مخطط زعزعة استقرار مصر.. الخداع الرقمي وحرب التضليل

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في عالم أضحت فيه التكنولوجيا ساحة معارك مستترة، وتحوّل الفضاء الإلكتروني إلى ميدان تُدار فيه الحروب بأدوات غير تقليدية، تواجه مصر مخططات خبيثة تهدف إلى تقويض دعائمها الوطنية والنيل من استقرارها الداخلي، أدوات هذه الحرب ليست دبابات أو صواريخ، بل منصات إلكترونية، ولجان رقمية، وشائعات مغرضة، وفيديوهات مفبركة، تصاغ بإتقان لتخترق العقول وتستهدف وعي الجماهير.

لقد باتت هذه المخططات، التي تُدار من الخارج وتُنفذ بأيدٍ خفية، جزءًا من استراتيجية أكثر شمولًا، تسعى إلى إعادة إنتاج سيناريوهات الفوضى الإقليمية التي عصفت بدول أخرى، من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تركيا وإسرائيل، تتحرك الآلة الرقمية المعادية لتشكيل واقع زائف يهدف إلى هدم أركان الدولة الوطنية.

ويعتمد المخطط الخبيث وأبعاده المتشابكة على آليات عدة لتنفيذه منها الحسابات الأجنبية ومنظومة الشائعات، حيث تُدار شبكات رقمية من الخارج، لا سيما من دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، لبث الأكاذيب والشائعات التي تستهدف المؤسسات المصرية. تعتمد هذه الشبكات على استغلال الأزمات، وتضخيم المشكلات، وتصويرها على أنها أزمات وجودية تهدد كيان الدولة.

كما يعتمد المخطط على الكتائب الإلكترونية العابثة، حيث تلعب اللجان الإلكترونية، التي تُدار من جهات معادية كتركيا وإسرائيل، دورًا مركزيًا في هذه الحرب الخفية. يعمل هؤلاء على نشر الأكاذيب وتكرارها عبر منصات متعددة، ما يُحدث ما يُعرف بـ”التأثير الزائف”، وهو خداع الجماهير بتكرار الأكذوبة حتى تبدو حقيقة. من أبرز الأسماء المرتبطة بهذه الحملات، “إيدي كوهين”، الذي يمثل أحد أدوات التوجيه لهذه المنظومة التخريبية.

وكذلك يعمل على إعادة تدوير الأحداث القديمة، من خلال استغلال الأحداث والمظاهرات القديمة وإعادة بثها بزوايا معدلة وتواريخ مغايرة يمثل إحدى التكتيكات المستخدمة لخلق حالة من الالتباس والبلبلة بين المواطنين، مما يضعف الثقة بين الشعب ومؤسساته.

كما يستغل هؤلاء الحسابات المزيفة والانتحال الرقمي، من خلال إنشاء حسابات مزيفة تدعي الانتماء إلى العالم العربي أو مصر نفسها، بهدف نشر رسائل تحريضية تُثير الذعر وتضخم المخاوف، مستغلة النزعة العاطفية لدى الجمهور.

وكذلك تسعى هذه المخططات على استلهام سيناريوهات الفوضى الإقليمية، حيث يسعى هذا المخطط إلى محاكاة سيناريوهات الفوضى التي عصفت بدول مثل سوريا وليبيا، حيث يتم استهداف المؤسسات الوطنية والقطاعات الحيوية لإحداث حالة من الانهيار التدريجي وإشاعة الفوضى المنظمة.

أما فيما يتعلق بالإطار القانوني لمواجهة المؤامرة، فهناك تشريعات مصرية رادعة في هذا الأمر، منها المادة 102 مكرر من قانون العقوبات المصري، حيث تُجرّم بث الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة، وتنص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أذاع عمدًا أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة، إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو الإضرار بالمصلحة العامة".

كما أن المادة 27 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وتنص على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا إلكترونيًا بغرض ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون".

وفيما يتعلق بالأطر القانونية الدولية، فهناك الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وهي ما تُعزز التعاون بين الدول لمواجهة الجرائم العابرة للحدود، بما في ذلك الجرائم الإلكترونية.

وكذلك هناك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 20) والتي تحظر نشر الدعاية التي تحرض على الكراهية أو تدعو إلى الفوضى وتقويض الأمن العام.

كما أن هناك حلول استراتيجية لمواجهة هذه الحرب غير التقليدية، منها تشديد الأطر التشريعية والتنفيذية من خلال مراجعة القوانين الوطنية لتوسيع نطاق العقوبات لتشمل العقوبات الاقتصادية والتجارية على الجهات الأجنبية المتورطة، وتعزيز آليات التنفيذ لتكون أكثر سرعة وحزمًا في مواجهة المتورطين داخل وخارج البلاد.

كما إنه يجب إنشاء  إنشاء مرصد سيادي لرصد التضليل الرقمي، حيث يتم تأسيس هيئة وطنية متخصصة تعتمد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد وتتبع المحتوى الزائف وتحديد مصادره، والتعاون مع الشركات العالمية المالكة لمنصات التواصل لإغلاق الحسابات المزيفة.

كما أن لابد من إطلاق حملات توعوية تُخاطب كافة الشرائح المجتمعية حول خطورة تداول الأخبار غير الموثقة، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن المحتوى المشبوه، وإدماج المناهج التعليمية ببرامج تُعزز مفهوم التفكير النقدي والتحقق من المعلومات.

كما يجب العمل على تعزيز الإعلام الوطني والمؤسسي، من خلال تمكين وسائل الإعلام من تقديم حقائق مدعمة بالمعلومات الموثوقة، وبأسلوب احترافي يواكب تطورات الحرب الإعلامية، ودحض الشائعات بشكل استباقي، مع تقديم الشفافية في عرض المستجدات.

وفيما يتعلق بالتعاون الإقليمي والدولي، فيجب بناء شراكات مع دول المنطقة والمنظمات الدولية لتبادل المعلومات حول الشبكات المعادية، ووضع سياسات مشتركة للتعامل مع الحملات الإلكترونية العابرة للحدود.

المستشار الدكتور هشام الرفاعى 
رئيس محكمة الاستئناف الأسبق 
أستاذ القانون بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا 
المحامى بالنقض والدستورية العليا

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق