حوارات
"وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" (البقرة 167).
يتبرّأ الانسان من شخص آخر عندما يقطع الصّلة به، ويتخلّى عنه، ويبرّئ نفسه مما ارتكبه من أمور شديدة الشناعة، والسؤال الذي يطرح نفسه في سياق تبرّؤ المتبوعين السيّئين من التّابعين هو التالي: لماذا لا يَتَبَرَّأ التّابعين ممن يتبعونهم، مع علمهم المسبق، أنهم يقودونهم الى الخسران المبين؟
أعتقد شخصياً أنه توجد أسباب محدّدة تدفع التَّابِعِين الى تأخير تبرّئهم ممن يتبعونهم، ونذكر منها ما يلي:
- موافقة التّابعين على ما يفعله المتبوعون: لا يستمر التّابع في اتّباع المتبوع السيّئ ما لم يوافق ويتّفق معه على صواب ما يقول ويفعل، ومن لديه استعداد نفسيّ مسبّق للشراكة مع المتبوع في أعماله السيّئة، فهو بشكل أو آخر نسخة مطابقة للأصل السيّئ.
- عقد النقص والدونيّة عند التّابعين، والتعويض النفسيّ: يستمر التّابع في إتّباع المتبوع لشعوره بالنقص أمام ضحايا المتبوع، وكأنه باتّباعه إيّاه ينتقم من الضحايا على مستوى الوهم، وبهدف تحقيق تعويض نفسيّ مزيّف يشعره، ولو لفترة قصيرة أنه إنسان.
- سوء التَّنْشِئَة الأسريّة والاجتماعية: يؤخّر التّابع تبرّؤه من متبوعه بسبب عيشه في بيئة سيّئة للغاية، يكثر فيها الجهل والتعجرف على الضعفاء، وما استمرار التبعية العمياء للتّابع لمتبوعه سوى نتيجة مباشرة للفساد، الأخلاقيّ والرّوحي، للبيئة المحيطة.
- التّابعون وغسيل الدّماغ: يتأخّر تبرّؤ التّابعين من المتبوعين بسبب تعرّضهم الطويل لعمليات غسيل دماغ حوّلتهم من أفراد أحرار وفقاً لفطراتهم الأساسية الى عبيد للمتبوعين، فمن يسيطر على عقل الانسان منذ الصغر لا بد أن يستعبده لاحقاً بدنياً ونفسياً وفكرياً.
- تعظيم المتبوع: يضع التّابع مسلوب الإرادة صفات التعظيم، وعلو المكانة على من يتسيّد عليه، حتى لو كان يعلم في داخله أنّه شيطان انسيّ، اذ يوجد بالفعل أشخاص في عالم اليوم لا يستطيعون العيش، بشكل إنساني طبيعي وحر ومستقل، ما لم يتذلّلوا لكائن بشري آخر، ولكن اللَّه تعالى أعز من خَلْقِهِ جميعاً!
كاتب كويتي
@DrAljenfawi
0 تعليق