سوريا إلى أين.. ؟!

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في أحد عشر يوماً سقط واحدٌ من أعتى أنظمة الحكم في المنطقة، بصورة لم يتوقعها أحد ولا كانت بعيدة كل البعد عن التوقع. في وقتٍ بدأ وكأن نظام الأسد قد أعيد استيعابه في المنطقة والعالم، وهو في أوج قوته والقبول به بعد مقاطعة وعزلة سياسية امتدت لأكثر من عشر سنوات. سقط نظام الأسد، بصورة «دراماتيكية» لم يتوقعها أحد. حتى الثوار أنفسهم لم يتوقعوا الإنجاز العسكري الكبير الذي أحرزوه في الميدان، في الوقت الذي كان الجميع يأملون أن تحدث انفراجة على الجبهة السياسية، بتحريك المياه الراكدة والآسنة، يمكن من خلالها التوصل لتسوية سياسية بين النظام والمعارضة.

ربما كانت حسابات المعارضة التي انطلقت من جيب في شمال غرب سوريا (إدلب) دقيقة بما يكفي لتحقيق هدفها السياسي من المجازفة التي هي مقدمة عليها، على الأقل بلفت الانتباه للأزمة السورية، أخذاً في الاعتبار التحولات التي حدثت في المنطقة، خاصةً تلك التي لها علاقة بحزب الله وروسيا. في هذا الصدد كانت المعارضة قراءتهم للواقع صائبة بما يفوق الإنجاز الذي أحرزوه باللجوء إلى العنف لتسوية أزمتهم مع النظام. حزب الله كان قد خرج للتو من هزيمة في مواجهة إسرائيل، بهذه الهزيمة تم خسارة أعتى أدوات التوسع شرقاً في منطقة الهلال الخصيب وشرق المتوسط. بالإضافة إلى أن المعركة في المنطقة لن يكتب لها النجاح بعد أن فقدان المخلب الحاد (حزب الله)، الذي اُستثمر فيه كثيراً لإنجاح المشروع التوسعي في المنطقة.

أيضاً: حليف نظام الأسد الدولي (روسيا)، تغيرت أولوياته السياسية والأمنية، بتورطه في الحرب مع أوكرانيا التي تقع على حدوده الجنوبية الغربية. لم تعد روسيا تتمتع برفاهية الإطلالة على مياه البحر المتوسط، وهي تواجه تحديات خطيرة على شواطئ البحر الأسود، ضمن حدودها الإقليمية. فقدان الدعم السياسي والعسكري لروسيا، ومساندة (حزب الله)، انكشفت سوءة نظام الأسد الأمنية، فانهار خلال أيام.

لكن هل بانتصار المعارضة على نظام الأسد وإجباره الهرب إلى روسيا، تكون المعارضة قد حققت انتصاراً مبيناً يمكّنها من حكم سوريا موحدة، ذات سيادة كاملة على أراضيها. سوريا، كما هو معروف بها تعددية طائفية وعرقية متناقضة، وهي أقرب، بل إن بعضها يتوق للانفصال عن الدولة السورية، كما هو الحال مع الأكراد في شمال شرق سوريا الذين تدعمهم الولايات المتحدة والغرب، حفاظاً على التواجد العسكري في المنطقة، حيث النفط السوري، وقيادة المنطقة المركزية الأمريكية، بحجة محاربة الإرهاب.

ثم هناك مشكلة ملايين السوريين الذين فروا من سوريا، بعد أحداث ثورة ٢٠١١، ويتوق معظمهم للعودة. ليس التحمس للعودة يقتصر على هؤلاء، بل أيضاً على الدول المضيفة لهم، خاصةً تركيا ودول الاتحاد الأوروبي. ثم تأتي معضلة الاعتراف الدولي بالحكام الجدد لسوريا الذين يتوجسون خيفةً من خلفيتهم الإسلامية وعلاقتهم السابقة مع داعش، الذي يواجه تحالفاً دولياً بقيادة الولايات المتحدة لمحاربته.

كما علينا ألا ننسى الجارة الشمالية لسوريا تركيا حيث تتفجر مشكلة مزدوجة. تركيا كما تصرح دوماً أن ليس لها أطماع في الأراضي السورية، إلا أنها تتطلع لإحداث منطقة عازلة بين سوريا وتركيا، تصل إلى ٣٠ كلم داخل الأراضي السورية المحاذية للحدود مع تركيا، لردع الانفصاليين الأكراد.

وقد تكون إسرائيل أخطر معضلة أمنية تواجه القادة الجدد في دمشق. استغلالاً للفراغ الأمني وسّعت إسرائيل وجودها العسكري على الحدود مع سوريا لتضم ما يقرب من ربع مساحة الجولان المحتل، مع مباشرة حملة عسكرية ضد سوريا بمهاجمة عتاد الجيش السوري بطول البلاد وعرضها، بحجة مخاوفها الأمنية من التحول الأخير في نخبة الحكم بدمشق.

كل معضلة من هذه الأزمات كفيلة بأن تفتت سوريا إلى دويلات ومقاطعات وضِيَع يصعب احتواها في دولة مركزية واحدة، كما هو الحال في ليبيا والصومال.

الإنجاز الحقيقي للمعارضة السورية المسلحة ليس في هزيمة حزب البعث وإسقاط نظام الأسد والوصول إلى دمشق، بل في المحافظة على الدولة السورية بحدودها الدولية في ظل حكومة وطنية تعبر بصدق عن إرادة الشعب السوري وتساهم بإرادة سياسية تدفعها نزعة وطنية صادقة أمينة للعمل على استقرار المنطقة ورفاهيتها.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق