سيُخَلد التاريخ حكم أسرة الأسد، لأنه أحد أنظمة بشاعة التاريخ في استعباد البشر، ولحدوثه في عصر النور والحريات وتقنيات فضح الخوافي.
نظام دستوره الجبروت، ورؤيته سخط التعذيب، والطمر في المقابر الجماعية، وكبس وأحرق العظام لطمس آثار الفظائع، ظنا من قادته أن عجلة الزمن تدوس حقائق الغي، وأن الحقيقة قابلة للتزوير والافتراء.
الخيال، هو فعلا ما تحقق لعدسات وجدت الفرصة لتصوير بعض نهايات رماد الصور، وأنوف تلمست روائح الجثث والقاذورات، وسماع سرد حكايات الناجين، نقاط على حروف كادت تنسى معانيها، بألسنة مهتزة متلعثمة، وأعين دامية تحاول تأكيد بعض بقايا الظلم، الواقع على مئات ألوف من المنكوبة حظوظهم في ضيق زحام سجون القهر، ما يجعل العالم يترحم على طغاة تواريخ استبدوا وتفننوا في صنع الفواجع إبان فترات غيهم.
حالات سحق يصعب تخيل أهوال تفاصيلها، بإعدامات يومية ودون محاكمات، لأعداد من المغلوب على أمرهم، فيكون حظ دفعة أخيرة منهم، انفراج أغلظ جدران سجنهم، قبل التنفيذ بساعات، فكيف يمكن تخيل تعس حالهم، واستحالة فرجة سماء أنقذتهم، وهم ليسوا على ما كانوا عليه من قبل الزج بهم أجسادا وعقولا، في ظلمات قهر نفسي، وسحق للكرامة، وتبدد أمل بعقوبة توازي الفعل.
تصوروا مشاعر شابات حملن وولدن في ظلمة المعتقل، بأطفال مجهولي الآباء ينكفئون حولهن، شاهدين على امتهان كرامتهن باغتصابات جماعية متعددة، تفوق حدود عبثية وسريالية السخط.
تخيلوا حال أطفال ولدوا في الظلمة والجوع والخوف والتوعك والضبابية، والتعايش مع مصائب الدنيا تحط على من حولهم بالدور، وهم لا يستوعبون الأسباب، ولا يعون معاني الحرية والوطن، والأهل، واللعب، وكل ما في خارج الزنازين.
تصوروا حال من يزعق خوفا وهو ببعض عقل، يتقي صعق الكهرباء والبطش به بكل غليظ، ودوس رأسه وكرامته تناوبا، وحشر المخدرات في جوفه، أسير صراعه النفسي، وما يتخيل أنه يسمعه ويراه ويتحقق له من تخبط شياطين ظلمة لا يتوقف بطشهم.
تصوروا من دَخل السجن يافعا، وسنحت له اليوم فرصة الخروج للمجهول هرِما أو مقعدا، مودعا ابتلاع الخبز اليابس، وشرب ماء المرحاض، بعين فقدت الشمس سنوات، وهو يجهل وجود أهل اختطف من وسطهم، وجيل ثالث لا يعرفهم، متخيلا أن من يذبحونه سخطا كل يوم، هم أقرب أهله!
الأسد اليوم هارب من وجه العدالة، وستطول العقوبات بعض من أعانوه على قهر المساجين، فيهربون ويقشعون جلود وجوههم، ويسكنون زوايا الرعب طوال بقايا حياتهم، وينكرون أقرب أقاربهم، حتى لا يُكتشفوا، فيُفعل بهم ما فعلوه نفسه بأبرياء، لم يكونوا يعتبرونهم كائنات حية.
وحوش ضارية كانوا ينامون ويصحون بقلوب ميتة، يأكلون ويشربون ويتبخترون بين أسرهم، ويحتفلون بأعين ومشاعر تحاول التملص من اليقين، ويجيرون أحمال الوزر على غيرهم، بأنهم كانوا مجبرين، لتنفيذ الظلم، يقهَرون، ويسحقون ويقتلون، وحتى لا ينالهم المِثلُ، لو فكروا في الرحمة والعدالة، فهم يتجنبون جس نبض رحمتهم المتيبسة في أكفانها.
0 تعليق