما يرفع من قوتها وقدرتها على تحقيق أهدافها على الساحة الدولية.
وتلعب مصر دورًا فعالًا عبر المجموعة لا يقتصر على تعزيز التعاون الاقتصادى، ولكن يشمل توجيه الجهود نحو تحقيق التنمية المستدامة ودعم المصالح الاقتصادية للدول الأعضاء، ما يجعلها مركزًا رئيسيًا فى السياسة الاقتصادية الدولية.
وفى خطوة بارزة، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة الدول الثمانى الإسلامية مركز المراقب، ما يعكس التقدير الدولى لدور المجموعة المتزايد، كما وقّعت دول المجموعة إعلانًا مشتركًا مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وهو ما يعزز التعاون بين الطرفين فى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الصعيد المالى، تشارك مصر فى عضوية البنك الإسلامى للتنمية، الذى شهد توقيع عدد من مذكرات التعاون مع دول المجموعة لدعم المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، بما فى ذلك المساعدات الفنية، والخبرات، والتمويل.
تطلعات للتعامل بالعملات المحلية
فى إطار سعيها لتعزيز العمل التجارى بين الدول الأعضاء، تواصل مجموعة الثمانى تطبيق اتفاقية التجارة التفضيلية، التى توفر مزايا جمركية وتسهيلات تجارية كبيرة، ولا تقتصر الطموحات من القمة المقبلة على ذلك فقط، بل تتطلع المجموعة إلى توسيع التعاون من خلال تطوير نظم الدفع الموحد والسماح بالتعامل بين الدول الأعضاء بالعملات المحلية، ما يعزز التكامل الاقتصادى داخل المجموعة ويتيح مزيدًا من الفرص التجارية.
وتعد القمة المقبلة فى القاهرة فرصة لتفعيل إمكانات الدول الأعضاء، لا سيما التى تمتلك موارد طبيعية وبشرية هائلة، ما يؤهلها لتكون لاعبًا مؤثرًا فى النظام الاقتصادى العالمى.
وتتمتع مجموعة الدول الثمانى بقدرات غير محدودة فى عدة مجالات، أبرزها الطاقة، والزراعة، والصناعة، حيث تمتلك إيران ونيجيريا ثروات نفطية وغازية ضخمة، بينما تسهم بنجلاديش وإندونيسيا بموارد زراعية هائلة، بالإضافة إلى القوة البشرية الهائلة، حيث إن تعداد سكان الدول الأعضاء مجتمعة تبلغ أكثر من مليار نسمة، ما يشكل سوقًا ضخمة يمكن استغلالها لدفع عجلة النمو الاقتصادى فى تلك البلدان.
وتعد مصر من أبرز الدول القادرة على استثمار هذه الإمكانات بفضل موقعها الاستراتيجى والموارد الاقتصادية المتنوعة، كما تعد فرصة مثالية لتوحيد المواقف السياسية بين الدول الأعضاء، خاصة فى ظل المتغيرات العالمية.
مناقشة الأوضاع الإنسانية فى غزة ولبنان وسوريا
تكتسب القمة أهمية إضافية من خلال دعوة نجيب ميقاتى، رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، للمشاركة فى أعمالها.
ومن المقرر تخصيص جزء كبير من مناقشات القمة فى بحث الأوضاع الإنسانية المأساوية فى لبنان وقطاع غزة، والتى نتجت جراء العدوان الإسرائيلى.
وكذلك ستتطرق مناقشات القمة إلى مسألة إعادة الإعمار، سواء فى غزة أو لبنان، فى خطوة تعكس دعم مصر القوى للقضايا الإنسانية فى المنطقة.
ومن المؤكد أن تناقش القمة الأوضاع فى سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد أمام الفصائل المسلحة قبل أيام.
من جهة أخرى، تبرز أهمية المجموعة كصوت قوى على الساحة الدولية للدول الإسلامية، حيث يمكنها أن تسهم فى تعزيز التعليم والتنمية فى المجتمعات الإسلامية، ما يعزز من مكانة الدول الأعضاء فى المحافل الدولية.
