في قلب العاصمة الإيطالية روما، حيث تتشابك خيوط السياسة مع أجواء الصراعات والتوتر، تجد جورجيا ميلوني، زعيمة اليمين المتطرف ورئيسة الوزراء، نفسها وسط زوبعة من الانتقادات الداخلية والتحديات الخارجية التي تهدد استقرار حكومتها الوليدة.
وفي ظل تصاعد الغضب الشعبي وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تحاول ميلوني التوفيق بين طموحاتها السياسية والواقع المضطرب الذي تواجهه بلادها.
صراع على الجبهات الداخلية
شهدت إيطاليا مؤخرًا موجة واسعة من الجدل بعد اقتراح حكومي أثار استياءً عامًا، إذ تضمن زيادة رواتب الوزراء غير البرلمانيين بما يقارب 7 آلاف يورو شهريًا، بينما تتجاهل الحكومة تحسين الأجور العامة، مثل الحد الأدنى للأجور.
هذا القرار جاء في وقت حساس، حيث تتسم الميزانية العامة بالتقشف وتواجه انتقادات بشأن أولوياتها التي تركز على التخفيضات الضريبية بدلًا من دعم القطاعات الحيوية كالرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية.
أثار هذا الاقتراح احتجاجات واسعة، ووصفته المعارضة بأنه “قانون مخزٍ” يعكس ازدواجية في السياسات الحكومية. وانتقد زعيم الحزب الديمقراطي إيلي شلاين القرار قائلًا: “بينما تمنح الحكومة زيادات للوزراء، تعرقل من جهة أخرى زيادة الحد الأدنى للأجور، مما يكشف عن توجهها المنحاز للنخب”.
تنازلات تحت الضغط
لم يكن أمام حكومة ميلوني خيار سوى التراجع عن القرار بعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات المتزايدة. وعلى إثر ذلك، اقترحت تعديلًا مخففًا يقضي بتعويض تكاليف السفر فقط من خلال صندوق مخصص بقيمة 500 ألف يورو لعام 2025. ومع ذلك، ظل الغضب الشعبي قائمًا، خاصة مع الكشف عن تباين كبير بين زيادات الوزراء المقترحة ومعاشات التقاعد، التي لم تتجاوز 1.80 يورو شهريًا.
منح جنسية استثنائية يثير الجدل
وفي خطوة أخرى أثارت الجدل، قررت الحكومة منح الجنسية الإيطالية للرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وهو من أصول إيطالية، دون الالتزام بالقواعد المعتادة التي تتطلب إقامة لا تقل عن 10 سنوات داخل إيطاليا.
وهذا القرار لاقى انتقادات حادة من المعارضة، التي وصفته بأنه “إهانة” وتمييز ضد آلاف الأشخاص الذين ينتظرون الجنسية منذ سنوات.
رؤية دولية متوترة
رغم التحديات الداخلية، تواصل ميلوني تعزيز حضورها الدولي، مع التركيز على تحسين علاقات إيطاليا مع الولايات المتحدة، خاصة مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وأكدت ميلوني في خطابها أمام البرلمان ضرورة تبني الاتحاد الأوروبي نهجًا عمليًا وبنّاءً مع إدارة ترامب الجديدة لتجنب حرب تجارية قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد الأوروبي.
تعتبر ميلوني واحدة من أقرب الحلفاء الأوروبيين المحتملين لترامب، مما يجعلها في موقع استراتيجي يربط بين سياسات الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض.
ومع ذلك، فإن هذا الانفتاح يضعها أمام اختبار دقيق، إذ يتطلب منها الحفاظ على توازن دقيق بين دعم مصالح بلادها والامتثال لمطالب الاتحاد الأوروبي.
أزمة سياسية عميقة
تتجلى في هذه المرحلة من تاريخ إيطاليا لوحة سياسية معقدة، حيث تسعى ميلوني لتقديم نفسها كزعيمة قوية قادرة على مواجهة الأزمات المتعددة. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل تستطيع حكومة ميلوني الصمود أمام العواصف السياسية والاجتماعية التي تواجهها، أم أن هذه الأزمات ستؤدي إلى إضعاف قبضتها على السلطة؟
0 تعليق