إصرارٌ على الإرهاب.. تضليل وخلط الباطل بالحق.. ودعوةٌ جديدة لحرق مصر!
(1)
أصدرت جماعة الإخوان الإرهابية بيانا جديدا يوم الجمعة الماضى 13ديسمبر، موجها لأعضائها ولمن يريد أن يتبعها فى إرهابها وخيانتها من المصريين. وقبل أن أعرض ما ورد فى البيان من إفكٍ وضلال ومحاولات تضليل لعموم المصريين وقلب الحقائق التى عاصرناها وكنا شهودا على وقائعها، أود أن أشكر الله كثيرا على منحته للمصريين بجعله هذه الجماعة المارقة على هذا القدر غير المسبوق من الغباء والجنون! فالبيان من أوله لآخره يمثل صفعة كبرى لكل من حاول أن يزين لنا الباطل فى الأسابيع القليلة الماضية - حين تم بث شائعة إقبال الدولة على التصالح مع الجماعة - من سياسيين أو أحزاب سياسية أو قيادات دينية أو أسماء إعلامية، فها هى الجماعة تعلن دون مواربة تمسكها بباطلها وإرهابها كاملا وتجدد عزمها على المضى قدما فى محاولات إحراق مصر! ومما يزيد من هزلية المشهد أن الذين أصدروا البيان وصفوا أنفسهم بالآتى (الإخوان المسلمون. المكتب العام بالقاهرة. تيار التغيير)! أى أنهم يمثلون فكرة أو وهم (التغيير داخل الجماعة) الذى نسمعه من حينٍ لآخر من كل عابر سبيل يريد أن يخدع المصريين.
وأعتقد أن ما نقص المشهد بعد هذا البيان هو اعتذارٌ مستحقٌ لمصر ولشعبها من هؤلاء الذين ذكرتُهم بعد أن ثبت زيف طرحهم وتهافت منطقهم وعدم أحقيتهم بتوجيه الرأى العام المصرى. فعلى كل من أصدر بيانا روج فيه لباطل تصالح الدولة مع الإرهاب أن يتحلى بالشجاعة بعد هذا البيان، وأن يصدر بيانا موازيا يعتذر فيه عما صدر منه، أو أن يعترف صراحة أنه يؤيد ما جاء فى بيان الجماعة الإرهابية الأخير حتى نعرف كمصريين كل هذه الشخصيات الاعتبارية أو الحقيقية على حقيقتها كاملة.
لم يقترب بيان الجماعة من قريبٍ أو بعيد من اعترافٍ بأى إثمٍ أو ندمٍ على أى جرم، ولا يُشتم من كلمة واحدة منه أى رائحة لتوبةٍ وطنية أو شوقٍ لهاربين منهم لتراب وطنٍ أو حتى انشغال قادتها الذين صاغوا البيان بهذا الوطن. كما لم يأت بيانُهم بأى جديدٍ فى لغته الضالة المضلة والممتدة منذ ما يقرب من قرنٍ كامل، أو فى خطابه الذى يحاول امتطاء الإسلام لتحقيق أغراضٍ يعلمون جيدا فسادها، كما لم يمتنعوا فى خطابهم عما اعتادوه من جرأةٍ - مرعبة لمن يدرك حقيقتها - على آيات القرآن الكريم، وعلى العبث بمعانيها ومنح أنفسهم صفاتٍ منها يعلم كل من عاصر ما حدث فى مصر فى الأعوام الثلاثة عشر عاما على الأقل أنها غير مستحقة، وأن الإسلام والقرآن الكريم وآياته المطهرة أسمى عند الله وعند المؤمنين بهم من هذه المتاجرة السياسية الرخيصة.
(2)
بدأ البيان - كعادة الجماعة فى محاولة السيطرة العقلية على أتباعها بتقمص دور ممثلى الإسلام على الأرض، والمتحدثين بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة – بآية 5 من سورة القصص (ونريدُ أنْ نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)، ثم استحضار نصر الله للمسلمين فى أحلك المواقف يوم غزوة الأحزاب أوالخندق!
إننى أتعجب حقا من أمر هذه الجماعة. ألا يوجد من بين قادتها رجلٌ يتمتع بقدرٍ ولو ضئيلٍ من الذكاء فيخبر أتباعه بأن هذه الفكرة – بمحاولة وضع أنفسهم فى خانة القلة المؤمنة التى تماثل المسلمين الأوائل فى صدر الإسلام – أصبحت تجلب على الجماعة غضبا مصريا شديدا بعد أن سقط كل مستور الجماعة وشاهده المصريون على الهواء مباشرة؟ هذه فكرة سيد قطب واستطاع من خلالها السيطرة على عقول آلاف المصريين منذ عقودٍ طويلة، لكن على الأقل فى العقدين الأخيرين انكشفت تماما، وعلم كل المصريين عوامهم وخواصهم أن جماعة الإخوان هى جماعة سياسية فاشلة ومفلسة قررت أن تجعل من الإسلام بضاعتها ومطيتها، ثم أخيرا علموا وتيقنوا – أى المصريين - أنها جماعة تعتنق الإرهاب المسلح طريقا للقفز على السلطة وتلبس باطلها وإجرامها هذا زيا إسلاميا بالباطل والزيف والبهتان.
الجماعة ليست هى القلة المستضعفة، لكنها كانت – كما كانوا يختالون بذلك فى كل كتاباتهم ومجالسهم – جماعة منتشرة شعبيا بين جميع طوائف المصريين بلا استثناء. يمكن القول أنها فى يوم ما كانت الجماعة الشعبية الأولى، وفاقت قاعدتها الشعبية الفعلية قواعد الأحزاب السياسية مجتمعة.
كانت جماعة الأغلبية، وانتخبها المصريون بالفعل للحكم، فرأوا وجهها القبيح ممثلا فى وقائع محددة هى...
محاولات السيطرة والاستحواذ والاحتكار بما يخالف كل تعاليم الإسلام.
عدم الاعتراف بفكرة الدولة أو الوطن بما يخالف شخصية المصريين وأسس الحفاظ على الأوطان وبما يخالف تعاليم الإسلام بالزود عن الوطن والحفاظ عليه.
الشروع الفعلى فى الخيانة الوطنية بالشروع فى التنازل عن قطع من أرض مصر بما غير الرأى العام المصرى ضدها مائة وثمانين درجة وأفقدها شعبيتها التى بنتها فى عقود.
الفشل الإدراى وسقوط أسطورة وجود آلاف العلماء الأكفاء بين صفوف الجماعة القادرين على بناء الدولة المصرية، وثبت لدى المصريين أن هذا وهمٌ سوقته الجماعة وداعبت به آمال المصريين.
فلا علاقة إطلاقا بين ما ورد فى الآية الكريمة عن المستضعفين فى الأرض، وبين تلك الجماعة. هذه الجماعة وصلت للحكم فعلا، وطردها المصريون لما سبق. والذين قُبض عليهم من أعضائها قد اقترفوا جرائم منصوصا عليها فى القانون المصرى وكل قوانين الدول من حمل سلاح، وتكوين مليشيات مسلحة بالتواطوء مع آخرين من خارج مصر، وجرائم قتل موثقة صوتا وصورة بالسلاح النارى أو بالإلقاء من فوق الأسطح أو بالعبوات الناسفة، وحرق دور عبادة مصرية مسيحية ومسلمة، وبلطجة مسلحة فى الشوارع المصرية، وحصار مسلح لمنشآت عامة سيادية، ومحاولات اعتداء على مقرات عسكرية، وتخريب منشآت عامة وخاصة، وتحريض بوسائل متعددة موثقة على قتل رجال شرطة وقوات مسلحة، وجريمة خيانة وطنية صريحة بمحاولة تهريب مستندات مصرية سيادية خارج مصر، والاتفاق بالفعل على التنازل عن مساحة محددة من أرض سيناء، والعبث بقوانين الجنسية المصرية ومحاولة منحها لغير مستحقيها بما يهدد الأمن القومى المصرى.
فأى استضعافٍ هذا الذين تتحدثون عنه أيها الأفاقون؟! من يقترف تلك الجرائم ويدان ويوضع فى السجن فهو مجرمٌ وليس مستضعفا ينتظر تحقيق وعد الله بالتمكين فى الأرض، لأن الله لا يمكّن للمجرمين ضد أوطانهم، ولن يجعلكم أو يجعل غيركم الوارثين، لأن مصر لم تمت حتى نبحث لها عن وارثين!
(3)
إننى كلما قرأتُ بعض فقرات البيان لا أملك منع نفسى من تكرار الشكر لكاتبه على تمتعه بهذا المستوى الرفيع من عدم الحصافة، فكان حقا خيرَ تمثيلٍ للحمار الذى (رفس) صاحبه فأرداه قتيلا!
يميط البيانُ اللثام عن واحدٍ من أسرار هذه الجماعة وكل فروعها خارج مصر وكل جماعة تعتقد معتقدها، أو لنقل تمتطى نفس مطيتها الدينية لتحقيق مآربها. فحين تُكشف هذه الأسرار بهذا الشكل من الوضوح والعلانية، لا يمكننا أن نتحدث عن معتقد حقيقى، ولكن عن مجموعات شرهة للنفوذ والسلطة، ووجد رأسُها الأول ضالته لتحقيق ذلك فى المطية الدينية.
ما هو النصر؟ وما هى الثورة فى مخيلة كل مصرى؟ أعتقد لو أننا سألنا مواطنا بسيطا عاديا هذا السؤال فسيتجه بعقله تلقائيا إلى نصر بلاده بأى شكل وفى أى مجال، النصر العسكرى المسلح على أعدائها والحفاظ على استقلالها، أو النصر فى مجالات العلوم أو الفنون أو الرياضة. وعن الثورة فستجد المصريين يقولون الثورة الحقيقية هى التى لا تخرب وطنا أو تعبث به وباستقلاله. لكن فى بيان الجماعة الإرهابية فللنصر والثورة معانٍ أخرى مختلفة. فالنصر عندهم هو أن تصل جماعتهم للحكم كما وصلت جماعة أو مليشيا أخرى للسلطة فى سوريا. يُنظّر كاتب البيان بما حدث فى سوريا. يعتقد أن إسقاط النظام هناك ووصول تلك المليشيات للحكم هو الثورة وهو النصر.
أولا معروفٌ للقاصى والدانى مدى الاختلاف الكبير بين نظامى الحكم هنا وهناك، وبين تركيبة الأجهزة والمؤسسات السيادية الكبرى هنا وهناك. معروف أن مصر لا تحكمها طائفة، ولا تقوم مؤسساتها الوطنية على أسس طائفية أو عرقية. والأهم هو أن مصر دولة مستقلة بشكل حقيقى، لا ترتع فوق أرضها قوى عسكرية أجنبية، ولا تعربد إسرائيل بطيرانها منذ سنواتٍ فوق قصر رئيسها، ولا تحتل إسرائيل أكثر من 1200كم مربع من مساحتها ولم يطلق جيشها طلقة واحدة لاستردادها، ولا تقوم مصر بدور ذراع لدولة أخرى إقليمية!
فأولا مجرد التنظير بالحالة السورية ومحاولة خداع المصريين بأن ما حدث هناك سوف يحدث هنا، مجرد أن يحتوى البيانُ هذا الطرح فهو من قبيل الدجل السياسى والتضليل المتعمد. ولو لم يكن كاتب البيان يعرف هذا أو كان يعتقد بصواب طرحه فهذا يعنى أننا أمام جماعة سلمت أمرها لمعتوهٍ سياسى! لكن الأرجح أن قيادات الجماعة تتوجه بهذا الخطاب التضليلى المتعمد لقواعدها الشبابية، وذلك استمرارا لنهجها التاريخى فى السيطرة العقلية على هؤلاء، والتعامل معهم بمنطق القطيع الذى ليس له الحق فى إعمال عقله. يتلقى الباطل والأكاذيب فيطرب ويصفق ويسمع ويطيع ويشرع فى التنفيذ!
لكن، وبعيدا عن أولا هذه، فالجماعة لم تشر من قريب أو بعيد فى الحالة السورية ذاتها إلى ما حزن عليه المصريون وهو قيام إسرائيل بسحق أسلحة الجيش السورى تماما، والقضاء على أى أملٍ هناك فى بناء جيش وطنى على المدى القريب، والعربدة الإسرائيلية العسكرية فى أرض سورية جديدة. بيان الجماعة أو لنقل الجماعة ذاتها لا ترى فى ذلك ما يمكن اعتباره هزيمة وطنية، وهى التى كانت على مدار عامٍ كامل مع كل أذنابها وذيولها تؤلب المصريين على مصر وتتهمها بالتقصير فى مواجهة إسرائيل التى اخترقت ممر فلادلفيا الواقع خارج الأراضى المصرية!
لماذا هذا التناقض؟ باختصار لأن النصر فى قاموس الجماعة هو أن تصل للحكم لا أن تنتصر مصر أو تحافظ على استقلالها. النصر فى قاموس الجماعة أن تحكم مصر حتى لو كان ذلك على حساب استقلال مصر ذاتها..لا مانع لديها من أن تتنازل عن أجزاء من مصر إن كان هذا سيمنحها مساعدات رعاة الجماعات الإرهابية الدوليين لتحكم جزءً من مصر. لم تتوقف الجماعة عند قرار إلغاء التجنيد الإجبارى فى سوريا. وأعتقد أن هذا هو (سوفت وير) الرعاة فى كل بلدٍ استطاعوا تفكيكه ووضع جماعة موالية على مقعد حكمه، أن يتم القضاء على فكرة الجيوش الوطنية، وأن يتم استبدالها بفرق أمنية تحت السيطرة، وهذا ما كانت الجماعة تريده حين وصلت لحكم مصر تحت مسمى إعادة الهيكلة!
(4)
السر الثانى - والذى تتشارك فيه الجماعة مع نظيرتها الفلسطينية ومع كل نظائرها وأبنائها فى كل المحيط الشرق أوسطى - هو أنه لا مانع لديها من أن تذهب مصر إلى الجحيم فى سبيل إخراج من أسمتهم (أسرانا واخواننا واخواتنا) من السجون!
مرة أخرى محاولة للعبث بالعقول واستخدام ألفاظ ذات مدلولات معينة. كلمة (أسرى) لها بريق..خليطٌ يستدعى عدة مشاعر فيتخدر العقل، ويصمت المنطق، وتتنحى الحقائق..زخمٌ دينى يستدعى فترة الغزوات وبطولات المقاتلين المأسورين..فالأسير لا بد وأن يكون قد شارك فى معركة!..زخمٌ وطنى لا يمثل هنا الكثير لأن هؤلاء لا يعبأون بكلمة وطن، لكنه لمداعبة بقايا مهابيل ومدعى نشطاء السياسة من فارغى العقول ورواد جلسات الدخان الأزرق.. زخمٌ بطولى وهالة براقة تجعل كل مَن يخرج مِن السجن من أعضاء الجماعة بطلا يتم إضفاء هالة عليه وتقديمه للصغار بمثابة المثل الأعلى.. فى الصعيد قد يزور الرجل سجينا فى قضية قتل ثأر، لكنه يستحى من زيارة لص أو بلطجى فى سجنه!
الجماعة الإرهابية لا تستخدم كلمة (مساجين) يقضون العقوبات القانونية لأنها كلمة سيئة السمعة تنزع عن صاحبها كل بريق، والجماعة تريد التشويش على ذاكرة المصريين وإعادة برمجتها بإزالة تلك اللقطات المصورة لبلطجية الجماعة وهم يحملون الأسلحة البيضاء من شومٍ وسنج وجنازير وأسلحة نارية مثل بنادق الخرطوش..تريد الجماعة نقل كل ذلك فى تلك الذاكرة من خانة الجرائم الجنائية إلى خانة أسرى الفكر وذلك بكلمة واحدة فقط!
تريد الجماعة أن تمحى هذه اللقطات الأرشيفية التى تصور عصاباتٍ لا تختلف كثيرا عن عصابات المسجلين خطر فى المناطق الشعبية وهم يمارسون البلطجة..فجأة يصبح هؤلاء البلطجية والمجرمين – بأحكام قضائية – أسرى على طريقة أستاذ (خلف خليفة خلف خلاف) المحامى فى مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) وهو يصف البلطجى القاتل قائلا انظروا إلى سماحة وجهه! لكن أزمة الجماعة هى أن المصريين شهودٌ (شافوا كل حاجة!)
أما الأخطر فيما يخص هذه الفقرات فهو أنها قد قطعت كل شكٍ فيما يخص هجمات السابع من أكتوبر، من أن هذه الجماعة – بفرعيها – تعتبر (تحرير أسراها) هو هدفٌ أول مهما تكن النتائج المترتبة على الوصول إليه، سواء فقد وطنٍ لاستقلاله، أو قتل ما يقرب من خمسين ألف مواطن و(طربقة) قطاعٍ كامل كان يعج بالحياة فوق رؤوس أهله..
هو هدفُ أول، وأوحد أحيانا مهما تكن السبل لتحقيق ذلك الهدف، سواء بالعزم والتحريض على حرق وطنٍ كامل، أو المقامرة بحياة مليونى مواطن، أو التعاون مع الشيطان الصهيونى وكل أجهزة مخابرات الكرة الأرضية، أو الموافقة على العمل كوكيل لتنفيذ خطط استعمارية عتيقة!
لم يصدق كثيرون وقتها أن قادة حماس قد قاموا بما قاموا به وبما ترتب عليه من كوارث قاربت على القضاء على القضية برمتها مدفوعين بدوافع على رأسها الإفراج عن أسراهم فى السجون الإسرائيلية على غرار صفقة جلعاد شليط! وها هو بيان الجماعة الأم يكشف هذا السر فى طريقة التكوين العقلى لهذه الجماعة فاقدة الرشد والصواب العقلى!
يدعو البيان أتباعَه الشباب إلى العمل مثلما عمل السوريون – الثورة المسلحة – لأنه (السبيل الوحيد لتحرير أسرانا!) ويحدد فى فقرة أخرى بشكل محدد (لن يتحرر أسرانا فى السجون المصرية إلا بثورة حقيقية تخلع شجرة الاستبداد وتعيد الحق لأصحابه. ولن تتحقق هذه الثورة بأى تفاوض مذل مع النظام!)
صفعة أخرى على وجوه كل من حاولوا تمرير الباطل للمصريين!
الجماعة بنفسها تعلن تمسكها بالعمل المسلح أى بالإرهاب المسلح!
وتحدد قضيتها فى نقطتين الحُكم، وإخراج مساجينها المجرمين المدانين والمسجلة جرائمهم على الهواء مباشرة من السجون عنوة بالقوة المسلحة!
(5)
إن تحرير مصر من وجهة نظر الجماعة، وحسب بيانها يعنى إسقاط الدولة المصرية على غرار النموذج السورى. نحن لم نعد نُخدع. دمرت إسرائيل أسلحة الجيش السورى، وخرجت علينا قنوات إعلامية عربية بعبارة عهر سياسى (تدمير جيش النظام السورى!) فالنظام المصرى الحاكم – ومن وجهة نظر الجماعة – لا يعنى فقط مؤسسة الرئاسة، وإنما يعنى مؤسسات الدولة المصرية وأركانها القائمة عليها من قوات مسلحة وشرطة مدنية ومؤسسة القضاء والمؤسسات الدستورية! يعنى ألا يكون هناك دولة قائمة.
المشهد السورى أثارهم بالهيجان الثورى، فلنتخيل بما يحلمون بناء على مفردات البيان.. يحلمون بإسقاط النظام أو الدولة المصرية.. أن يتم حرق مصر..يتم فتح السجون ويخرج عتاة الإجرام المسلح الذين يعتقدون أنهم المؤمنون وأن أهل مصر الذين خذلهوهم هم الكفار والمرتدون..يتم تسليحهم بأسلحة غربية وأمريكية..تقوم إسرائيل بما قامت به فى سوريا، لكنها ستزيد باحتلال سيناء وقناة السويس.. إلغاء التجنيد الإجبارى..حل الجيش والشرطة..تظهر خريطة مصر الجديدة التى أعلمها جيدا. الإخوان يحكمون القاهرة والدلتا فقط! مؤتمرات دولية لعرض مقترحات لحل الأزمة المصرية تشتمل على النظام الفيدرالى بين خمس دويلات!
هذا هو كتالوج تحرير مصر الإخوانى فى صورته الأحدث وحسب بيان الجماعة المارقة! النظام لا يعنى الرئيس، وإنما يعنى أركان ومؤسسات الدولة المصرية، وإسقاطه – فى هذه الظروف الإقليمية المتفردة - يعنى لا يوجد مصر. واحتفاء البيان بما حدث فى سوريا واعتباره ثورة ناجحة وتحرير وطن يعنى موافقة الجماعة حرفيا على كل مفردات هذا النموذج، بما فيه تسريح الجيش الوطنى وتدمير أسلحته، وإلغاء التجنيد، وعربدة كل الدول فى الأراضى المصرية، وأن يصبح مقاتلى المليشيات بديلا للجيش الوطنى!
إنها جماعة تصر – حتى رغما عمن يدافع عنها - على وصم نفسها بالخيانة حتى وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة على أرض مصر!
(6)
لنفترض جدلا – وعلى غير الحقيقة الدامغة - أن إسقاط النظام الذى تدعو له الجماعة فى بيانها هو إسقاط الرئيس السيسى فقط دون باقى المؤسسات، فهل الجماعة على حق فى مطلبها هذا؟!
السيسى هو ابن المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية تعليما وتثقيفا وولاءً. ويعمل طبقا لرؤية مؤسسية، ولشخصيته قطعا الأثر الأكبر فى تنفيذ هذه الرؤية بشكلٍ يختلف من رئيس لرئيس. شخصية السيسى يمكن تلخيصها فى عبارات محددة..رئيسٌ ذو وعى فكرى يمثل الشخصية المصرية المعتدلة. له رؤية شخصية وطموح وطنى لبلاده كباقى المصريين. خاض جولات مواجهة شرسة ضد أخطار محددة منذ اليوم الأول لظهوره فى المشهد وزيرا للدفاع وحتى اليوم مع كل هذه المستجداب اليومية على المشهد السياسى الإقليمى. أنجزت مصر فى عهده إنجازات كبرى. الساذجون والمغيبون عن الواقع ربما يسخرون من حديثى هذا وسوف يرفعون فى وجهى قائمة الأسعار مقارنة بتلك أثناء حكم أبوعلاء رحمه الله!
أقول لهؤلاء باختصار من لا يريد أن يرى غبار معاركٍ تدور رحاها على أرضه فهو مغيب، ومن يريد أن تخوض بلاده كل هذه الحروب فى عشرة أعوام بالمجان فهو معتوه! ولو أن مصر كانت جنة فى أيام أبوعلاء لما قمتم بالخروج عليه! لا يتسع المقام هنا للخوض فى هذا، لكننى أقول أننى أرى السيسى هو الاختيار الأمثل فى هذه السنوات الفاصلة التى لم يكن يجدى فيها نفعا أن يحكم مصر رئيسٌ يحب الألوان الرمادية أو يتمتع بشخصية (الرئيس الموظف) خاصة فيما يتعلق بسلامة أراضيها، والشروع فى شق شرايين حياة جديدة لمحاولة مجاراة ظاهرة الزيادة السكانية الأرنبية التى تعانى منها مصر منذ عقود!
فلماذا يتوقع كاتب هذا البيان التحريضى الإرهابى أن يستجيب له المصريون فيخرجون على حكم الرئيس السيسى؟! الإجابة أن كاتبى البيان يعيشون فى أوهام وضلالات، ويحاولون تمريرها عمدا لأتباعهم!
(7)
يدعو البيان إلى حرق مصر، ويحرض الجميع على الإنطواء تحت قيادة ما أسماه (المكتب العام)، وتنفيذ (خططه ورؤيته) لتحقيق ما وصفه (تحرير البلاد، وإنقاذ الوطن، وإطلاق سراح المعتقلين، وإعادة مصر إلى مكانتها وحريتها)!!
اعترافٌ صريح بالدعوة لحرق مصر، لأننا حين نفك شفرة العبارات الأخير فى البيان، وذلك باستبدال كل كلمة وردت فى آخر فقراته حسب قاموس الجماعة الإرهابية العملى وحسب معطيات المعايشة الحقيقية فى السنوات من 2011م وحتى 2014م تحديدا، حين نفعل ذلك تكون ترجمة هذه الفقرات حرفيا كالآتى..دعوة لكل المجموعات المتورطة فى جرائم عنف فى مصر فى تلك السنوات لتوحيد جهودها وعملها تحت قيادة موحدة هى قيادات المكتب العام للجماعة والتى أصدرت البيان..وسيكون العمل ضمن مخططات هذا المكتب وخططه المستمدة قطعا من تاريخ الجماعة والتى تطمح لتنفيذ السيناريو السورى فى الثورة والتحرير..والعمل الثورى هو أن يُستبعد أى تفاوض مع الدولة، ويعنى استخدام السلاح ضد رجال القوات المسلحة والشرطة المدنية وكل المصريين الذين سيعترضون على هذه الخطط..
والهدف هو تحرير مصر على غرار النموذج السورى الذى يشمل التنسيق مع دولٍ بعينها تتولى بقوتها المسلحة مهمة الهجوم المسلح على القوات المسلحة المصرية، والتوغل فى أرض مصر، وإسقاط الدولة المصرية، وتسليم أشلائها للقيادات الثورية المتمثلة بالطبع فى قيادات مليشيا الجماعة. هذا ما يدعو له البيان بصراحة ودون مواربة وبقليل جدا من جهد فك شفرة الكلمات، وهى الشفرة التى لم تعد سرية ويعلمها القاصى والدانى داخل مصر وخارجها. علينا فقط أن نستبدل كل كلمة بمعناها الفعلى الذى مارسته الجماعة بالفعل!
إن مصر دولة حرة بالفعل، لم يفرط شعبها أو حكامها فى شرفها، فليس على أرض مصر قواعد أجنبية شرقية مثل الدولة التى خانها جميع من ينتمون إليها، أو قواعد عسكرية غربية مثل باقى الكانتونات المحسوبة علينا فى المنطقة أنها دول ذات سيادة! الدول غير الحرة هى الدول التى سلمها حكامها لحماية أجنبية حتى لو كانت حماية قوى إقليمية تدين بنفس الديانة، وهى الدول التى دأبت جيوشها على الفرار ساعات المواجهة، وهى الدول التى لا تمانع شعوبها فى تمزيقها إربا فقط انتصارا لطوائفها ومذاهبها..
أما مصر فهى دولة حرة، شعبها حر، وحكامها وطنيون أحرار..قد نتفق أو نختلف مع بعض سياساتهم وقراراتهم، وقد نتململ جراء دفع أثمان المواجهة من ارتفاع أسعار أو معاناة معيشية. نمارس تململنا هذا وضجرنا ونحن نشاهد مباريات كرة القدم ونسخر من أسعار كل شىء، لكننا أبدا لا نبيع وطنا بسبب هذا التململ أو المعاناة.. نحن مع حكام مصر فى خندقٍ واحدٍ، لأننا نعرف أنهم وطنيون يعشقون تراب هذه البلاد مثلنا ومؤتمنون عليها مثلنا، وبالمصطلح المصرى الدارج نثق أنهم (رجالة) لا يفرطون فى وطن ولو على رقابهم.
إن مطاريد الجماعة بالخارج، وفئرانها بالداخل لا يعلمون ذلك عن مصر أو المصريين لأنهم لم ينتموا يوما لهذا الوطن حتى وإن حملوا أوراقا رسمية مصرية!
(8)
وكما بدأ كاتب البيان هذيانه يختتمه، وذلك بالتجرؤ المذهل على استخدام آيات القرآن الكريم أسوأ استخدامٍ ممكن أن يوحى به الشيطان لعصابة مجرمة. يختتم كاتبو البيان إفكَهم بآية كريمة (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). الافتراء الصريح على القرآن الكريم وعلى الله سبحانه وتعالى بجرأة لا يقدر عليها إلا فاسدو القلوب والعقول. يصفون الدعوة لتخريب وطنٍ آمن، وحرق الأخضر واليابس به، والخيانة الصريحة لأرضه، وتعريض أرواح ملايين مواطنيه للخطر، وإخراج مجرمين عنوة خارج السجون بعد اقترافهم لجرائمهم على الهواء مباشرة، واستباحة دماء رجال جيشٍ وطنى شريف يقوم بحماية دولته وشعبه، واستباحة دماء رجال شرطة يقومون بدورهم فى توفير الأمن لمواطنيهم، واستباحة مقدرات وطنٍ، وتعريض آخر جيوش المنطقة الوطنية لمخاطر مواجهة خسيسة، يصفون كل ذلك بأنه (حبل الله) الذى يدعون الجميع للاعتصام به! إن كان هذا حبل الله، فما هو إذن حبل الشيطان؟! حقا ما أفجركم وأجرأكم على الله وآياته الكريمة وشريعته الداعية لحفظ الأنفس والأوطان والممتلكات!
نحن حقا كمصريين سنعتصم - كما كنا دائما وخاصة فى أوقات الفرز الحاسمة - بحبل الله الحقيقى وهو الدفاع عن هذا الوطن وسلامة أراضيه وشرفه وأنفس مواطنيه حتى الرمق الأخير. لن نفرط فى مصر لمجموعة مجرمة خائنة لا تنتمى لوطنٍ ولا تحفظ لدماء حرمها الله حرمتها. كتبتُ سابقا مقالا بعنوان (عشم إبليس الإخوانى فى جنة مصر)، وأراه هو الرد المناسب على هذا البيان الأخير للجماعة الآثمة. فمصر عصية المنال عليكم وعلى غيركم ممن يحركونكم ويزينون لكم الوهم.
(9)
لم يقلقنى البيان على مصر لأننى أدرك حقيقة هذه البلاد، وحقيقة شعبها، ورغم كل مظاهر الإحباط التى قد تبدو على السطح أحيانا، لكن هذا الشعب وفى مجمل قراراته الكبرى فى لحظات الفرز القاسية لم يخذلنى حتى الآن ولم يخرج عن السياق الروحى العام الذى وضعتُ يدى عليه منذ سنوات وأنا أبحث عن أسرار شخصيته. لكننى تناولت بيان الإفك هذا بالعرض والتفنيد فقط من أجل إقامة الحجة على كل من حاول أو سيحاول مستقبلا أن يستخف بالوعى العام لهذا الشعب.
ومن تمام الفائدة أن أعرض فى النهاية لمجمل ما ورد فى بيان الإفك هذا..
الجماعة تتمسك حرفيا بكل أدبياتها التاريخية فى امتطاء الدين الإسلامى بالباطل.
الجماعة تعلن تمسكها بالإرهاب المسلح لتحقيق أهدافها.
أول أهداف الجماعة إخراجُ مجرميها من السجون بالقوة المسلحة.
ثانى أهداف الجماعة تحريرُ مصر من الدولة المصرية أو إسقاط مصر.
النموذج السورى هو حلم جماعة الإرهاب وستحاول تحقيقه فى مصر.
الجماعة تعلن الموافقة الضمنية - بتبنى النموذج السورى - على خيانة مصر مرة جديدة بالتواطؤ مع قوى أجنبية لتحقيق أهدافها.
غاية الجماعة أو ما تعنيه كلمة تحرير مصر هو أن تصل مليشياتها لحكم مصر حتى لو على حساب تمزيق مصر لعدة دول.
لا أشك لحظة واحدة فى حماية الله لهذا الوطن من شياطين الجماعة ومَن خلفهم، لأن مصر أثبتت أنها الدولة الشريفة الوحيدة فى هذه المنطقة. فمصر علنُها كسرها، وشعبها لا يفرط فى أرضٍ أو شرف بلاده. على الذين سقطوا فى الفخ السابق منذ عدة أسابيع – جهلا لتواضع المستوى المعرفى لبعضهم وتبوءهم مواقع غير جديرين بها، أو عمدا لاعتناق بعضهم الآخر نفس معتقد الجماعة لكنهم يجبنون عن البوح والتصريح بذلك – أن يعلموا أن المصريين قد كشفوا أقنعتهم. فعليهم أن يعلنوا أنهم قد سقطوا فى الفخ وأن يقدموا اعتذارا صريحا لمصر، أو أن يتحلوا بالشجاعة ويعلنوا قناعاتهم الفكرية بصراحة ويضعوا أنفسهم فى مواجهة المصريين!
(10)
لا أخشى على مصر لثقتى فى سمات الشعب المصرى، ولثقتى التامة فى قدرة رجالها على حمايتها. لكننى كمواطن مصرى، وردا على هذه الدعوة الصريحة لحرق مصر، فإننى أجدد تفويضى لشخص الرئيس عبد الفتاح السيسى بصفته رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية الدولة المصرية من جنون وإرهاب وخيانة هذه العصبة المجرمة. وأنا أعلم أن هذه القوات مفوضة بالفعل لذلك بقوة الدستور المصرى، لكن تفويضى هذا هو تفويض شعبى مباشر وتجديد للثقة فى هذا الرجل وفى قيادته لمصر فى ذروة المواجهة التى تستهدف بشكل مباشر مصر وأرضها ومقدراتها. مصر دولة شريفة كريمة، لكنها أيضا دولة متيقظة وتدرك كيف تحفظ لنفسها حقوقها، وخيرا فعلتْ بشروعها فى اتخاذ هذه الحزمة الجديدة من الإجراءات التى تستهدف حماية أمنها القومى ضد تخاريف وأوهام بعض الذين ظنوا أنهم قاب قوسين أو أدنى من التمكن منها سواء كانوا من أعضاء الجماعة المصريين أو من والاهم من جنسيات أخرى لم يحفظوا لمصر جميلها كعادتهم!
0 تعليق