كما تناول هذه الأحداث والمواقف إبراهيم رفعت باشا في كتابه «مرآة الحرمين» بقوله "إن الأعراب يحافظون على الحجاج وعلى أمتعتهم متى غمروهم بالخيرات من مأكولات ولحوم ومشروبات الشاي، وتزداد عنايتهم بالحجاج إذا وعدوا بكسوة يعطونها في المحطة الختامية....، أما من بخل عليهم بماله فيرونه العذاب ألوانا، فتارة يقطعون حزام الجمل فيقع راكبه ويتأخر عن القافلة حتى يصلح الحزام، وربما انتهزوا فرصة الانفراد به لقتله إذا لم يبرز لهم الريالات ويتعهد بالغداء".
أما الضابط الروسي عبدالعزيز دولتشين فقد قال في كتابه (الرحلة السرية): إن أعمال السلب والنهب والقتل ضد الغرباء ظاهرة عادية تماما، وهم كل سنة يقتلون عشرات الحجاج لأجل النهب والحصول على الأموال بهذه الطريقة، متحدثا عن تعرض قافلة في الطريق بين مكة والطائف للاعتداء من قبل الأعراب حتى لقي ضابطان و16 جنديا مصرعهم، وذكر أن الأحداث من هذا النوع لا تثير دهشة أحد، ولا تستتبع أية تحقيقات وعقوبات، وأنه في السنتين الأخيرتين تفاقمت كثيرا أعمال النهب والسلب والاغتصاب من كل شاكلة وطراز"، تلك كانت قبل توحيد الجزيرة وتأسيس المملكة العربية السعودية.
فيما تغيرت المواقف والأحداث وتحول الخوف والقلق إلى راحة واطمئنان، بعد أن وضع الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - أسس بناء الدولة، وهذا ما نقرأه في كتاب (مشاهداتي في الحجاز) لعباس متولي أستاذ الشريعة في جامعة القاهرة، والذي وصف فيه ما لمسه من توفر الأمن في طرق الحجاج، فقال بعد أن تعطلت بهم السيارة في الطريق من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة "جاء بعض الأعراب يطلبون إحسانا، فتقدم إلي أحدهم يطلب مني صدقة فأعطيت غيره متظاهرا بالغنى والثراء، فقال: أعطني يا حاج، فقلت خذ ما تريد من جيبي!
فقال: حرام عليك وما جنيت؟ أتريد قطع يدي لا يا بوي لا أطلب شيئا، فقلت: إننا في عزلة عنهم (يقصد بذلك الحكومة)، فازداد الرجل إصرارا، فدهشت لهذا ورددت قول سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه (إن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن) وأعطيته ما تيسر، ولقد مكثنا في مكاننا إلى ساعة متأخرة من الليل، أحضروا أثناءها الماء واللبن وأكرموا وفادتنا من غير أن يتعرض أحد منهم لنا بسوء".
ويقول "استتباب الأمن بهذا الشكل لم يوجد في الحجاز إلا بعد تنفيذ شريعة الله وإقامة حدوده".
والشرطة السعودية التي كانت بداية تأسيسها عام 1343هـ كمديرية عامة للشرطة في مكة المكرمة، شهدت نقلات تطويرية متسارعة بدأت من صدور "الأمر السامي الكريم في 29 رمضان 1354هـ بالموافقة على اقتراح للسيد مهدي المصلح مدير الأمن العام يومئذ، بإنشاء مدرسة للشرطة في مكة المكرمة بهدف تخريج ضباط يقومون بالواجبات الأمنية والتحقيق في الجرائم و ضبط الجناة"، مرورا بصدور الأمر الملكي رقم (344) عام 1346هـ بتوحيد جميع إدارات الشرطة في المملكة تحت رئاسة واحدة في مكة المكرمة، ثم إلغاء نظام الوكلاء عام 1350هـ، وإنشاء وزارة الداخلية، وفي عام 1369هـ صدر الأمر الملكي القاضي بالتصديق على نظام مديرية الأمن العام المشتمل على تشكيل مديرية الأمن العام وأقسامها والواجبات المنوطة بها وقواعد العمل بها وقواعد الإجراءات الجنائية الواجب اتباعها.
واليوم يحق لنا أن نفخر بما تقدمه قطاعات الأمن من أعمال دائمة وجهود متواصلة لننعم بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان، ببصمة سعودية صنع أفرادها بتوجيهات قيادتنا الحكيمة، ملحمة حفظت النظام، وحسنت الأداء وطورت الخدمات.
0 تعليق