وعبارتهم الشهيرة "قلت هذا قبل المباراة" هي غالبا غير دقيقة؛ فهو إما لم يقل شيئا، أو قال شيئا مختلفا، وإن صادف أن قال شيئا مطابقا، فهو ليس سوى مصادفة لطيفة لا أكثر.
وأيضا وإن أخطأوا فإن لديهم مبررات عجيبة وغريبة لهذه الأخطاء، بعضها قد يجعلك تشك أن المباراة حدثت في عالم آخر غير عالمنا الحالي!
أول هؤلاء هو المحلل الرياضي، ذلك الذي يظهر قبل المباراة وكأنه خبير استراتيجي حضر من اجتماع سري مع المدرب واللاعبين، ليصف لك فريقا لم يسبق لك أن رأيته من قبل، رغم أنك تعرف الفريق قبل أن تتعرف على المحلل الرياضي نفسه.
يبدأ بشرح "خطط للمباراة ستحدث وخطط بديلة" ربما لم تخطر حتى على بال المدرب نفسه.
ويصف كيف يفكر اللاعب وهو يربط حذاءه قبل المباراة، وكيف أن الجمهور يتنفس بالإيقاع نفسه لتشجيع الفريق، وكأنك تشاهد فريقك المفضل لأول مرة في حياتك، بينما الفريق نفسه قد يخسر 4 - 0 بعد دقائق من بدء المباراة!
وليس هذا فحسب، فهو يتخيل سيناريو المباراة وكأنه يكتب نص فيلم درامي، فتسمعه يقول "الدقيقة 17، انطلاقة من الجناح الأيسر، تمريرة عرضية دقيقة، هدف مؤكد"، ثم تكتشف أن اللاعب بالكاد يستطيع التحكم في الكرة.
الغريب جدا أنه لديه استعداد لوصف المباراة التي ستقام بعد قليل وصفا أطول من المباراة نفسها، ولو استمعت له بعد المباراة، لشرح لك مبررات لماذا لم تصب تحليلاته. ولديه قدرة سحرية على تفسير تفكير اللاعب، حتى لو سألت اللاعب نفسه، فسيجيبك بكل براءة "لم أفكر في هذا، من قال لكم ذلك؟!".
الآخر هو المعلق، ومن المؤكد أن المعلق جاء ليصف المباراة فحسب، أو هكذا نظن نحن البسطاء! أما رؤيته الشخصية، فهي تبدو وكأنها صادرة عن حكيم استثنائي يرى ما لا نراه.
نعم يا سقراط، لطيف جدا أن نتغاضى عن بعض الإنسانيات أحيانا من أجله، مثل تحليلاته التي قد تجعلنا نشك أنه يقرأ من كتاب عن فلسفة الحياة، أو رواية فنتازية، أو سيرة ذاتية لبورخيس، وليس عن كرة القدم.
لكن أن يصف أحد الفريقين بالخسارة، ويقرر فجأة أن الفريق قد فقد المنافسة تماما، بل وربما كتبنا له شهادة الوفاة كرويا، لمجرد أنه تأخر بهدف أو هدفين، ثم لا يخجل أن يغير موقفه في لمح البصر بمجرد أن يعدل الفريق المهزوم النتيجة! فجأة يتحول المعلق إلى بطل يقول "ألم أقل لكم، إن الفريق المهزوم تأتيه قوة الهزيمة؟"، أو العبارة الخالدة الأخرى "إن الطرد هو سبب الخسارة في هذه المباراة".
لكن في المباراة نفسها، وبمجرد أن يعدل الفريق المهزوم النتيجة رغم الطرد، يتحول المعلق إلى فيلسوف آخر، ليقول بكل حماس "بل النقص يولد القوة!"، وكأننا في جلسة تحفيزية لا مباراة كرة قدم.
عزيزي المعلق: دعني أسألك بصراحة، أيهما أصح برأيك؟ هل الطرد سبب للهزيمة أم سبب للفوز؟ أم أنك تعتمد نظرية "كل شيء قابل للتفسير، فقط اختر الجملة المناسبة بعد النتيجة"؟.
آخر من لا يجب أن تثق بكلامه في كرة القدم هو المدرب، فهو أشبه بساحر متمرس في تحويل الواقع إلى أعذار متقنة! قبل المباراة، يمتلك أسباب الفوز التي تجعل خططه تبدو وكأنها أسرار فتاكة لا يفهمها إلا هو.
أما بعد المباراة، فالأسباب تتحول إلى قائمة لا تنتهي من الأعذار التي تبدأ بعدم سماع اللاعبين لتعليماته العظيمة، مرورا بأخطاء الحكم، وسوء حالة الأرضية التي يبدو أنها تتحول إلى مستنقع فقط لفريقه، وحتى الجمهور "المزعج" الذي يشاهد المباراة من خلف الشاشات وهو يأكل الفشار، هو سبب فشل الفريق!
أما المدهش فعلا، فهو أن المدرب لا يعترف بخطئه أبدا، إلا إذا شعر أن هناك من يلمّح بلطافة إلى إنهاء عقده! فجأة يتحول إلى حكيم نادم يقول "نعم، قد أكون أخطأت، لكننا سنتعلم من هذا الخطأ ونمضي قدما!"، وكأنه في مشهد من فيلم درامي.
عموما، الثلاثة (المحلل، المعلق، والمدرب) يمارسون علم التنجيم والتنبؤ الفاشل، ولكن ليس لإثراء اللعبة كما تظن، بل بهدف واحد: التبرير أحيانا، وأحيانا أخرى لملء فراغ الوقت، لأن الصمت بالنسبة لهم جريمة كروية!
Halemalbaarrak@
0 تعليق