الأحد 22/ديسمبر/2024 - 03:25 م 12/22/2024 3:25:27 PM
تتفاوت الأنانية والروح الجماعية في الاتجاه، والتوجه، والوسائل والأدوات، ومقدار العطاء واستمراريته عبر مراحل النمو والتطور. تتعارض الذاتية والأنانية مع روح الفريق
والجهد الجماعي في مهارة القيادة وفن الإدارة، والحكم الرشيد، فالسلطة لا يكف أن تُفرض ولكن لا بد من قبول السلطة لتتصف بالمشروعية، فالإدارة مهارة وليست شئونًا خاصة، وأن الممارسات الاجرائية لأنماط قيادية وإدارية بائدة لها طابع التسلط والقهر الشديد والتكتم والتعتيم وصم الأذان وغلق الأبواب لا تدوم ولن تستمر، ولا بد لها أن تنهار مهما طال زمانها.
إن معيار الشفافية معيار محل اتفاق لقياس مدى إتاحة المعلومات وبيان الإجراءات التي تعكس مستوى الرضا عن الأداء ومشروعية آلياته.
إن غياب العمل المؤسسي النزيه تعكسه زيادة الفجوة بين القائد والاتباع، وبينهم وبين البيئة الداخلية والبيئة الخارجية، إذ في الأعم الأغلب يعجز البناء الثقافي عن مد جسور الثقة بين القيادة وبين الاتباع -الشعب والجمهور-من جهة، وبين الاستجابة للتطورات والتغيرات المتلاحقة التي يفرضها التحضر المجتمعي التلقائي، والتفاعل معها من جهة أخرى، مما يؤدى إلى الجمود والانقسام، والعزوف عن مسار التصحيح والتحديث ومعالجة المشكلات ومواجهة التحديات بتوافق بين الحاكم والمحكوم.
يعتمد السلوك المتوازن في الحكم وإدارة الشئون العامة على قدرة القيادة على المواءمة الفعالة بين التطلعات والمتطلبات، وبمقدار هذا التوازن المعتمد على الفهم الموضوعي لهذه المتغيرات والمزج التكاملي بينها يُقاس المستوى الفعلي للمنجزات التي ترتضيها الشعوب وتتقدم به الأمم.
تظل الرؤى المتعقلة سمة من سمات التفكير القيادي المرن الذي يُمكن القادة من المبادرة نحو تحقيق السيطرة والتفاعل مع ما يثير الامتعاض، بما يُقلل من أثر ما يُغيض، من خلال التنبؤ الذي يُساعد على التهيئة لتقبل مؤشرات رغبات وتوجهات الضمير الجمعي..
إن التعاون والتكامل فيما بين القائد والأتباع سمة حضارية للتقبل وتحقيق الرؤى السياسية التي تهدف إلى تحسين جوهر القيادة بممارسة الإقناع وتوحيد الجهود وحفزها برفع الروح المعنوية لأعضاء الجماعة من خلال ما توفره لهم من رعاية واهتمام واستجابة لظروف حياة ملائمة تؤدي إلى تحقيق درجة مناسبة من إشباع الحاجات بصورة متوازنة دون إقصاء لمكون على حساب الأخر.
تتزايد أهمية قبول السلطة بعيدًا عن العنف تبعًا لتحضر المجتمع ونمو وتطور مؤسساته العامة والخاصة، ودخول وخروج عناصر ملائمة لتحضر وتطور المجتمعات تُساعد في رفع لغة الحوار المرن المفضي إلى التعايش السلمي المستمر.
يتيح مبدأ صياغة تقدير الفرص والاختيار الكفء بين البدائل، والتنبؤ بالمخاطر والتحديات على درجات تصاعدية محسوبة في نسب النمو والتطور والتشارك والتعاون والتكامل على سلم الاستقرار الكلي للمجتمعات البشرية بعيدًا عن النزعة الفردية الأحادية التي تُقزم التنمية وتُبدد الموارد.
التفاعل بين الحاكم والمحكوم، وبين أطياف وطبقات المجتمع صمام أمان، يُعمق الأخوة، ويُمتن العلاقات، ويُكرس الشورى، ويُعمم فرص التشارك في العطاء المتبادل بين جميع المكونات لبناء قاعدة راسخة للسلم الاجتماعي والسلام المجتمعي.
إن تحقيق التوازن بين النزعة الفردية والروح الجماعية مهمة أساسية للقيادة المتوازنة التي تنمي الشخصية السوية التي تحمل المبادأة الفردية والروح الجماعية، بعيدًا عن التسلطية والقهرية التي تُعد أبرز عوامل الفرقة والتمزق.
إن صياغة المعايير وبناء السياسات بموضوعية، وتطويرها بمنهجية سمة قيادية واعية تؤسس للسلم المجتمعي وتعمل على ترسيخ المشروعية التي يحتكم إليها الجميع في حجية الإدارة ورشد القرار الضامن للاستمرارية والنمو والتطور، وتعميم النفع وتوسيع دائرة الإنجاز في إطار المبادئ والقيم التي تُشكل في مضمونها ركيزة العدل والإنصاف التي يتفرد بها الحكم الرشيد بعيدًا عن الفردية الأكثر شيوعًا في المجتمعات النامية.
يبدو أن استشعار التهديدات وصياغة خطط مواجهتها قضايا حرجة غالبًا ما يخفق فيها الفكر التسلطي، ويُنتهجها الحكم الرشيد الذي يستشرف مستقبله من منظور جماعي تلتقي فيه الرؤى الجماعية في ملامسة التهديدات والتعاون على تفاديها وخفض تكاليف مواجهتها والآثار الناجمة عنها، وتجاوزها بما يحاكيها من حكمة ورشد قيادي يمتلك زمام المبادرة والعمل التكاملي، والمهنية المستدامة، ومعالجة الاختناقات بوعي جماعي لا بنزعة فردية طائشة.
نمو التفكير الأحادي وتمجيد الفردية والرمزية بالقائد الفرد وتسطيح طموح الشعوب سلوك مقيت نتاجه تطاحن وتباغض وتمحور حول الذات، وزيادة في التكلفة الأمنية والدفاعية، وتصاعد في الأزمات وتكالب في المخاطر، والمحصلة النهاية تقزيم التنمية وهدم منجزاتها كما هي الحالة السورية وقبلها العراقية. في تصور واضح لمؤشرات دلالاتها شقاء القيادة ومجانبة العدل وغياب الحكمة وحجب مكتسبات التطوير ووسائل التحديث، والانهزام نحو نموذج العنف سارق منجزات التنميته.
إن التنمية عملية حضارية شاملة تؤدي إلى إيجاد أوضاع جديدة ومتطورة، يتسم فيها البناء التنموي بالترابط والتكامل الذي تتوزع فيه الأدوار بين القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، وتتسع فيه درجة المشاركة في إنجاز القرار التنموي ومراقبة تنفيذه ومساءلة منفذيه.
مشاركة الجمهور ومؤسسات المجتمع المدني للرقابة على تنفيذ برامج التنمية وجودة الإنجاز، وإيقاظ الرقابة الذاتية وتسخير الإعلام لممارسة وظيفته الإصلاحية والتصحيحية، وتأكيد مبدأ الحرية والمساواة في التعامل والعدالة في تقديم الخدمات، وتنظيم ممارسة السلطة بحق المواطنة، وبالاحترام المتبادل والاعتراف بحقوق الأخر وضمانها وترتيب الأولويات، ورفع درجة التشارك في المسؤولية والحقوق والواجبات، ومحاربة الفساد، والعمل بضمير حي وبوضوح في الرؤى وبمنهجية في التفكير لجعل التنمية مُكتسب تتوحد فيه التوجهات وتتناغم فيه الرؤى وتتعمق به الثقة، بالتسليم أن في الواقع العربي -مهما كانت مرارة المشهد-دروس مستفادة لا ينبغ التفريط فيها". لا تسأل عن هالك كيف هلك ولكن اسأل عن ناجي كيف نجا".
0 تعليق