شهدت سوريا تحولًا دراماتيكيًا بإطاحة نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، لتدخل البلاد في مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص.
هذا التغيير غير المسبوق أثار تساؤلات حول مستقبل سوريا وتأثيره على الاستقرار الإقليمي والدولي، ما دفع الدول الأوروبية إلى اتخاذ خطوات حذرة في التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق.
قلق أوروبي من فوضى محتملة
الإطاحة بنظام بشار الأسد فتحت المجال لتنامي المخاوف الأوروبية من أن يتحول الفراغ السياسي إلى بيئة خصبة لنشاط الجماعات الإرهابية والمتطرفة. وقد دفعت هذه المخاوف الاتحاد الأوروبي إلى السعي للتوصل إلى رؤية موحدة للتعامل مع المرحلة الانتقالية.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو عن سلسلة من الشروط للتعاون مع السلطات السورية الجديدة، تتصدرها ضرورة تحقيق انتقال سياسي شامل، وتمثيل كافة الأقليات السورية، واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة، بالإضافة إلى رفض كل أشكال الإرهاب والتطرف.
حراك دبلوماسي مكثف في دمشق
منذ الإطاحة بالنظام، تحولت دمشق إلى محور لحراك دبلوماسي أوروبي غير مسبوق. في 17 ديسمبر 2024، زار وفد فرنسي دمشق لأول مرة منذ 12 عامًا، في خطوة تاريخية أعلن عنها وزير الخارجية الفرنسي.
في الوقت ذاته، أكدت وزارة الخارجية الألمانية عقد اجتماعات مع السلطات الجديدة، ركزت على أهمية حماية الأقليات وضمان عملية انتقالية شاملة.
إيطاليا، من جانبها، أبدت استعدادها للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة، مشددة على أهمية حماية المسيحيين، الذين عانوا في السنوات الماضية من الاضطهاد.
وفي السياق ذاته، أعلنت بريطانيا عن إرسال مسؤولين رفيعي المستوى إلى دمشق، مع تخصيص حزمة مساعدات بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني لدعم السوريين في هذه المرحلة الحرجة.
الأهداف الأوروبية في سوريا: رؤية استراتيجية شاملة
تعكس التحركات الأوروبية في سوريا أهدافًا متعددة، تهدف إلى تحقيق الاستقرار وإعادة بناء الدولة. ومن أبرز هذه الأهداف:
الحفاظ على وحدة الأراضي السورية: أكد الاتحاد الأوروبي أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، داعيًا إلى تحقيق مصالحة شاملة بين جميع فئات الشعب.
تفعيل قرار مجلس الأمن رقم 2254: ترى الدول الأوروبية أن هذا القرار يمثل خارطة طريق لحل الأزمة السورية، من خلال انتخابات نزيهة وعملية انتقال سياسي شاملة بقيادة سورية.
إدارة قضية اللاجئين: تباينت مواقف الدول الأوروبية بشأن اللاجئين السوريين، حيث أكدت ألمانيا التزامها بعدم ترحيل اللاجئين المندمجين في سوق العمل، مشيرة إلى أن السوريين يمثلون جزءًا مهمًا من نظامها الاقتصادي، بينما قدمت النمسا حوافز مالية للسوريين الراغبين في العودة إلى وطنهم.
تقليص النفوذ الروسي في سوريا: شددت المفوضية الأوروبية على ضرورة الحد من التواجد الروسي في سوريا، وناقشت إمكانية إغلاق القواعد العسكرية الروسية كجزء من رؤية أوسع لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
مكافحة الإرهاب: يشكل منع عودة تنظيم “داعش” إلى الواجهة أولوية قصوى، خاصة أن الدول الأوروبية عانت من هجمات التنظيم الإرهابية. وتسعى أوروبا إلى دعم المناطق السورية المتضررة من الصراع لمنع استغلالها من قبل الجماعات المتطرفة.
تحديات وفرص في مرحلة ما بعد الأسد
رغم الحذر الأوروبي، تحمل المرحلة الانتقالية في سوريا فرصًا كبيرة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. إلا أن هذا يتطلب من السوريين قيادة عملية انتقالية سلمية تشمل جميع الأطياف، وإعداد دستور جديد يضمن حقوق المواطنين، ويحترم وحدة البلاد وسلامتها الإقليمية.
الخلاصة
سوريا اليوم تقف على أعتاب حقبة جديدة قد تشكل نقطة تحول تاريخية في مسارها. وبينما تحاول أوروبا إيجاد توازن بين دعم الاستقرار وحماية مصالحها، تظل المسؤولية الأكبر على عاتق السوريين أنفسهم لتحقيق المصالحة وإعادة إعمار وطنهم. هل ستكون هذه المرحلة بداية جديدة لسوريا أم مجرد حلقة أخرى من الصراعات والتحديات؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.
0 تعليق