فقط.. لا أريد شيئاً!

جريدة عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
ما سأقوله هنا لن يغيّر كثيراً، وإن كان باعثاً لزحزحة واقع لن يدوم طويلاً، وذكره مدعاة للتحرّك من أجل إعادة الصورة لوضعها الحقيقي، نعم إن جودة الحياة عنوان براق ومشتهى، والجميع ينشد تلك الجودة، فأي الطرق القصيرة أو الطويلة التي يمكن للفرد السير بها؟

ومنذ الأزل كان العمل سبيلاً لإحداث التدرج والانتقال من حال إلى حال.

وطبيعة الزمن بما يحمل من متغيرات يؤسّس لنوعية الأعمال ذات المردود الجيد في إنماء الفرد أو الجماعة، ومهما كان المتغيّر ضاغطاً إلا أنّ تصنيف الأعمال المدرة للمال تكون نتاج تميّز الفرد علماً وتجربة، وتحقيق العنصرين يحدث عبر الزمن، والتخلي عن العنصرين السابقين لا يمكن إحداث طفرة مالية للفرد دونهما، وإن حدث ذلك فثمة انكسار عنيف لمجموعة قيم.

ربما حدوث الطفرة المالية للفرد وهو متغيّر وقتي كنتاج لصدمة اجتماعية أو اقتصادية، إلا أن استمرار الوضع يلغي ارتهاننا لهذا السبب، ويصبح التأكيد بأن ثمة خللاً عنيفاً ما لم يتم إصلاحه سيتحوّل إلى قاعدة تؤدي بالجميع لسلوك طرق تلك القاعدة.

ويبدو لي أن حديثي غائم من غير أمثلة تشرح المقصد لما أريد قوله، حسناً، ظللنا لوقت طويل نعتبر هبوط الثراء الفاحش للفرد له مسببات ظنية، فنظن أن ذلك الفرد ورث ثروة عظيمة، ولأننا نعرف حالته الأسرية التي تقترب من خانة الكفاف، يتم استبعاد فكرة أنه ورث، ويتجه ظننا أنه سلك طرق الفساد العظيمة التي توصله إلى ذلك الثراء.. ونطمئن أن ثراء ذلك الفرد جاء من طرق غير شريفة، وكلما تحدثت عن الأمانة، أو تسخير الوقت للعمل الجاد، أو عن أهمية العلم، أو عن الاجتهاد في العمل، كلما تم إسكاتك بأمثلة حية تدمّر كل القناعات التي عشت حريصاً على تقوية عمدانها.. فلو أردت زراعة تلك القيم عن العمل الذي يوصلك إلى جودة الحياة، أسقط في يدك أمثلة راهنة، شاب (لا يسوى قرش) يلعب بالملايين، ويلعب بتلك الملايين ليس ورثاً أو علماً، أو عملاً، وإنما ظهر في زمن المتغير السوشال ميديا، وتم وضعها ضمن المشاهير.. وأصبح ذلك الشاب نموذجاً للوصول إلى جودة الحياة.

وهؤلاء المشاهير كسروا قاعدة العمل، والعلم، والاجتهاد، والمثابرة، والتطلع، وعشرات من القيم التي لم تعد بذرة صالحة في أن يزرعها الأب في ذهنية أبنائه.. والكارثة أن طريق (المشاعر) استقطب الكل، امرأة شمطاء حصلت على لقب مشهورة، امرأة تبرهن عن جودة معدنها بمفاتنها، شابة في سن الزهور تتملك الفلل والسيارات والأرصدة فقط لأنها استسخفت في أدوار كسرت قاعدة الحياء، فكانت مكافأتها بذخاً في جميع أنواع الثراء المتبجح.

وقولي هنا، ليس له علاقة بأي نوع من أنواع النصائح أو بأي نوع من مشاعر الحقد والحسد.. قولي إن قواعد القيم في حالة انهيار، والتقييم لما يحدث غير متوازن لدى الشاب أو الشابة الباحثين عن جودة الحياة من خلال العلم أو العمل أو المثابرة، والصبر، ولن أكون متطرفاً لو قلت لم تعد قيم العمل مجدية في زمن هؤلاء المشاهير.. قرأت خبراً بأن السلطات الصينية أغلقت حسابات المؤثرين والمشاهير على شبكات التواصل الاجتماعي المروجين للرفاهية والبذخ الذين يتباهون بأنماط حياتهم الفاخرة في مواقع التواصل.

فهل المطالبة بإغلاق مواقع المتباهين بالبذخ له جدوى؟

لا أعتقد، ثمة واقع ليس له نافذة نور على جدية العلم أو العمل.

هؤلاء المشاهير يضربون قواعد القيم، ويكسرون راية المثابرة، ويكحتون أهمية الاجتهاد بالعلم للوصول إلى جودة الحياة كما يجب.. فقط، لا أريد شيئاً!


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق