أبو زيد: إسرائيل تستعد لعمل عسكري غير مسبوق
باحث بموسكو: سقوط الأسد نتيجة ضعف النظام وليس لقوة الجماعات المسلحة*
تسود حالة من التوتر المتزايد في المنطقة مع تصاعد التحركات العسكرية الإسرائيلية، والتي تترافق مع تصريحات إعلامية تشير إلى استعداد تل أبيب لشن عمليات جوية غير مسبوقة، في وقت تتزايد فيه الاتصالات بين إسرائيل والولايات المتحدة، مما يثير تساؤلات حول الأهداف المحتملة لهذه العمليات وما إذا كانت ستشمل الحوثيين في اليمن.
يقدم الخبراء والمحللون في الشأن الدولي ل"الوفد" قراءات للتصريحات الإسرائيلية الأخيرة والوضع الحالي في سوريا وموقف القوي الدولية من الصراعات بالمنطقة .
في هذا السياق، أشار نضال أبو زيد الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني إلى وجود تحركات إسرائيلية جديدة تتزامن مع تصاعد حدة التصريحات الإعلامية الإسرائيلية، مما يُشير إلى إمكانية تنفيذ عملية جوية كبيرة تستهدف تهديدات تتعلق بالأمن الإسرائيلي.
وأوضح أبو زيد أن إسرائيل تستغل الوضع القائم في المنطقة، وخاصة التغيرات الناتجة عن الأحداث في سوريا، حيث تعرض محور المقاومة لضغوط شديدة أدت إلى انقطاع سلاسل الإمداد بين أذرع إيران في المنطقة. ويرى أبو زيد أن هذه الديناميكيات قد تدفع إسرائيل إلى اتخاذ خطوات عسكرية أكثر جرأة، في ظل اتصالات متزايدة مع الجانب الأمريكي.
كما أشار إلى ارتفاع النشاط الاستطلاعي الإسرائيلي، بالتزامن مع تصريحات لمسؤولين عسكريين نشرتها صحيفة "هآرتس" حول التحضيرات لعملية عسكرية. واعتبر أبو زيد أن هذه المؤشرات تعكس احتمال حصول إسرائيل على "الضوء الأخضر" الأمريكي لتنفيذ عملية جوية، قد تستهدف بشكل خاص القدرات الحوثية في اليمن.
وأكد أبو زيد أن المؤشرات تدعم هذا الاتجاه، مما يعني أن العملية الجوية المتوقعة لن تكون محدودة، بل قد تكون شاملة أكثر من العمليات السابقة التي استهدفت ميناء الحديدة. وأوضح أن دعم حاملة الطائرات الأمريكية "أيزنهاور" الموجودة في البحر الأحمر سيكون حاسمًا، حيث لا يمكن لإسرائيل تنفيذ عملية بهذا الحجم دون مساعدة أمريكية في عمليات التزود بالوقود أو جمع المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتقييم الأهداف.
ومن جهته قال الباحث السياسي بموسكو، صدقي زاهر عثمان، في تصريحات خاصة للوفد، إن الوضع الحالي في الأراضي السورية معقد للغاية. وأشار إلى أن الأحداث التي بدأت في 7 أكتوبر 2023 أظهرت تأثيرًا كبيرًا على وجود حزب الله والنظام الإيراني في سوريا، وأن ما يُعرف بحلف المقاومة أو المشروع الإيراني بات في مهب الريح.
وأوضح عثمان أن سوريا، منذ تأسيسها، كانت محط أطماع مباشرة من عدة أطراف، أبرزها إسرائيل في الجنوب وتركيا في الشمال. ولفت إلى أن العمليات العسكرية التي تقوم بها هيئة تحرير الشام تدعم الأهداف التركية والإسرائيلية في القضاء على نظام الأسد. وأكد أن استهدافات الطيران الإسرائيلي تتزايد، حيث شهدت الأيام الماضية أكثر من 300 غارة جوية، ما يعكس تصاعد التوترات في المنطقة.
دور القوى الكبرى
أما بالنسبة للدور الروسي، فقد أشار عثمان إلى أن روسيا تسعى للعودة إلى المشهد الدولي من خلال تدخلها في سوريا. وقد اعتبرت أن موقفها في سوريا يُعتبر فرصة لتعزيز وجودها بعد الانتقادات التي تعرضت لها في أحداث ليبيا عام 2011. لكن التصريحات الروسية بشأن الوضع في سوريا قد بدت متضاربة، مما يعكس حالة من الارتباك في السياسة الروسية.
وأكد عثمان أن روسيا تواجه تحديات كبيرة في تحديد مواقفها، مشيرًا إلى أن تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قبل سقوط الأسد في عام 2011 كانت تتسم بالتفاؤل المفرط، رغم أن الواقع كان مخالفًا لذلك. وأشار إلى أن تراجع الموقف الروسي يُظهر تخبطًا في إدارة الأزمات الإقليمية.
ودعا عثمان إلى ضرورة أن تكون هناك استراتيجيات واضحة من القوى الكبرى تجاه الأزمات في المنطقة، محذرًا من أن التوترات الحالية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاستقرار الإقليمي ، مشيرًا إلى أن السلطة الحالية، التي تمثلها هيئة تحرير الشام تحت قيادة أبو محمد الجولاني، تُعتبر مصنفة ضمن قوائم الإرهاب، لكنها تتبنى نهجًا براغماتيًا في تعاملاتها مع الأطراف المختلفة، موضحا انه مدعوم من قوى خارجية
أوضح عثمان أن سقوط نظام الأسد لم يكن نتيجة لنجاح الجماعات المسلحة، بل بسبب ضعف النظام نفسه. وأكد على أن الجولاني وفريقه واعون تمامًا بأنهم ليسوا مركز القرار الفعلي، حيث يفتقرون إلى القوة العسكرية الكافية داخليًا والدعم الخارجي اللازم. ونتيجة لذلك، فإنهم مضطرون إلى اتباع دبلوماسية شاقة.
قال عثمان إن الجولاني يعبر عن استعداده للتعاون مع روسيا، رغم أن مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا محل شك. وأشار إلى أن روسيا تعاني من احتياجات عسكرية ملحة في أوكرانيا، مما يجعل اهتمامها بسوريا أقل أهمية. ولفت إلى أن روسيا بحاجة لصواريخ باليستية من كوريا وإيران، مما يعكس تراجع استراتيجيتها في المنطقة.
تحدث عثمان عن الأموال الطائلة التي أنفقتها روسيا في سوريا، مشيرًا إلى أن هذه الاستثمارات لم تحقق النتائج المرجوة. واعتبر أن هذا يعكس استراتيجية معقدة، حيث أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 200 مليار دولار على المساعدات لأوكرانيا، مما دفع روسيا إلى اتخاذ خطوات إلى الوراء على الساحة الدولية.
السيناريوهات المطروحة
أشار الباحث إلى أن السلطة الحالية في سوريا ليست معترف بها دوليًا، ولا تمتلك مؤسسات دولة حقيقية أو جيشًا منظمًا، بل تتكون من ميليشيات مرتبطة بهيئة تحرير الشام. وذكر أن أي انتخابات قد تُجرى تتطلب رفع العقوبات عنها، مما يمنحها مجالًا أكبر للتحرك وإجراء تحالفات سياسية.
ذكر عثمان أن هناك إشارات على استعداد بعض الأطراف الغربية، مثل هولندا، للتعاون مع الحكومة الانتقالية بشرط إزالة القواعد العسكرية الروسية. إذا تحقق هذا، فقد يؤدي إلى تغييرات جذرية في المشهد السوري، مما يسمح للجولاني بتعزيز موقفه.
فيما يتعلق بغزة، أشار عثمان إلى أن إسرائيل تمكنت من عزل القضية الغزاوية عن القضايا الإقليمية، مما جعل الرأي العام العالمي يعاملها كمسألة داخلية إسرائيلية. وأكد أن هذا التحول يعكس فشل الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية؛ قال عثمان :" إن غزة، التي كانت تُعتبر كيانًا سياسيًا مستقلًا، باتت تُعالج الآن كجزء من الشأن الداخلي الإسرائيلي. وهذا يعزز السيطرة الإسرائيلية ويضعف من موقف الفلسطينيين في الساحة الدولية"
في ختام تحليله، حذر عثمان من أن الأحداث في سوريا وغزة تشير إلى تحول كبير في موازين القوى الإقليمية. وشدد على ضرورة متابعة التطورات عن كثب، حيث أن الوضع لا يزال غير مستقر وقد يحمل في طياته تداعيات خطيرة على الاستقرار الإقليمي.
0 تعليق