تصحيح مسار
الخميس 19/ديسمبر/2024 - 07:46 م 12/19/2024 7:46:04 PM
عند النظر إلى إمكانية تقييم الأوضاع السياسية فى سوريا حاليا، ودلالات الدعوات المتكررة من مختلف الأطياف لتشكيل حكومة شاملة لا تستثنى أى مكون من مكونات الشعب السورى الشقيق، نجد محاولة المجتمع الدولى لأن يكون له يد كبيرة فى الحكومة السورية القادمة وفى سوريا بشكل عام، ومن له اليد الطولى سيكون له النفوذ الأكبر، وربما سيكون هناك صراعات دولية، وأن يكون كل المكونات السورية مشكلة فى الحكومة القادمة.
وهذا الكلام فى حاجة إلى كثير من الأمور خاصة أن الوضع الحالى فى سوريا هش، ولا يوجد بعد سقوط نظام بشار الأسد نظام قائم حتى الآن، فنظام الحكم فى سوريا الآن عبارة عن تسيير أعمال، لذلك فإن كل هذه المطالبات تعتبر فوق القدرة الحالية لإدارة النظام الموجود الآن، فمسألة تمثيل الجميع ليست منطقية، فلا يوجد حكومة فى العالم بها تمثيل للجميع، فإما أن يكون هناك انتخابات ديمقراطية بها عدة أحزاب ويفوز أحد هذه الأحزاب فى الانتخابات، أو يكون هناك نظام ملكي أو برلماني أو ما إلى ذلك من نظم الإدارة، فيكون هناك فوز فى النهاية سواء فى الانتخابات أو فى البرلمان، مع احتمال وجود قبل الانتخابات أو البرلمان جمعية تأسيسية لإدارة النظام مثل ما حدث فى بعض البلدان التى مرت بنفس الظروف، يمكن لسوريا أن تستفيد منها.
ولكن ما شاهدناه حتى الآن هو حوار بين أحمد الشرع أو محمد الجولانى وبعض من السوريين، ولكننا لم نر حواراً بين السوريين جميعا فيما بينهم، لوجود سوريين معارضين فى خارجها وأيضا فى داخلها.
ومسألة تحديد ما هو قادم فى سوريا ليس الآن لأنه سيكون خطأ كبيرا، وموضوع تسيير الأعمال لا يجب أن يوضع ويؤسس لمرحلة قادمة، وننتظر ما يطلق عليه حكومة مؤقتة لتأسيس لما هو قادم فى دمشق، ومع أن وجود الأمم المتحدة ليس سيئاً على اعتبار أنه سيكون لها ترتيبات دولية، لأن على سوريا فى الأساس الكثير من العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وهناك الكثير من التحديات كوجود الكيان الصهيونى فى الجنوب، وأيضا الوضع الهش يساعد على دخول أى جماعات إرهابية سواء كانت يمينية أو يسارية، وهناك التواجد التركى فى حد ذاته والذى يرى بعض السوريين أنه مبالغ فيه جدا ويجب إعادة ترتيبه مرة أخرى.
كما أن هناك المشروع العربى الذى يريد أن تكون سوريا أكثر عروبة بدلا من ميلها إلى تركيا وبدلا من استبدال إيران بتركيا، وعلى ذلك فإن وجود كل هذه الضغوط الآن ليس فى صالح دمشق مع ظهور أحمد الشرع أو محمد الجولانى فى الصورة الآن فإن أداءه السياسى فاجأ الجميع، واحتياجه إلى الانتظار وقراءة المشهد أكثر من ذلك.
وفى ظل الظروف الراهنة الآن لا نعرف إمكانية تنفيذ عملية سياسية جامعة تشمل وتشرك جميع السوريين فى المشاورات أو فى الرأى فى إطار قرار مجلس الأمن الدولى 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع فى سوريا فى 2015، فهناك تغيير كبير حدث فى سوريا الآن بعد سقوط نظام بشار الأسد وتحولات لم يتوقعها البعض، منها أن بشار الأسد لم يسلم السلطة لنائبه كما كان يجب وفق التشريعات السورية، فهى الآن فى مشكلة قانونية، فالحكومة المؤقتة لم يتم وضعها كما يجب وفق القوانين والدستور السورى، ولا بد من وجود حكومة انتقالية تعمل على أن تكون كون هناك بداية لـ«سوريا الجديدة»، ولا بد للحكومة المؤقتة أن تعمل على الحفاظ على المؤسسات الحكومية السورية والتأثير على الأمور الداخلية وبناء أسس لبيئة تؤسس أحزاب وتيارات سياسية فى الداخل السورى، وهو أمر حتى الآن ليس واضحا، فخطوات أحمد الشرع أو محمد الجولانى الذى يدير الأمور الآن فى الداخل السورى، لا نرى فيها إشراكاً من كان فى الخارج فى الحكومة الحالية، فهناك انفراد لأحمد الشرع أو محمد الجولانى وجبهة تحرير الشام فى اتخاذ ووضع شخصيات معينة فى الحكومة، ما أدى إلى وجود انتقاد للسوريين والشارع السورى تجاه ذلك.
وتأتى تحذيرات المبعوث الأممى لسوريا، جير بيدرسون، فى إطار أن الحرب والأزمة فى سوريا لم تنته حتى الآن، والدعوة لضرورة إشراك الجميع فى حل هذه الأزمة، فالشعب السورى بالتأكيد قد استفاد من هذه التجربة ويريد أن يبنى سوريا الجديدة بكل المقاييس.
وكان من المتوقع من انهيار النظام السورى أنه سيؤدى إلى حرب أهلية شرسة، وما حدث هو العكس، فهناك فرصة ذهبية وعوامل موضوعية لبناء سوريا الجديدة، ينقصها العمل الذاتى.
ويعتبر أكبر خطر الآن على سوريا هو التدخل الأجنبى، لأن الأجنبى عندما يتدخل، أياً كان هذا الأجنبى، لا يتدخل لصالح الشعب السورى الشقيق، لا يتدخل لصالحه هو كدولة مستفيد من السوريين أو مستفيد من الخيرات السورية، وإذا تم ترك السوريين بمفردهم سيستطيعون بناء سوريا الجديدة، واستخدام قدراتهم على تحييد التدخلات الأجنبية، والصمود والابتعاد عن الضغوط الأجنبية التى تدفعهم لاتخاذ قرارات معينة، قد لا تكون بالضرورة فى صالح سوريا والشعب السورى، استنادا إلى رغبتهم فى إقامة مؤتمر وطنى شامل وكامل يضم كل مكونات الشعب السورى، والتى عانت كثيراً منذ نصف قرن تقريباً.
0 تعليق