...إنّكَ تفهم وحدتك وتحبّها، لأنّكَ تتعلّمها وتتدرَّب عليها، وترى فيها واحدةً من أفضل اختياراتك على مستوى الذات.
وأنتَ إذ تتعلّمها وتتدرَّبُ عليها، فذلك لأنّكَ تريد منها أنْ تتدرَّج معك إلى مستوياتٍ تتوافق مع فهمكَ وتفكيرك، وفي تلك المستويات من التفكّر والفهم، ينشأ بينكما ذلك التصوّر الملهم، لأجمل الجوانب الخلاّقة الباعثة على تركيز جهدكَ الفكريّ في تكوين طريقتكَ المناسبة، لِخلق تفرَّدكَ الذاتي في مستويات التفسير، والاستنطاق، والإبداع، وحتّى إنّكَ تختبر من خلالها قدرتكَ على الشعور بوحدتك متفلسفاً، ومتحرراً، ومنطلقاً ورحباً.
ودائماً ما تحاول أنْ تتركَ في وحدتكَ أشياءً من جمال بصيرتك في حريّة القلب والعقل، لأنّك في هذه الحريّة تملك أنْ تعاين وحدتكَ على نحوٍ يزيدكَ إلهاماً وتطلّعاً وتفرّداً.
وكم ترى فيها قلبكَ يتهادى حرَّاً على ناصية الشغف، وكم ترى فيها أيضاً شعوركَ يتنامى حبّاً بقيمتكَ الحقيقيّة في معاني التفلسف، والخَلق، والحريّة والتفرَّد، وكلّ ذلك يُفضي بكَ إلى تشكيل ذاكرةٍ تراكميّة ملهمة، ترعى من خلالها وحدتكَ بالحميميّة والود والشغف، والإخلاص والتفاني.
بالتأكيد أنتَ تمارس من خلال وحدتكَ حقّكَ الإنسانيّ كاملاً في أنْ تعايشها فكراً وحريّةً، واستنطاقاً، وجمالاً وإبداعاً، وكلّما ذهبتَ بعيداً في وحدتك، كلّما كنتَ قريباً من ذاتك.
فالمسافات في حريّة الوحدة، تقاس بمدى قدرتكَ على تفعيل إحساسكَ العميق بجمالية عقلكَ في رصد تحوّلاتك وانشغالاتكَ وتطلّعاتك، وما بين كلّ مسافةٍ وأخرى ثمّة متّسعٍ لرؤيةٍ أجمل، ترى من خلالها كيف أصبحتَ تشعر بِوحدتك حرَّاً ومنفتحاً ومبادراً، لأنّك تملكُ أنْ تراها بعقلك وبكلّ كيانك، وتملكُ في الوقتِ ذاته أنْ تستخلص من جمالها، جمال إبداعك، وفرادتك وحريّتك.
لا أحد يستطيع أنْ يهزمكَ في وحدتك، لأنّ فيها ملاذك الملهم، وحريّتكَ الكاملة، وتفكيرك المستقلّ، ورحابتكَ الخلاّقة، ولذلك مَن لا يستطيع أنْ يبني وحدته، يبقى مهزوماً وهشّاً، ومتاحاً لكلّ افتراسات العقل الجمعيّ.
وحده الذي يسعى إلى فرادة المعنى في اشتهاءات المعرفة، وإلى خلق الرؤية في أفق التفكير، يبقى حرّاً وقويّاً في وحدتهِ، لأنّه يملك في كلّ ذلك حكايةً ملهمة عن ذاته، وأفكاره، وتأمّلاتهِ وحضوره، ويملكُ ذاكرته المعرفيّة المستقلّة في انشغالات الإبداع والتميّز.
في فلسفة الوحدة، الذات تصير كياناً مستقلاً، يقوم على أساس الموضوع الذي تعمل عليه بناءً وتفلسفاً، وفكراً، فالذات هنا ليست وهماً أو زيفاً أو فراغاً، إنّما هيَ في أصلها حركةٌ تتماثل وجوداً مع وجودها الإبداعيّ والفكريّ.
وإنّها في الجانب الآخر من ذلك، تملكُ حقيقتها في كونها اكتشافاً لحقيقتها في أفق الخَلق والتغيير والتطوّر، من حيث إنّها تملك في وحدتها كلّ تبصُّراتها الثاقبة، في أنْ تكون حياةً كاملة، تحملُ في جوانبها كلّ إمكانات التجديد والحركة، والمبادرة والحريّة.
وأجمل الأشياء قد تتخلّق إبداعاً وتميّزاً وجمالاً في ذاكرة الوحدة، لأنّها الذاكرة التي لا تخون، ولا تشيخ، ولا تضعف، تستمد استمراريّتها من حركتها الدائمة في أفق التفكير والنقد والاكتشاف، وتتجدَّد في رحابة التغيير والفهم والتفكّر، وتبقى مخلصة للعقل الذي يؤدي دوره التنويريّ، في أنْ يكون متنوّراً ومتبصراً في اكتشاف المعاني التي تجعله بارعاً، في تجاوز الثقافات الاستلابيّة والتلقينيّة واليقينيّة.
إنّها الذاكرة التي تكشف عن براعة الفكر في تجلّيات الوحدة الخلاّقة، وهي ذاتها التي تأخذ بالإنسان بعيداً إلى أجمل ما في وحدتهِ من معاني الحريّة والتفرَّد والإبداع.
كاتب كويتي
0 تعليق