فى الثامنة مساء الغد، تدق أجراس الكنائس التى تتبع التقويم الغربى فى مصر، إيذانًا ببدء قداس عيد الميلاد المجيد، وعلى رأس تلك الكنائس: الأقباط الكاثوليك والأرمن الكاثوليك والسريان الكاثوليك والأرثوذكس، والكلدان، والأنجليكانية الأسقفية، على أن يحتفل أبناؤها بالعيد، بعد غد.
وحرصت الكنائس التابعة للتقويم الغربى فى مصر على تعليق زينة وأضواء عيد الميلاد، فى مداخلها وباحاتها الداخلية والخارجية، إلى جانب وضع نموذج لـ«مذود البقر»، الذى ولد فيه السيد المسيح فى مدينة بيت لحم، بالإضافة إلى مجسمات وتماثيل أخرى تروى قصة الميلاد.
وكثفت وزارة الداخلية من استعداداتها لتأمين احتفالات الكنائس الغربية، عبر تركيب حواجز حديدية أمام مقار الكنائس التى يقام فيها قداس العيد، لمنع مرور السيارات فى محيطها، مع السماح للمارة بالدخول مترجلين عبر بوابات إلكترونية، واستخدام كواشف معادن، والاستعانة بالشرطة النسائية لتفتيش السيدات.
الكاثوليك الأنبا إبراهيم إسحق يترأس الاحتفالات: «يوم رجاء وفرح»
يترأس الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، قداس عيد الميلاد المجيد، فى كاتدرائية «السيدة العذراء مريم» فى مدينة نصر، بحضور مطارنة الكنيسة الكاثوليكية، ومشاركة مندوب عن رئاسة الجمهورية، وآخر عن وزارة الداخلية، إلى جانب عدد من أعضاء مجلسى النواب والشيوخ.
وتنطلق الصلوات فى الكنيسة الرئيسية بكاتدرائية «السيدة العذراء مريم»، التى تدق أجراسها معلنة عن بدء قداس عيد الميلاد، إذ يتوسط الأنبا إبراهيم إسحق موكب الشمامسة، وخلفه مطارنة وكهنة الكنيسة، مرتدين ملابسهم الكهنوتية البيضاء والتاج الذهبى للبطريرك، والبيضاء بالشرائط الحمراء والذهبية للآخرين.
بعدها، ترتل الألحان الخاصة بالعيد، مثل ألحان «بشارة الملاك للعذراء»، و«ملاك المسيح فى بيت لحم»، ثم يلقى بطريرك الكنيسة الكاثوليكية عظة عيد الميلاد المجيد، داعيًا بحلول السلام فى العالم ومصر والشرق الأوسط.
وقال الأنبا باخوم، النائب البطريركى للكاثوليك، إن عيد الميلاد عيد رجاء وفرح، مضيفًا: «الله لم يترك البشرية وحدها، بل اختار أن يتجسد ليحمل لنا الخلاص والمحبة الأبدية. الرجاء الذى يقدمه الميلاد ليس بشريًا عابرًا، بل هو رجاء إلهى عميق يتجلى فى وعد الله بأن يكون معنا دائمًا، خاصة فى أوقات الظلمة والتحديات».
وأضاف النائب البطريكى لـ«الدستور»: «فى ميلاد المسيح، يعلن الله عن أن الظلمة لا تستطيع أن تغلب النور، وأن المحبة أقوى من الخوف، وأن الفرح يمكن أن يولد حتى فى أبسط الأماكن. الرجاء فى هذا العيد يذكرنا بأننا لسنا وحدنا فى رحلة حياتنا، وأن الله قريب منا، يمشى معنا ويحمل أثقالنا».
وأفاد بأن الاستعدادات للميلاد فى الكنيسة الكاثوليكية تبدأ فى الأسابيع الأربعة التى تسبق العيد، من خلال تذكير الكنيسة للمؤمنين بأهمية الاستعداد الروحى لتلك المناسبة، من خلال الصلوات والقراءات الكتابية، والاعتراف والتوبة والأعمال الخيرية، إلى جانب الزينة والاحتفالات، ختامًا بالقداس الليلى.
