قبل 4 سنوات، كان لدى بنك التسويات الدولية ــ البنك المركزي للبنوك المركزية ــ مشروع ابتكاري حمل اسم «إم بريدج»،
وكان الهدف منه إنشاء عملة رقمية للبنوك المركزية عبر الحدود تربط بين البنوك المركزية في الصين، وهونغ كونغ، وتايلند، والإمارات، والسعودية، وفق ما كتبته جيليان تيت، كاتبة عمود وعضو في هيئة التحرير في صحيفة «فاينانشال تايمز»، واطلعت عليه «العربية Business».
ويرمز هذا المشروع الغريب إلى معركة أكبر قد تكون بالغة الأهمية في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبشكل أكثر تحديدا، في الخريف الماضي، قبل الانتخابات الأميركية مباشرة، انسحب بنك التسويات الدولية بشكل غير متوقع من «إم بريدج» (mBridge)، وتنازل فعلياً عن السيطرة للصين وبقية الدول.
وزعم بنك التسويات الدولية أن هذا كان لمجرد أن المشروع وصل إلى مرحلة «المنتج القابل للتطبيق الأدنى». ولكن قِلة من الناس يصدقون هذا. ونقلت «تيت» عن أحد المشاركين قوله: «طالب الأميركيون [بنك التسويات الدولية] بالتوقف عن العمل لأنه يشكل تهديدا»، موضحا أن واشنطن كانت قلقة من «احتمال استخدامه للتهرب من العقوبات المفروضة على الدولار».
ولكن في حين نفى أغوستين كارستينز، رئيس بنك التسويات الدولية، ذلك علناً، فإن المضاربات تتصاعد ــ وخاصة لأن ترامب لا يمكن إنكاره في مسار الحرب النقدية: ففي الشهر الماضي كرر على موقع Truth Social تهديداته بفرض «رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة» على البلدان التي تحاول «استبدال الدولار الأميركي العظيم» بعملات أو أنظمة دفع جديدة.
وفيما كانت تهديدات ترامب بشأن الرسوم الجمركية التجارية في صدارة عناوين الأخبار مؤخراً، فإن هذه المعركة الأقل وضوحاً حول العملة تشكل أهمية بالغة، إذ إن النظام المالي العالمي القائم على الدولار هو المصدر الحقيقي للقوة المهيمنة الأميركية اليوم، والذي تريد واشنطن الدفاع عنه.
«على الورق، ليس لدى ترامب أي سبب للقلق»، وفق «تيت»، وتُظهِر البيانات الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي أن الدولار يمثل نحو 58 في المئة من احتياطيات البنوك المركزية. وهذا أقل قليلاً مما كان عليه في بداية القرن، ولكن التنويع الأخير شمل في الغالب عملات أصغر حجماً ــ وليس منافسين مثل اليورو أو الرنمينبي.
الذهب بديل للورق
ولكن هناك 3 تحذيرات حاسمة. أولا: تقوم البنوك المركزية بتجميع الذهب «بوتيرة مذهلة»، كما لاحظ مجلس الذهب العالمي مؤخرا. وهذا يشير إلى الرغبة في التحوط من تعرضها للدولار الورقي.
ثانيا: قد تكون بيانات سويفت مضللة بعض الشيء لأن النشاط يتضخم خارج المنصات الغربية. تعمل الصين على بناء نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود الخاص بها. هذا صغير وبدائي، لكنه يضم 160 عضوا وقفز حجم المعاملات بنسبة 80 في المئة منذ 2022.
ثالثا: يبدو أن تسليح واشنطن المالي يغذي - وليس يوقف - الجهود التي يبذلها الآخرون لتخيل البدائل. ومن هنا تأتي أهمية mBridge: إذا نجحت هذه الأنابيب الرقمية في العمل بالسرعة والحجم (وهو أمر «إذا» كبير)، فإن هذا من شأنه أن يتحدى النظام المالي الذي يركز على بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي.
0 تعليق