وتمثل منظمة الدول الثمانى منصة استراتيجية للتعاون الاقتصادى والتنمية المستدامة. ورغم التحديات التى تواجهها، فإن المجموعة تمتلك إمكانات هائلة لتحقيق الفائدة المشتركة بين دولها، وهو ما يتطلب المزيد من التنسيق واستثمار الموارد المشتركة لتعزيز حضورها على الساحة الدولية وتحقيق النمو الاقتصادى المستدام.
التبادل التجارى بين مصر والدول الأعضاء
سجّل التبادل التجارى بين مصر ودول الثمانى ٥.٩ مليار دولار خلال العام الجارى، إذ سجلت الصادرات المصرية إلى دول المجموعة ٢.٤ مليار دولار، كما شهدت الواردات المصرية ارتفاعًا لـ٣.٥ مليار دولار خلال الفترة ذاتها.
وحافظت تركيا على موقعها كأكبر شريك تجارى لمصر فى مجموعة الدول الثمانى، حيث بلغت قيمة الصادرات المصرية إليها ٢ مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى، تليها نيجيريا بمبلغ ٨٨.٩ مليون دولار، ثم إندونيسيا بـ٧٩.٦ مليون دولار، وباكستان بـ٦٧.٧ مليون دولار، وماليزيا بـ٦١.٦ مليون دولار.
وجاءت تركيا على قمة الدول الأكثر تصديرًا إلى مصر، حيث بلغت قيمة الواردات منها ٢.١ مليار دولار، وبعدها إندونيسيا التى سجلت ٩٢٨.٦ مليون دولار، تليها ماليزيا بـ٤٠٤ ملايين دولار.
وتسعى دول مجموعة الثمانى إلى تعزيز آليات التعاون التجارى والاستثمارى، خاصة فى ظل سعيها لتذليل العقبات التجارية وزيادة الفرص الاقتصادية المشتركة.
يهدف هذا التعاون إلى تنمية العلاقات التجارية، وتعزيز شراكات القطاع الخاص، فضلًا عن تطوير التقنيات المحلية ونقل المعارف بين الدول الأعضاء.
وتركز دول المجموعة على تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستويات المعيشة، بما ينعكس إيجابًا على شعوب الدول الأعضاء، من خلال العمل المشترك، حيث تسعى المجموعة إلى فتح مجالات جديدة للعمل، وتبادل الخبرات الفنية، بما يسهم فى تحقيق التكامل الاقتصادى والتجارى بين هذه الدول فى المستقبل.
استثمارات دول «الثمانى» فى مصر
على صعيد الاستثمارات، شهدت دول مجموعة الثمانى زيادة فى تدفق الاستثمارات إلى مصر بنسبة ٦.٢٪، حيث سجلت الاستثمارات نحو ٢٠٠.٤ مليون دولار خلال العام المالى ٢٠٢٢/٢٠٢٣.
وتصدرت تركيا دول المجموعة فى حجم الاستثمارات بمصر، حيث بلغ حجم استثماراتها ١٦٧.٢ مليون دولار، تلتها ماليزيا بـ٢٤ مليون دولار، ثم نيجيريا بـ٧.٦ مليون دولار.
وفيما يخص تحويلات المصريين العاملين فى دول مجموعة الثمانى، أظهرت البيانات زيادة طفيفة فى هذه التحويلات، حيث سجلت ٧١.١ مليون دولار فى العام المالى ٢٠٢٢/٢٠٢٣، مقابل ٧٠ مليون دولار فى العام المالى ٢٠٢١/٢٠٢٢. واحتلت تركيا المرتبة الأولى فى تحويلات المصريين العاملين بها، مسجلة ٣٠.١ مليون دولار، تلتها نيجيريا بـ١٨ مليون دولار، ثم بنجلاديش بـ٨.٢ مليون دولار.
0 تعليق