أما الأنبا توما حبيب، مطران إيبارشية سوهاج للأقباط الكاثوليك، فقال إن احتفال الكنيسة الكاثوليكية هذا العام يأتى وسط صلوات مكثفة من أجل السلام، فى ظل كون هذه الصلاة مصدرًا للسلام الداخلى والأمل، واستجابة للتوجيه الإلهى فى مواجهة أوقات الشدة والصراعات.
وأضاف مطران الكاثوليك فى سوهاج لـ«الدستور»: «نطلب الإرشاد من الله ليعطى القادة الحكمة اللازمة لاتخاذ قرارات حكيمة وسط الفوضى»، مشددًا على أن «الصلاة تعتبر وسيلة فعّالة للتضرع من أجل إنهاء الحروب وطلب السلام للعالم».
وواصل: «الصلاة تقوى الروابط الإنسانية، فالصلاة المشتركة توحِّد المجتمعات، إذ يلتف الناس حول هدف مشترك، وهو السعى للسلام. وكلها قيم إنسانية، عادة ما تتضمنها رسالة قداسة البابا فرنسيس من أجل السلام فى العالم، وعلى خطاها تنطلق رسائل كل البطاركة الكاثوليك حول العالم لكل القادة والشعوب».
وأشار إلى إطلاق الكنيسة مبادرات تكافل اجتماعى لدعم المتضررين من الحروب، خلال فترة عيد الميلاد، تتضمن توزيع غذاء وملابس وهدايا للأطفال اللاجئين، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الصحية والتعليمية، فى إطار التضامن مع الذين فقدوا أحباءهم أو تعرضوا للدمار بسبب الحروب.
وأكمل: «تقام صلوات خاصة لراحة أنفس الضحايا، وتقديم العزاء للأسر المتضررة، بالتزامن مع تزيين الكنائس بشجرة ومغارة الميلاد، كرمز لإبقاء الإيمان والفرح حيًا فى القلوب، حتى فى الظروف الصعبة».
وشدد على أن «الميلاد يحمل معانى روحية وإنسانية عميقة، فالاحتفال به يذكّرنا بالتجسد الإلهى، الذى يعبر عن حب الله العميق للبشرية، ورسالة السلام، فى ظل أن ولادة السيد المسيح جاءت برسالة (المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام)، ما يدعونا لنشر السلام والمحبة فى حياتنا اليومية».
وأضاف: «يعلمنا الميلاد أيضًا البساطة والتواضع، الذى نراه، بداية من موضع ميلاد المسيح فى مذود بسيط، يذكرنا بأهمية التواضع والبعد عن التكبر. كما يعلمنا الأمل والخلاص، فيجسد عيد الميلاد بداية عهد جديد، بعدما جاء المسيح ليخلص البشرية من خطاياها ويمنحها حياة أبدية».
وواصل: «ميلاد المسيح هو بداية رحلة الخلاص، ودعوة مفتوحة لكل واحد منا لفتح أبواب قلوبنا لاستقبال نور الله فى حياتنا، وهو يعلمنا التضامن والمحبة والعطاء ومشاركة الفرح مع الآخرين، خاصة المحتاجين والفقراء، ليكون بمثابة عيد للحب».
السريان الرهبان يرتدون زيًا كهنوتيًا مليئًا بألوان البهجة
يقيم الربان فيلبس عيسى، راعى الكنيسة السريانية فى مصر، قداس عيد الميلاد المجيد فى مقر الكنيسة بمنطقة غمرة، ويستقبل خلال القداس كبار الزوار وموفدين من الدولة والأزهر الشريف لتقديم التهانى بالعيد، وسط أجواء احتفالية بهيجة.
وقال الربان فيلبس عيسى، لـ«الدستور»، إن الكنيسة تلتزم بما تعلمته من الكتاب المقدس فى طقوسها الروحية فى الصلاة والصوم والعبادة الحقيقية، ومنها الزى الكهنوتى الذى أخذه الآباء الرسل من شريعة العهد القديم كما أمر به الله، وحافظ عليه السريان منذ القديم وحتى يومنا هذا، من جيل إلى جيل.
وأضاف: «يتكون الزى الكهنوتى من اللباس الكامل لاستعداد البشارة وإنجيل المسيح، يرتديه الكاهن الموقر قبل الدخول إلى قدس الأقداس، أما الألوان الزاهية المتنوعة فتمثل المواهب الروحية التى ينالها الكاهن فى الرسامة الكهنوتية»، مضيفًا: «أول الزى يبدأ بالقميص الأبيض ويعنى النقاوة والقداسة، والصدرة ترمز إلى ترس الإيمان النقى والمعتقد القويم المستقيم الذى يتسلح بها الأب الكاهن».
الأسقفية موكب للقساوسة والشمامسة إلى الهيكل
استعدت الكنيسة الأسقفية للاحتفال بعيد الميلاد المجيد، وتزينت كاتدرائية جميع القديسين الأسقفية بالزمالك بأشجار الكريسماس وأضواء العيد، وذلك قبل ساعات من بدء القداس الذى سيترأسه المطران سامى فوزى، رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية فى مصر وشمال إفريقيا والقرن الإفريقى، فى تمام الساعة الثامنة من مساء اليوم الثلاثاء، فى مقر الأسقفية.
ومن المقرر أن يتحرك موكب المطران من مقره يتقدمه شمامسة وقساوسة الكنيسة، وصولًا إلى الهيكل، وسط ترانيم وألحان الميلاد المجيد.
ويحضر القداس عدد من الشخصيات العامة والدبلوماسية، ويستقبل رئيس الأساقفة عددًا من كبار الزوار والموفدين من الدولة والأزهر الشريف، وتوفر الكنيسة، خلال القداس خدمة الترجمة الفورية للغة الإشارة، وتخصص ركنًا للصم وضعاف السمع داخل الكاتدرائية، إضافة إلى شاشات لعرض وبث القداس.
الروم والمارون والكلدان صلوات وقداسات إلهية واستقبال حافل للمهنئين
يترأس البابا ثيودوروس الثانى، بابا الإسكندرية للروم الأرثوذكس، قداس عيد الميلاد المجيد، غدًا، فى كنيسة القديس نيقولاوس، بالمقر البطريركى بمنطقة الحمزاوى فى القاهرة.
كما يترأس المطران جورج شيحان، مطران المارون الكاثوليك بمصر، قداس عيد الميلاد المجيد فى العاشرة من مساء اليوم، فى كاتدرائية «القديس يوسف». كذلك يترأس الأب بولس ساتى، المدبر البطريركى لطائفة «الكلدان الكاثوليك» فى مصر، قداس العيد فى كاتدرائية «سانت فاتيما» بمصر الجديدة، ثم يتلقى التهانى بالعيد صباح غدٍ.
التقويم الميلادى وراء اختلاف موعد الاحتفال
أرجع الأنبا توما حبيب، مطران إيبارشية سوهاج للأقباط الكاثوليك، الاختلاف فى موعد الاحتفال بعيد الميلاد بين الكنائس المسيحية المختلفة إلى اختلاف التقويم المستخدم من كل كنيسة، بالإضافة إلى عوامل ثقافية وتاريخية أخرى.
وقال مطران إيبارشية سوهاج: «الاختلاف يرجع إلى التقويم الميلادى، أو ما يعرف باسم الغريغورى، فأغلب الكنائس الغربية، مثل الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية، تحتفل بعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر وفقًا لهذا التقويم، الذى تم اعتماده فى القرن السادس عشر لإصلاح التقويم اليوليانى القديم، الذى كان يحتوى على فارق زمنى تراكم على مر السنين».
وأضاف: «أما الكنائس الشرقية، مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والكنيسة الأرثوذكسية الروسية، فتحتفل بعيد الميلاد فى ٧ يناير، وهذا يعود إلى التمسك بالتقويم اليوليانى القديم، الذى يتأخر حاليًا ١٣ يومًا عن التقويم الغريغورى»، مشددًا على أن «الكنائس تختار الاحتفاظ بالتقويم التقليدى الخاص بها لتأكيد هويتها الدينية والثقافية».
«بدعة الغنوسية».. سر احتفال الكنيسة بالعيد
قال الباحث كيرلس كمال، إنه مع بداية القرن الرابع الميلادى وجدت الكنيسة ضرورة ملحة للاحتفال بعيد الميلاد المجيد بسبب بدعة الغنوسية التى اعتبرت أن المادة شر، كما آمن الغنوسيون بأن المسيح ظهر على الأرض منذ المعمودية، وأن بعد عماده صار الإنسان يسوع المسيح.
وأضاف: «كانت البدع والهرطقات التى انتشرت منذ القرن الرابع الميلادى وحتى القرن السادس التى قللت من تجسد أقنوم الابن وشككت فيه كانت سببًا فى الاحتفال بعيد الميلاد وضمه مع عيد الغطاس، وسنجد أنه حتى الآن تلتزم الكنيسة الأرمينية بهذا التقليد القديم وتعيد العيدين معًا».
وواصل: «من أواخر القرن الرابع الميلادى انفصل عيد الميلاد عن الغطاس، وصار عيدًا مستقلًا فى الغرب والقسطنطينية وآسيا الصغرى وأنطاكية، وأثبتت ذلك عظات كل من القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات فى القسطنطينية وغريغوريوس أسقف نيصص فى آسيا الصغرى والقديس يوحنا ذهبى الفم فى أنطاكية».
وأكمل: «أما فى مصر فانفصل هذا العيد فى عهد البابا كيرلس الأول عمود الدين، البطريرك ٢٤ بعد رجوعه من مجمع أفسس الأول سنة ٤٣١م، وتبين ذلك من عظة الأسقف بولس الحمصى الذى ألقاها عند زيارته للإسكندرية فى حضور البابا كيرلس الأول سنة ٤٣٢، لذلك أراد البابا كيرلس الاحتفال بعيد الميلاد مستقلًا، ليؤكد حقيقة التجسد الإلهى، وأن السيدة العذراء هى والدة الإله».
البابا تواضروس يزور الكنائس للتهنئة
يترأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، وفدًا من أساقفة ومطارنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لتقديم التهنئة للكنيسة الكاثوليكية بمصر، فى المقر البطريركى بكوبرى القبة، ويكون فى استقباله الأنبا إبراهيم إسحق بطريرك الكنيسة الكاثوليكية بمصر.
بعد ذلك يتجه البابا تواضروس الثانى إلى كنيسة القديس نيقولاوس، بالمقر البطريركى بمنطقة الحمزاوى فى القاهرة، لتقديم التهنئة للبطريرك ثيؤدورس الثانى، بطريرك الروم الأرثوذكس بمصر وسائر إفريقيا.
ويرسل البابا وفودًا من الكنيسة الأرثوذكسية لحضور قداسات عيد الميلاد المجيد وتقديم التهنئة بعيد الميلاد المجيد، وسط صلوات لحلول السلام فى مصر والعالم.
تباين الآراء فى ميلاد يسوع
تنوعت الأقاويل حول تحديد السنة التى ولد فيها المسيح، فالكنائس الشرقية تعتبر ميلاده كان فى سنة ٥٥٠٨ للخليقة، أى من ميلاد أبونا آدم، ويرى يوسابيوس القيصرى أن المسيح ولد فى سنة ٢٨ من انتصار أغسطس قيصر على أنطونيو وكليوباترا فى معركة أكتيوم البحرية، أى أن المسيح ولد فى سنة ٤ ق. م، أو سنة ٣ ق. م، وهناك رأى آخر يرجح أن المسيح ولد فى سنة ٧ ق. م.
0 تعليق