يعقد عالم المصريات جيمس بيكي، المقارنات ما بين الآثار القديمة في بلاده إنجلترا، والتي تتمثل في الكاتدرائيات الفخمة والقصور العظيمة التي كان يسكنها الملوك والأمراء، وبين القبور والمعابد العظيمة التي أبدع فيها المصريين القدماء وشغلت اهتمامهم ووقت وجهدهم أكثر من منازلهم.
لماذا اهتم المصريين القدماء ببناء قبورهم أكثر من منازلهم؟
ويصف جيمس بيكي، في كتابه "مصر القديمة" من ترجمة نجيب محفوظ، إن "مصر بلد المقابر والمعابد"، لأن الشعب المصري عظيم التدين، كان يخص آلهته بكل تبجيل وتقدير، ويسعى للإجابة على اللغز الذي حير عقله وهو: ما السبب في تلك الحماية الموفورة التي وجهوها إلى بناء القبور؟
فيجيب جيمس بيكي على نفسه، قائلا: لأنه لم يوجد شعبب آثر الحياة الأُخرى على الحياة الدنيا كالشعب المصري القديم، فكانوا يبنون منازلهم وقصورهم بأخف المواد كالخشب والصلصال، علمًا منهم بأن تعميرهم فيها لن يطول، أما قبورهم أو المساكن الأبدية، كما كانوا يُسمونها، فقد شيدوها باعتناء ودقة حتى خلدت على الدهر.
ويصف إحدى المعابد المصرية القديمة العظيمة، ويشير إلى قدس الأقداس، وهي حجرة أصغر حجمًا وأخفض سقفًا من بهو المعبد، والنور لا يجد إليها منفذًا، وعلى ذلك فهي في ظلام دامس، ولولا شعاع المصباح الذي يُمسكه الكاهن وهو يقودك لما استطعت التقدم خطوةً واحدة.
وهنالك يوجد المقام المقدس، وهو مأوى يسكنه رأس الإله، وهذا المقام منحوت من الجرانيت، وله أبواب من خشب الأَرز، وهى مغلقة دائما.
ويكمل جيمس بيكي: لو استطعنا فتحها لوجدنا تمثالًا خشبيا كهذا الذي رأيناه محمولًا محتفلًا به في شوارع طيبة، وعليه أفخر الثياب، وحواليه الهدايا والمأكولات والمشروبات؛ وما ذلك إلا لأنه الخالق لكل ما وصفنا لك من عظمة هذه الأمة القديمة، كما يوجد جيش من الكهنة يقومون بخدمته ليل نهار، يزينونه بالنقوش، ويقدمون له الطعام والشراب، ويترنمون بمدحه وعبادته.
قبور خالد للمصريين القدماء
ويرى جيمس بيكي إن اعتقاد المصريين الراسخ بالحياة السفلى دفعهم إلى تشييد قبور خالدة، تحفظ أجسادهم على مرور الأعوام والأجيال، حتى إن الملوك، الذين حكموا القطر قبل بدء التاريخ، حفروا لأنفسهم قبورا حصينة في باطن الأرض، ووضعوا فيها من الأثاث والأطعمة كل ما ظنوا أنهم يحتاجون إليه في حياتهم السفلى.
ويلفت جيمس بيكي إلى أن أعظم مثل للقبر المصري القديم في العظمة والفخامة هو ما بُني في عهد خوفو، ولم يُشَيد مثله فيما مضى قبل زمن تشييده، ولا بعد ذلك حتى أيامنا هذه، ويقدر ارتفاعه بأربعمائة وخمسين قدما.
0 تعليق