سوريا اليوم هي المشهد الحاضر بقوة عربياً ودولياً، وهي الأكشن السياسي الذي لا يغفل أحداثها كبير وصغير وهي الحدث الرئيسي على طاولات السياسة اليوم، وسوالف المجالس والدواوين العربية، فالكل يتحدث عن تدفق الثوار وسجون الأسد ومشاهد التعذيب وأدوات القتل ومصانع الكبتاجون ورواتب الموظفين والبراميل المتفجرة... إلخ، وفي المقابل هناك من يتفاءل بمستقبل مزدهر وهناك من يتوجّس وهناك من يطلع على المشهد بعين ثاقبة وعقل حصيف والحاضر لا يترجم المستقبل مطلقاً، بل إن الشقوق التي أحدثها النظام السابق في قلب سوريا أكبر من أية رقعة لأي (نسيج)، فالتعددية العرقية والدينية لوحدها تحتاج حصافة وحكمة لجمعها تحت لواء الوطن وبإدارة عقول واعية ورزينة وليس عقل قائد واحد يؤمن بالتعددية ويعطي الوعود باحتوائها حتى وإن كان يتمتع بمدارك فذة وعقل متقد، فالثوار أو (المعارضة) كما يسمون أنفسهم جاؤوا من خلفية واحدة وبغطاء عقائدي واحد، وكما شاهدنا نماذج جيدة ومعتدلة لبعضهم فقد شاهدنا نماذج أخرى تخالف ذلك وهنا بيت القصيد، ناهيك عن إدارة دولة بمثابة رقعة للصراع الدولي في المنطقة ومطمعاً لقوى إقليمية متعددة، وساحة للعبث الإسرائيلي الذي من شأنه خلق صراعات جديدة، هذا فضلاً عن الخلايا الإرهابية التي سوف تستغل حالة الفراغ الأمني كداعش التي بالفعل بدأت بشن هجمات نوعية في البادية السورية وقتل عسكريين ورعاة أغنام!
رغم التوترات الإقليمية، والأحداث الدموية التي شهدتها المنطقة في المرحلة الحالية فإنه يحسب للمشهد السوري هذا التحول الذي تميز بالهدوء دون إراقة دماء ودون عنف أو فوضى، إضافةً إلى الانتقال المنظم للسلطة بطابع سلمي وغير عشوائي، وهذا من شأنه أن يبعث بعضاً من الطمأنينة تجاه سوريا العربية التي تسيدت طاولات الحوار العربية وقممها واجتماعاتها لما تحظى به من اهتمام ولما يُعد لها من احتضان عربي وفق سلطة تراعي حقوق الشعب وبناء وطن يستحق الأفضل على جميع المستويات، هذا وقد كان البيان الختامي لقمة العقبة الذي عقد في الأردن في الرابع عشر من هذا الشهر بشأن المستجدات في سوريا، كان واضحاً في بنودة التي كان أهمها:
الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته.
ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية وضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين.
الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته، في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة.
وفي تقديري إن الفقرة الأخيرة هي بمثابة البناء الحقيقي لدولة آمنة ومستقرة، حفظ الله سوريا عربية أبية مزدهرة.
0 تعليق