فى رباط.. قبل 77 وبعدها

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كان الأمريكيون يشاهدون، فى مثل هذه الأيام، سنة ١٩٧٧، فيلم «ترنيمة عيد الميلاد»، الذى أخرجته مويرا أرمسترونج، عن قصة لتشارلز ديكنز، بينما كان المصريون يتابعون حلقة جديدة من مسلسل أزمات الكنيسة والرئيس السادات، تسبب فيها مشروع «قانون الردة»، الذى قيل، وقتها، إن الدولة تعتزم إقراره، كخطوة فى طريق تطبيق الشريعة الإسلامية، وردّت الكنيسة بمؤتمر صحفى، طالبت فيه بالتراجع عن مشروع القانون، واستبعاد فكرة تطبيق قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية على غير المسلمين.

فى الحلقة السابقة من مسلسل الأزمات المصرى، لم يعيّن الرئيس فى برلمان ١٩٧٦ غير مسيحى واحد، هو حنا ناروز، المستشار القانونى للكاتدرائية، من بين «١٠ شخصيات عامة يشهد لهم الجميع» رشحتهم الكنيسة، ما جدّد الخلاف حول تعداد المسيحيين، الذى كان قد أشار «السادات»، إلى أنهم مليونان و٣٣٠ ألفًا، خلال افتتاح قناة السويس، فى ٥ يونيو ١٩٧٦، بينما أكد أساقفة المجمع المقدس أن هذا الرقم يقل عن نصف تعداد الكنيسة، الذى تم بحصر الأقباط فى كل إيبارشية، وأظهر أن عددهم ٧ ملايين نسمة.

أحداث المسلسل وصلت إلى ذروتها فى حلقة مشروع «قانون الردة»، وجرى وصف المؤتمر الصحفى الذى عقدته الكنيسة بأنه «أخطر مؤتمر دينى مسيحى فى تاريخ البلاد منذ ستة وستين عامًا»، طبقًا لما ذكره غالى شكرى فى كتابه «الثورة المضادة»، لافتًا إلى أن «التوصيات التنفيذية» للمؤتمر طالبت المسيحيين بـ«صوم انقطاعى لثلاثة أيام من ٣١ يناير إلى ٢ فبراير ١٩٧٧» واعتبار المؤتمر فى حالة انعقاد دائم مستمر، و... و... ووسط هذه المعجنة، تلقَّى قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، دعوة من الإدارة الأمريكية لزيارة واشنطن. وبالفعل، ذهب البابا فى ١٤ أبريل ١٩٧٧، وجرى استقباله بمظاهرة ترحيب كبيرة، ونشرت الصحف الأمريكية أخبار الزيارة فى صفحاتها الأولى. 

كان برنامج الزيارة يتضمن الذهاب إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكى، الجديد وقتها، جيمى كارتر، فطلب قداسته أن يرافقه الدكتور أشرف غربال، سفير مصر لدى الولايات المتحدة. وخلال اللقاء، كان السؤال الأول، الذى وجهه كارتر، بعد الترحيب، عن ذلك الكتاب الذى هاجم فيه البابا الإسرائيليين، وفنّد فيه كون اليهود هم شعب الله المختار، وكذا، عن رأى الكنيسة المصرية فى الصراع العربى الإسرائيلى، خاصة وأنه يعرف أن مصر بها سبعة ملايين مسيحى. وكان رد قداسة البابا «لو كان اليهود شعب الله المختار، نكون لا أنت ولا أنا من شعب الله، أما عن المشاكل السياسية، فهى متروكة لرجال السياسة».

كتاب قداسة البابا شنودة، الذى أشار إليه الرئيس الأمريكى، كان محاضرة ألقاها سنة ١٩٦٥، فى نقابة الصحفيين، وصدرت فى كتاب تمت ترجمته إلى عدة لغات. لكن المهم، الآن، هو أن إشارة كارتر إلى عدد المسيحيين فى مصر، كانت، على الأرجح، محاولة أمريكية لاستمالة البابا، استدراجه أو تسخينه، لكى يتبنى موقفًا يتوافق مع النظرة الأمريكية لإسرائيل أو للصراع العربى الإسرائيلى. غير أن البابا شنودة، كما أظهرت كل الأحداث، السابقة واللاحقة، كان أكثر التزامًا بمصريته وعروبته، وضع عشرات الخطوط تحت عروبته، مما ظن من حاول أو حاولوا استمالته. وطبعًا، لا يخفى على أحد موقف البابا شنودة الرافض ذهاب المسيحيين للقدس إلا بعد تحريرها. والأهم من ذلك كله، هو أنه لم يحدث أن استقوى قداسته بالخارج مع كل ما تعرض له والذى وصل حد تحديد إقامته فى ٩ سبتمبر ١٩٨١ ومحاولة عزله.

.. وتبقى الإشارة إلى أن قداسة الأنبا تواضروس، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، اعتذر عن استقبال مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، منذ سبع سنوات، اعتراضًا على اعتراف الأخير بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وهو القرار، الذى قال البيان الصادر عن الكنيسة، فى ٩ ديسمبر ٢٠١٧، إنه صدر «دون اعتبار لمشاعر الملايين من الشعوب العربية».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق