ورغم هذه الجهود المباركة، تظل هناك بعض التحديات الميدانية التي تستدعي المراجعة والمعالجة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. ومن أبرز هذه التحديات ظاهرة الجمع بين وظيفتين في بعض المساجد، أو تعدد الأئمة بشكل غير منتظم، حيث نجد أن بعض المساجد تُدار بأسلوب يُضعف من استقرارها الروحي والتنموي.
ازدواجية الوظائف وتأثيرها على أداء الأئمة والمؤذنين
من الملاحظ أن بعض الأئمة والمؤذنين يشغلون وظائف حكومية أخرى، مثل التعليم أو غيرها من الوظائف ذات الرواتب العالية. هذا الجمع بين الوظائف يثير تساؤلات حول مدى التفرغ التام لخدمة المسجد والمصلين. وللتخفيف من هذا العبء، يلجأ البعض إلى توكيل مقيمين من حفظة كتاب الله لأداء مهام الإمامة أو الأذان، مما يؤدي أحيانا إلى ضعف الالتزام بالمسؤولية المباشرة، خصوصا في المساجد التي لا يتفرغ فيها الإمام أو المؤذن.
هذا الواقع يُفقد الوظيفة قيمتها الأساسية، إذ إن الإمامة والأذان ليسا مجرد أدوار تنفيذية، بل مسؤوليات أخلاقية وروحية تتطلب التفرغ الكامل لضمان جودة الأداء وخدمة المصلين.
رؤية 2030 وأولوية التوظيف المحلي
تماشيا مع رؤية المملكة 2030، تسعى القيادة الرشيدة إلى تمكين الكفاءات الوطنية في القطاعات كافة، بما في ذلك قطاع الأئمة والمؤذنين، من خلال توفير فرص عمل تلبي احتياجات الأفراد وأسرهم. لذا فإن منح الأولوية للشباب السعودي المؤهل من حفظة كتاب الله، وأيضا لكبار السن الذين يمتلكون الخبرة والكفاءة، يُعد خطوة أساسية لتعزيز هذا التوجه.
كما أن توظيف الكفاءات المحلية يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تصبح الوظائف الدينية مصدر استقرار ودعم للأسر المحتاجة، عوضا عن توزيعها بين أفراد لديهم وظائف أخرى ورواتب كافية.
التحدي المتعلق بتعدد الأئمة
في بعض المساجد يُلاحظ تعدد الأئمة بحيث يتولى كل صلاة إمام مختلف. وعلى الرغم من أن هذا التنوع قد يكون ضروريا في بعض الحالات، إلا أنه قد يُضعف التواصل الروحي بين المصلين وإمام المسجد. وجود إمام ثابت ومتفرغ يُعد أمرا ضروريا لتوفير بيئة روحية مستقرة تساهم في بناء علاقة وثيقة بين المسجد وروّاده.
أهمية العناية بنظافة المساجد ودورات المياه
إلى جانب ما سبق تبرز حاجة ملحة للعناية بجانب آخر في المساجد وهو النظافة، وخاصة نظافة دورات المياه - أكرمكم الله - التي تعاني بعض المساجد من سوء حالتها، مما لا يليق بحرمة المسجد ولا بمكانته. يُقترح إنشاء قسم متخصص في العناية بنظافة المساجد، يتبع جهة إشرافية تضمن تقديم خدمات نظافة احترافية مشابهة لما هو معمول به في المولات والشركات والمستشفيات.
تخصيص عمال نظافة لكل مسجد، أو على الأقل لعدد محدد من المساجد ضمن نطاق جغرافي معين، يمكن أن يساهم في تحسين هذه الخدمة بشكل ملحوظ، ويعكس الاهتمام الحقيقي بالمساجد كبيوت لله يُفترض أن تكون مثالا للنظافة والجمال.
التوصيات لتحقيق الأهداف المنشودة:
1- الأولوية للمتفرغين: ضمان أن يكون الأئمة والمؤذنون متفرغين تماما لخدمة المسجد، دون الجمع بين وظائف أخرى.
2- منع ازدواجية الوظائف: تقنين الجمع بين وظيفة المسجد ووظيفة حكومية أو خاصة أخرى، خاصة لمن يتقاضون رواتب كافية.
3- تمكين الكفاءات الوطنية: تشجيع الشباب السعودي وكبار السن المؤهلين لشغل هذه الوظائف بما يحقق العدالة والتنمية.
4- توحيد القيادة الروحية: تقليل تعدد الأئمة في المسجد الواحد لتعزيز استقراره الروحي والاجتماعي.
5- برامج تدريبية: تقديم دورات تدريبية متخصصة للأئمة والمؤذنين، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، لتعزيز كفاءتهم وقدرتهم على أداء مهامهم.
6- إنشاء إدارة نظافة: تخصيص عمال نظافة لكل مسجد، مع وضع خطة إشرافية تضمن نظافة دورات المياه والمرافق الأخرى باستمرار.
ختاما، تولي الدولة - رعاها الله - جهودا عظيمة للعناية بالمساجد، من بنائها إلى تطوير أنظمتها والاهتمام بخدماتها، بما يعكس حرص القيادة الرشيدة على تعزيز دور بيوت الله في حياة المجتمع.
إن توجيه الجهود نحو تطوير نظام الأئمة والمؤذنين بما يحقق التفرغ الكامل لهذه المهام الجليلة ينسجم تماما مع تطلعات رؤية المملكة 2030. هذه الرؤية الطموحة التي تسعى إلى رفع جودة الأداء في القطاعات كافة، بما في ذلك القطاع الديني، تضع على عاتقنا مسؤولية تمكين الكفاءات المؤهلة والمتفرغة لتأدية هذه الرسالة السامية.
من خلال تحقيق هذه الأهداف لن نضمن فقط استقرار المساجد روحيا واجتماعيا، بل سنسهم أيضا في ترسيخ قيم الإخلاص والشفافية كركائز أساسية للتنمية المستدامة.
0 تعليق