سلطت صحيفة واشنطن بوست، الضوء على تنظيم داعش الذي سيطر على مناطق كبيرة من سوريا والعراق في ذروة قوته، وكيف فقد السيطرة على أراضيه بحلول أوائل عام 2019، قبل أن يشهد انخفاضًا كبيرًا في قوته القتالية ونفوذه الإيديولوجي.
يأتي ذلك في إطار تحقيق السلطات الأمريكية بشأن أي ارتباطات داخلية أو خارجية محتملة بهجوم نيو أورليانز.
وتحت عنوان "ماذا تعرف عن داعش الذي يُعتقد أنه ألهم مهاجم نيو أورليانز؟ أشارت واشنطن بوست في تقرير لها اليوم الجمعة، إلى مصادرة السلطات لمواد أولية متفجرة في منزل المهاجم في منطقة هيوستن وتسجيلات تعبر عن آراء دينية متطرفة.
ولفتت الصحيفة الأمريكية، إلى تصريحات الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن بإن المهاجم وهو مواطن أمريكي يدعى شمس الدين جبار- من قدامى المحاربين في الجيش الأمريكي البالغ من العمر 42 عامًا من تكساس - نشر في وقت سابق مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى أن تنظيم داعش ألهمه بالقتل، بينما قال مكتب التحقيقات الفيدرالي أول أمس الخميس: "إن المهاجم يعتقد أنه تصرف بمفرده".
وركزت واشنطن بوست في عدة تساؤلات بشأن التنظيم الإرهابي على أهمية تحقيق السلطات الأمريكية في الروابط المحتملة لداعش مع هجوم نيو أورليانز الذي قُتل فيه ما لا يقل عن 15 شخصًا في الساعات الأولى من يوم رأس السنة الجديدة، مبينة ماهية التنظيم ونوع هجماته وماذا حدث له؟.
ما هو تنظيم داعش؟
وقالت واشنطن بوست، لقد مر أكثر من عقد من الزمان منذ أعلن تنظيم داعش، وهو فرع سابق لتنظيم القاعدة، إقامة الخلافة على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق.
وأضافت: “دعا هذا التنظيم المتطرف جميع المسلمين إلى الانضمام إلى خلافته وبرر هجماته على المسلمين الآخرين باتهامهم بالردة”.
وذكرت أنه في ذروة قوته، سيطر هذا التنظيم على منطقة بحجم بريطانيا، وقتل أو استعبد بشكل منهجي أعضاء من الأقلية الدينية اليزيدية، ونفذ عمليات تعذيب وقتل جماعي، وصور مقاطع فيديو مروعة لإعدام أسراه، بما في ذلك الغربيون، كما تعهد المسلحون في مناطق أخرى بالولاء للجماعة وشكلوا فروعًا محلية.
كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجمات واسعة النطاق، بما في ذلك الهجمات في باريس في نوفمبر 2015 والتي أسفرت عن مقتل 130 شخصًا على الأقل.
وأعلنت القوات المدعومة من الولايات المتحدة هزيمة الخلافة التي أعلنها التنظيم في عام 2019، وتوفي زعيمه، أبو بكر البغدادي، خلال عملية عسكرية أمريكية في سوريا في وقت لاحق من ذلك العام.
ومع ذلك، استمر التنظيم وفروعه في ضرب الأهداف، وأعلن مسؤوليته عن هجوم مميت في مكان حفل موسيقي في موسكو أسفر عن مقتل 137 شخصًا على الأقل في مارس 2024.
لماذا تحقق السلطات الأمريكية في الروابط المحتملة مع هجوم نيو أورليانز؟
وبشأن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، لفتت واشنطن بوست إلى أن الرئيس قال إن الرجل الذي نفذ هجوم رأس السنة الجديدة في نيو أورليانز، وهو من قدامى المحاربين في الجيش البالغ من العمر 42 عامًا من تكساس، "نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى أنه مستوحى من داعش" قبل "ساعات فقط من الهجوم".
وقال بايدن: "تم العثور على علم داعش في سيارته التي استأجرها لتنفيذ هذا الهجوم.
كما تم العثور على متفجرات محتملة في السيارة، وتم العثور على المزيد من المتفجرات في مكان قريب".
ونقلت عن كريستوفر رايا نائب مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي في قسم مكافحة التجسس بالوكالة قوله في مؤتمر صحفي يوم الخميس: "لقد كان مستوحى بنسبة 100٪ من داعش".
وأضاف رايا: "أن القاتل نشر خمسة مقاطع فيديو على فيسبوك أظهرت أنه مستوحى بوضوح من داعش الإرهابي".
وتابع: "إن السائق تصرف بمفرده، مخالفًا تقييمًا سابقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه ربما كان لديه شركاء".
ماذا حدث لتنظيم داعش بعد أن فقد أراضيه في عام 2019؟
وحول ماذا حدث للتنظيم الإرهابي بعد عام فقد أراضيه، قالت واشنطن بوست إنه وفقًا لتقرير صادر في يوليو عن لجنة تابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يُعتقد الآن أن هناك ما بين 1500 و3000 مقاتل من تنظيم داعش في جميع أنحاء سوريا والعراق، حيث يستمر التنظيم في مواجهة خسائر في ساحة المعركة، والهروب، وتحديات التجنيد.
واستشهدت بتصريح الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في سبتمبر، بإن "أكثر من 9000 معتقل من تنظيم داعش لا يزالون في مرافق الاحتجاز في سوريا"، بالإضافة إلى قاعدتها الأصلية في الشرق الأوسط، فإن لتنظيم داعش فروعًا في آسيا وأفريقيا.
كما استشهدت بتقرير لجنة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أشار إلى التهديد المتزايد الذي يشكله فرع تنظيم داعش في أفغانستان وباكستان، المعروف باسم "داعش-خراسان"، مع الهجمات الإرهابية الكبيرة خارج أفغانستان، بما في ذلك هجوم مارس في موسكو، و"ارتفاع مستويات التهديد في أوروبا ومناطق أخرى".
وقال التقرير: إن تنظيم داعش "استخدم هذه الهجمات، فضلًا عن الهجمات في أفريقيا ومناطق أخرى، لدعم جهود الدعاية المعززة لتعزيز تصورات الجمهور للتهديد ومن أجل تجنيد أعضاء جدد".
ونوهت بأن القيادة المركزية الأمريكية قالت في الشهر نفسه: “إن تنظيم داعش يبدو أنه يستعد لمضاعفة عدد هجماته في العراق وسوريا في عام 2024 مقارنة بالعام السابق”، مما يشير إلى أن التنظيم "يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد عدة سنوات من انخفاض القدرة".
ما نوع الهجمات التي ألهمها تنظيم داعش؟
وفيما يتعلق بهجمات داعش في ذروته، قالت واشنطن بوست إن التنظيم الإرهابي “أدار ما اعتبر آلة دعائية قوية للغاية، وكان مرتكبو العديد من الهجمات المميتة يعلنون الولاء للتنظيم أو يبدو أنهم مستوحون منه”.
وسردت الصحيفة بعض هذه الهجمات، مثل هجوم إطلاق نار في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الذي قتل فيه زوجان و14 شخص في عام 2015. وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي حينها، إن أحد مطلقي النار شارك في إعلان الولاء لزعيم تنظيم داعش نيابة عن المهاجمين - على الرغم من أن المحققين قالوا إنهم لا يعتقدون أنهم كانوا موجهين بشكل مباشر من قبل جماعة إرهابية أجنبية.
وفي عام 2016، أطلق مسلح أعلن الولاء لتنظيم داعش النار على 49 شخصًا وأصاب 53 آخرين في حانة للمثليين في أورلاندو.
كما وُصف الرجال الذين يقفون وراء الهجمات المميتة في مدينة نيس الفرنسية في عام 2016، ومسار الدراجات في نيويورك في عام 2017، وهجوم السيارة والسكين في لندن في عام 2017 بأنهم مستوحون من تنظيم داعش.
وذكرت واشنطن بوست في السياق، أنه “على الرغم من تراجع قوة داعش ونفوذه في السنوات الأخيرة، أعرب المسؤولون والخبراء عن قلقهم من أنها قد يستمر في العمل كمصدر إلهام للمهاجمين”.
على سبيل المثال، في أكتوبر، ألقى مسؤولون فيدراليون القبض على مواطن أفغاني يعيش في أوكلاهوما، والذي يُزعم أنه خطط لهجوم في يوم الانتخابات في الولايات المتحدة "باسم داعش"، كما قال المدعي العام ميريك جارلاند.
وفي أبريل، أعرب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر أ. راي، عن قلقه من أن الحرب في غزة، ستدفع أفراد أو مجموعات صغيرة "إلهامًا ملتويًا من الأحداث في الشرق الأوسط لتنفيذ هجمات هنا في الداخل".
وأضاف: أن هناك أيضًا قلقًا متزايدًا بشأن "احتمال شن هجوم منسق" في الولايات المتحدة، "على غرار هجوم داعش-خراسان الذي رأيناه في قاعة الحفلات الموسيقية في روسيا" في مارس.
وكتب بيتر نيومان، أستاذ دراسات الأمن في كينجز كوليدج لندن، في رسالة بريد إلكتروني يوم الخميس أن "أحداث السابع من أكتوبر والصراع اللاحق في الشرق الأوسط قدمت لداعش دفعة هائلة، وخاصة في الغرب"، وأنه شهد زيادة في "عدد محاولات وتنفيذ هجمات داعش في أوروبا" في الأشهر الاثني عشر التي تلت السابع من أكتوبر 2023، مقارنة بالعام السابق.
0 تعليق