تنطلق مساء الثلاثاء، الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الغربى، وفى فلسطين يصل موكب الميلاد من بطريركية اللاتين فى باب الخليل بالبلدة القديمة بمدينة القدس إلى ساحة كنيسة المهد فى مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، وسط أجواء يسودها الحزن والأسى للعام الثانى على التوالى.
وفى ظل استمرار العدوان الإسرائيلى الغاشم على الفلسطينيين، سواء فى غزة أو الضفة الغربية أو القدس، أعلنت الكنائس المسيحية، وللعام الثانى على التوالى، عن إلغاء الاحتفالات بعيد الميلاد، واقتصارها على الشعائر الدينية فقط داخل الكنائس، حتى أن بلدية بيت لحم، مهد ميلاد المسيح، أعلنت عن عدم إضاءة شجرة الميلاد فى ساحة كنيسة المهد، ما يضفى طابعًا من الحزن والأسى على هذا العيد، ترصده «الدستور» فى السطور التالية.
ساحات بيت لحم فارغة.. والاحتفالات تقتصر على الشعائر الدينية
قال جورج كارلوس، قائد مجموعة كشافة تراسنطة ببيت لحم، إن الأسر المسيحية فى مدينة بيت لحم حالها حال جميع الأسر الفلسطينية، التى تعانى بسبب ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلى من عدوان وحرب إبادة، سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية، التى تشهد يوميًا اعتقالات واغتيالات وتنكيلًا بالمواطنين الفلسطينيين.
وأوضح أن الأعوام الماضية شهدت هجرة كثير من أبناء بيت لحم، من المسيحيين والمسلمين على حد سواء، إلى الولايات المتحدة وأوروبا ودول أمريكا اللاتينية، رغم تمسك كثيرين بالبقاء فى أرضهم، حتى لو كلفهم الأمر حياتهم.
وأضاف: «بعد أكثر من عام على حرب الإبادة، أعلنت الكنائس المسيحية، وللعام الثانى على التوالى، عن إلغاء الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد، واقتصارها على الشعائر الدينية فقط، التى تتضمن إقامة القداسات والصلوات الدينية والترانيم داخل الكنائس، دون وجود أى مظاهر للاحتفال، كما أن بلدية بيت لحم أعلنت عن عدم وضع شجرة الميلاد فى ساحة كنيسة المهد أو إضاءتها كما هو معتاد، مع إلغاء المسيرات والاحتفالات الكشفية أيضًا».
واستطرد: «منذ السابع من أكتوبر من العام قبل الماضى لم يدخل بيت لحم أى وفود سياحية، داخلية أو خارجية، بسبب إغلاق الحواجز بين المدن، والتنكيل بأبناء الأسر التى تشعر بالألم، فى ظل استمرار العدوان، ورغم العيد، فإن ساحة كنيسة المهد فارغة، ويغيب عنها الحجاج الذين كانوا يحتشدون سابقًا فى الساحة».
شجرة الميلاد لن تضاء بسبب الأوضاع المأساوية
قال مرتل كنيسة المهد ببيت لحم، عيسى غطاس، إن الأوضاع الحالية جعلت حركة السياحة معدومة، لا يزور الكنيسة سوى أهلها الكرام وبعض الإعلاميين والسياسيين الذين لا يستطيعون أن يغيروا ذلك الواقع، مؤكدًا: «الحزن القاهر يكتنفنا، والوضع مأساوى وقاتم».
وأضاف «غطاس»: «لا أجواء احتفالية فى بيت لحم، بسبب الظروف الراهنة.. فقد شلت الحركة تمامًا، وأصبح أهل البلد جميعًا فى معاناة كارثية لم تحدث قبل ذلك، فالحروب السابقة كانت تنتهى خلال فترة معينة لتعود الحياة إلى طبيعتها إلى حد ما، ولكن هذه المرة طالت الحرب ونسير نحو طريق مجهول ومصير بائس».
وتابع: «سوف تقتصر احتفالات عيد الميلاد المجيد على الطقوس الدينية، مع استمرار الأحوال المحزنة، وسينطبق الأمر على كل كنائس بيت لحم، سنصلى جميعًا وندعو الله أن تنتهى الأزمة، ولتكن قلوب الجميع متوحدة تمامًا لنحصل على مواهب النعم الإلهية فى تحقيق العدل والسلام المنشود لمنطقتنا».
وأوضح: «هناك ثلاث كنائس مختلفة فى المنطقة، تختلف فى الطقوس والتقويم، أى أننا نحتفل بعيد الميلاد المجيد ثلاث مرات فى السنة، فالكنيسة الغربية الكاثوليكية تحتفل وفق التقويم الغربى الجريجورى فى ٢٤ و٢٥ ديسمبر، أما الكنيسة الأرثوذكسية- أخص هنا كنيسة الروم الأرثوذكس- فعيدها حسب التقويم الشرقى اليوليانى الموافق بتاريخ ٦ و٧ يناير، والكنيسة الأرمنية تحتفل وفق تقويمها الخاص مع الغطاس، بتاريخ ١٨ و١٩ يناير».
وتابع: «يجرى التقيد بمواعيد الصلوات وفتح وإغلاق أبواب الكنيسة حسب النظام الشهرى، وفق بروتوكول مراسيم كل الشعائر الدينية الطقسية للأعياد المهمة، وهى الأعياد السيدية الرئيسية».
وأضاف: «أما عن إضاءة شجرة الميلاد المجيد فى ساحة كنيسة المهد، فلن تضاء الشجرة أيضًا هذا العام، ما دام الوضع على ما هو عليه».
وأكد: «من الممكن وضع رمز دينى كنسى وطنى كمجسم خاص، لإبراز المظهر الدينى فقط والتعبير فعلًا عن الوضع القائم المأساوى فهى الكنيسة الوحيدة المتميزة والزاخرة بصلواتها الحية اليومية، وفق نظام طابعها الملكى القديم، الذى حوفظ عليه عبر مختلف الحقبات الزمنية حتى يومنا هذا، لهذا استحقت أن تدعى أقدم كنيسة ملكية، أى بنظام بناء باسيليكى فى الأرض المقدسة، كونها المتفردة الأولى كما بالبناء الملكى الرسمى، والأخيرة المحافظ عليها هنا والمنقذة الوحيدة من كل الغزوات وأشكال التدمير الكامل على البلاد».
وقال: «ترجع أهمية كنيسة المهد لكونها مكان ميلاد السيد المسيح، وقد بنيت مباشرة فوق المغارة التى ولد فيها، ولكونها الكنيسة الوحيدة الباقية الحية بنظام صلواتها اليومية».
وأشار إلى أنها الكنيسة المنقذة من معظم الخراب الذى حصل لباقى كنائس فلسطين خلال الغزوات العديدة والمتكررة، إضافة إلى الكوارث الطبيعية كالزلازل المتعاقبة منذ الفترة البيزنطية حتى الفترة العثمانية الأخيرة، كما بالعام ١٨٣٤ ميلاديًا مع فترة الانتداب البريطانى، خاصة الزلزال الكبير عام ١٩٢٧ ميلاديًا.
ديمترى دليانى: نصلى ليحل السلام
أوضح ديمترى دليانى، رئيس التجمع الوطنى المسيحى فى الأراضى المقدسة، إن أعياد الميلاد هذا العام والعام الماضى، وخلافًا للمعتاد فى السنوات الماضية، تكتنفها مرارة غير مسبوقة، نتيجة العدوان الإسرائيلى الإجرامى المستمر، الذى يلقى بظلاله الكئيبة على مشاعر الجميع.
وقال: «منذ بدء العدوان الوحشى على غزة، قُتل عشرات الآلاف من الشهداء الأبرياء، وتشوهت حياة مئات الآلاف ممن أصيبوا بجروح مروعة، فيما يرزح أكثر من مليونى فلسطينى فى غزة تحت وطأة آلام الفقد والخوف المتواصل على حياة أحبائهم».
وأضاف: «إلى جانب ذلك، فرضت الأزمة الاقتصادية التى سبّبها العدوان الإسرائيلى أثقالًا لا تحتمل على كاهل الأسر الفلسطينية، فقدْ فَقَدَ كثيرون مصادر رزقهم، وتفاقمت معاناة الجميع، وسط صمت دولى مستفز، فى ظل استمرار آلة الحرب الإسرائيلية فى الإبادة وحصد أرواح الأبرياء وتدمير سبل الحياة كلها».
وأردف: «فى عيد الميلاد المجيد، يتجدد الأمل المتجذر فى رسالة المسيح المباركة، وتتشابك المشاعر مع التطلعات نحو السلام والمحبة، فى ذكرى ميلاد حامل رسالة السلام إلى العالم».
لا مكان آمنًا من القصف أو هجمات المستوطنين.. والسياحة الدينية انتهت
أكدت لورا أبوعيطة، من بيت لحم، وهى طالبة دكتوراه فى دراسات المرأة فى جامعة غرناطة الإسبانية، أن احتفالات عيد الميلاد المجيد، وللعام الثانى على التوالى، أصبحت تقتصر فقط على الشعائر الدينية، فى ظل ما تعيشه الأسر الفلسطينية من أوضاع نفسية واقتصادية سيئة، تدمر أى فرحة بالعيد.
وقالت: «كان من المعتاد فى الوضع الطبيعى أن تكون نهاية شهر ديسمبر وبداية يناير مليئة بالبهجة وأسواق الميلاد والاحتفالات والمهرجانات، وتضاف إليها الصلوات العديدة، واجتماع العائلات والزيارات بين الأصدقاء، لكن منذ بدء الحرب لم تعد هناك أفراح أو سياحة دينية إلى بيت لحم، وللأسف الخسائر فى القطاع السياحى كبيرة، رغم أنه القطاع الأهم فى الاقتصاد الفلسطينى».
وتابعت: «شبح الحرب يخيم على الأماكن المقدسة، فلا يوجد مكان آمن من القصف الإسرائيلى، وقد رأينا بأعيننا قصف كنيسة بورفيريوس فى غزة، وهى من أقدم وأهم الكنائس التاريخية فى فلسطين والعالم، وشهدنا معاناة أهالى غزة، وأيضًا معاناة أهالى القدس والضفة الغربية بشكل عام من الظروف الصعبة فى فلسطين، ونحن لا نستطيع التعايش مع الوضع الحالى، حتى انتهاء هذه الإبادة».
وعن هجرة الفلسطينيين من غزة وبيت لحم، قالت: «للأسف، منذ الانتفاضة الثانية، أى منذ ما يقرب من ربع قرن، ارتفعت هجرة المسيحيين عمومًا إلى الخارج، فالكل يعرف أن المقدسات المسيحية كلها مهددة بالدمار بطرق مختلفة، ومع بدء الحرب الحالية، واستمرارها، أصبح الخطر متزايدًا، سواء كان خطر القصف أو هجمات المستوطنين».
وعن تشجع الأقباط المصريين على زيارة الأماكن المقدسة، قالت: «طبعًا نشجع ونرحب بأهلنا فى بيتهم وبلدهم وأرضهم المقدسة»، مبينة أن نسبة المسيحيين الأقباط ككل من المسيحيين الفلسطينيين قليلة، بالمقارنة بالطوائف الأخرى، إلا أن هناك محبة واحترامًا، لأنهم يزيدون من التعدد فى فلسطين، وهذا شىء مهم من أجل تقبل الآخر، وزيادة الوحدة بين الكنائس.
واختتمت حديثها: «عن أى عيد نتحدث، فلا طعم للعيد فى فلسطين وغزة تعانى من حرب الإبادة، ونحن نصلى من أجل المسيحيين والمسلمين فى غزة، نصلى لخروجهم سالمين من هذه الإبادة».
0 تعليق