الأهلة.. قالت دار الإفتاء المصرية إن المراد من قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، هو أن الصحابة الكرام رضي الله عليهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأهلة جمع هلال، وهو القمر أول ما يَبْدُو دقيقًا للناس، وعن حقيقة خَلْقِه، والحكمة من جعله متَغَيِّرًا من حيث الزيادة والنقصان.
معنى قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾
وكان الجواب هو أن الله تعالى جعله كذلك ليَعْلَم الناس أوقات الحج والعمرة، والصوم، والإفطار، وآجال الديون، وعِدَد النساء وأيام حيضهن ومدة حملهن، وغيرها مما تُضبط به مواقيت شؤونهم، مع التنويه على أنَّ الآية الكريمة قد قررت أن استعمال الأهلة كمواقيت معتبر شرعًا، ولم تنف جواز اتخاذ غيرها مواقيت كالدورة الشمسية التي قدرها الله تعالى حسبانًا وعِلْمًا لعدد السنين والحساب مثلها مثل الدورة القمرية.
واعتاد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمور المختلفة، وأن يستفهموا منه عمَّا يُشكل عليهم أو لا يَسْهُل فَهْمُهُ، ومن جملة ما حكاه القرآن الكريم قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].
جاء أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سأل الناس رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾؛ يعلمون بها حِلَّ دَيْنِهم، وعِدَّةَ نسائهم، ووقتَ حَجِّهم" أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في "التفسير".
وقد ذكرت كتب التفاسير اثنين من هؤلاء الصحابة الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهما: معاذ بن جبل، وثعلبة بن غَنْمٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ رضي الله عنهما.
قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل في تفسير القرآن" (1/ 211، ط. دار طيبة): [قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾، نزلت في معاذ بن جبل، وثعلبة بن غَنْمٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ، قالَا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقًا ثم يزيد حتى يمتلئ نورًا ثم يعود دقيقًا كما بدأ ولا يكون على حالةٍ واحدةٍ؟] اهـ.
وأوضحت الإفتاء أن الآية اشتملت على سؤال وجواب:
فأما السؤال فهو عن حقيقة خَلْق الهلال، والحكمة مِن جعله على هذا الوجه، والسبب في أنهم سألوا هذا السؤال هو تغير أحوال الهلال من حيث الزيادة والنقصان.
قال الإمام ابن عادل الحنبلي في "اللباب في علوم الكتاب" (3/ 330-331، ط. دار الكتب العلمية): [﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾، وهذا سؤالٌ عن حقيقة الخلَّاقيَّة، والحكمة في جعل الهلال على هذا الوجه.. واعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ ليْسَ فيه بيان أنَّهم عن أيِّ شيءٍ سأَلُوا، إلَّا أنَّ الجواب كالدَّالِّ على موضع السُّؤال؛ لأنَّ قوله: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ يدلُّ على أنَّ سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغيُّر حال الأهلَّة في الزيادة والنُّقصان] اهـ.
والمسؤول عنه في هذا السؤال: الأهلة، والأهلة جمع هلال، وهو غُرَّة القمر حين يراها الناس، أي: أن الهلال هو اسم للقمر أول ما يَبْدُو دقيقًا، وقد سُمِّيَ هلالًا؛ لأن الناس يهلون، أي: يرفعون أصواتهم بذكر الله عند رؤيته. كما في "الوسيط في تفسير القرآن المجيد" للإمام الواحدي (1/ 289، ط. دار الكتب العلمية)، و"تفسير القرآن" للإمام السمعاني (1/ 191، ط. دار الوطن).
وأما الجواب فهو بيانٌ لحال الهلال المسؤول عنه، وإيضاح السبب فيما يعتريه من زيادةٍ ونقصانٍ، وذلك بقوله تعالى: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، والمعنى: أَخْبِرهم أنَّا قد جعلناه كذلك ليَعْلَم الناسُ أوقاتِ الحج والعمرة، والصوم، والإفطار، وآجال الديون، وعِدَد النساء وأيام حيضهنَّ ومدة حملهنَّ، وغيرها، فلذلك اختلف حاله عن الشمس التي هي دائمة على حالٍ واحدة، كما في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل"، للإمام النسفي، (1/ 164، ط. دار الكلم الطيب)، و"معالم التنزيل في تفسير القرآن" للإمام البغوي (1/ 211).
فالأهلة جعلها الله معْلَمًا يَعْرِف به الناس ما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم، فكلُّ ما تتوقف معرفته على وقتٍ لا تتحقق المعرفة به إلا من خلال العِلْم بالأهلة، كما في "تفسير الإمام الشافعي" للإمام الشافعي (1/ 298، 2/ 927، ط. دار التدمرية).
0 تعليق