مراجعات
الإثنين 16/ديسمبر/2024 - 07:51 م 12/16/2024 7:51:29 PM
«الثامن من ديسمبر 2024»، كان يومًا استثنائيًّا في تاريخ سوريا، بعد فرار «الأسد»، وسقوط النظام سريعًا، ثم دخول قوات المعارضة المسلحة إلى دمشق، إيذانًا ببدء «عهد جديد»، وإعلان وفاة حُكم «البعث» الذي استمر لأكثر من نصف قرن.
من حقّ الشعب السوري أن يعيش نشوة الفرح ولذة الانتصار، بعد عقود دامية ومريرة، لكن الحذر واجب ومطلوب خلال الفترة المقبلة، حتى يتعافى ويبرأ من مخلَّفات الماضي الأليم، وألا يطمئن أو يثق في أيِّ طرفٍ إقليمي أو دولي، قبل أن تنجلي ملامح الواقع الجديد.
ورغم أن انهيار وسقوط النظام بهذا الشكل الغامض والمفاجئ والسريع، لم يكن متوقَّعًا على هذا النحو «الهوليوودي»، إلا أنه طرح أكثر من علامة استفهام، أهمها: هل كان «تحرير الشام» جزءًا من صراع الدول الكبرى، أم «شاميًّا» وطنيًا خالصًا.. وكيف استطاع هؤلاء المقاتلون ـ الذين كانوا حتى وقت قريب مجرد فصائل متناحرة ـ أن يحققوا ذلك «النصر المبين» في غضون أيام؟
لاشك أن أي مخلص غيور على دينه وعروبته، يرجو لسوريا أن تجتاز محنتها وآلامها، فيكفي هذا الشعب الأصيل ما عاناه من كوابيس جماعية وتجربة قاسية لعقود طويلة، أن يحيا حياة كريمة، تليق بأصالته وعراقته، والتعافي من أمراض وجائحات استمرت لأكثر من نصف قرن.
مع سقوط النظام، وفرار «الأسد»، نرجو أن يطوي السوريون صفحات من الألم والدمار، وألا يجدوا أنفسهم أمام مشهد معقد، تتداخل فيه أبعادٌ داخلية وإقليمية ودولية بشكلٍ فج، قد يؤدي إلى اتساع تشظِّي الوطن جغرافيًّا وديمغرافيًّا، واتساع نزيف الخسائر، بشريًّا واقتصاديًّا.
يجب على السوريين استغلال تلك الفرصة التاريخية لإعادة وطنهم إلى مكانته التي يستحقها، من خلال التعلم من تراكمات وأخطاء الماضي، وعدم الاعتماد على «الوصاية» الخارجية، التي تفقدهم استقلالية القرار السياسي والاقتصادي، حتى لا يكون الأمر مجرد استبدال «تبعية» بأخرى.
نتصور أن السوريين الآن أمام فرصة تاريخية حقيقية، لطي صفحة الماضي، وبدء صفحة جديدة، عنوانها توحيد الصفوف وإعادة اللُّحمة الوطنية وتجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية، وطرح رؤية واقعية للمستقبل، لتجنب الفراغ السياسي، أو "بعث" الدولة العميقة والثورة المضادة.
نتصور أن التحدي الأكبر يكمن في إعادة الإعمار وبناء سوريا من تحت الركام، وذلك بالطبع يتطلب تعاونًا دوليًّا صادقًا، والتزامًا بتقديم الدعم الإنساني والإغاثي الفوري، بعيدًا عن أي أجندات سياسية.. وقبلها وجود إرادة داخلية قوية لدى السوريين أنفسهم.
أخيرًا.. إن سقوط النظام وفرار «الأسد» ليس كلمة النهاية، بل إنها بداية فصل جديد مليء بالآمال والمخاطر، يتطلب قراءة دقيقة ومتأنيّة، بعيدًا عن التناقضات الأيديولوجية والسياسية والطائفية، فالحفاظ على سوريا موحدة ومستقرة، لا يقتصر على كونه واجبًا وطنيًّا، بل ضرورة إنسانية وأخلاقية وإسلامية وعروبية.
فصل الخطاب:
يقول المفكر الجزائري «مالك بن نبي»: «لا يمكننا أن نصنع التاريخ بتقليد خُطا الآخرين في سائر الدروب التي طرقوها».
0 تعليق