"فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا": دروس من الجهاد والقتال في سبيل الحق

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في تفسيره للآية 246 من سورة البقرة، أوضح الدكتور علي جمعة أن الآية التي تقول: "فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا" تبرز جانبًا من الطبيعة الإنسانية التي تميل إلى التهرب من المسؤوليات، حتى وإن كانت في سبيل استعادة الحقوق. 

هذه الآية تُظهِر تردد بعض الناس في مواجهة التحديات الكبرى، مما يعكس ضعفًا بشريًا فطريًا تجاه تحمل الأعباء الثقيلة، مثلما كان الحال مع بني إسرائيل عندما فرض عليهم القتال.

ورغم أن التكليف بالقتال جزء من سنن الله في الأمم، إلا أن الدكتور علي جمعة شدد على أنه لا يأتي إلا في حالات استثنائية، مشيرًا إلى أن القتال يجب أن يكون في سبيل الدفاع عن النفس ورفع الظلم والطغيان، وليس بهدف العدوان أو التوسع. يوضح ذلك قوله تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا" (البقرة: 190).

الإسلام لا يقتصر على الدفاع عن الحق فحسب، بل يوجب الإعداد المسبق لمواجهة الأعداء، كما قال الله تعالى في سورة الأنفال: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"، وذلك بهدف تحقيق الردع، وهو توازن قوى يمنع الأعداء من التفكير في الاعتداء.

 هذه الدعوة للإعداد تبرز أهمية التحضير الجيد على جميع الأصعدة لتجنب الفوضى وتعزيز السلام من خلال القوة الرادعة.

من ناحية أخرى، يُعتبر الإسلام الاحتلال والظلم محرمًا شرعًا. إذ يُؤكد القرآن على أن إخراج الناس من ديارهم أو الاستيلاء على أموالهم أمر غير جائز، مما يثبت أن القتال الذي أقره القرآن كان من أجل استرداد الحقوق والدفاع عنها، وليس من أجل توسيع النفوذ أو الاستغلال.

أما فيما يتعلق بالجهاد، فقد أشار الدكتور علي جمعة إلى أن هدفه ليس إرساء استعمار أو استغلال، بل هو سعي لتحقيق العدالة والكرامة، ورفع الطغيان عن الشعوب المستضعفة. كما يفرق الإسلام بين من يرفض القتال قبل بدء المعركة وبين من يتراجع أثناء القتال. ففي حال الانسحاب قبل بدء المعركة، يُعتبر ذلك خيارًا مقبولًا وفقًا للقوانين الحديثة المستمدة من التفسير القرآني، إلا أن التراجع أثناء المعركة يُعد خيانة وجريمة، وهو ما يتوافق مع قوانين الخدمة العسكرية الحديثة.

تُظهر هذه الآية أيضًا أن القرآن ليس مجرد كتاب تاريخي أو روحاني، بل هو كتاب هداية وتشريع يصلح لكل زمان ومكان. ويُستدل على ذلك من خلال قوانين التجنيد العسكري الحديثة، التي تميز بين الانسحاب قبل التحرك والانخراط في المعركة. إذ إن القرآن يقدم حلولًا وتشريعات تنظم الحياة اليومية في جميع الظروف.

الآية كذلك تدل على أن الخير لا ينعدم أبدًا، وأن المجتمعات دائمًا تحتوي على عناصر صالحة قادرة على قيادة التغيير.

وفي نفس الوقت، يظهر الظلم في معصية الله، حيث إن النفس البشرية مملوكة لله، ورفض الطاعة يعتبر تعديًا على ملكيته.

ختامًا، يَظهر أن القرآن ليس مجرد قصة من الماضي أو تراث جامد، بل هو كتاب هداية للعالمين، يستطيع كل فرد أن يجد فيه من الحلول ما يوجهه في حياته اليومية. 

فكل يوم يحمل فرصة جديدة للاستفادة من هذه الهداية والعمل بما جاء في القرآن، ليعيش الإنسان حياة تتسم بالعدالة والسلام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق