«حماية المنافسة» بحاجة إلى تحمّل الحكومة مسؤولياتها

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

جاء حكم المحكمة الدستورية الشهر الماضي بشأن عدم دستورية البند 1 من المادة 34 من قانون حماية المنافسة المتعلقة بفرض «الجزاء المالي على الشخص المخالف بنسبة لا تتجاوز 10% من إجمالي الإيرادات التي حققها خلال السنة المالية السابقة»، لتعمّق أزمة صلاحيات وكفاءة جهاز حماية المنافسة الذي تعرض خلال سنوات ماضية للعديد من المصاعب والتقييد.

ولسنا في معرض مناقشة حكم المحكمة الدستورية أو التعليق عليه، إنما بصدد مراجعة ما ترتب على الحكم على واقع حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار في الكويت، خصوصاً أن جهاز حماية المنافسة تعرض منذ تأسيسه إلى مطبات وقيود قوّضت كفاءته وحدّت من صلاحياته أولها أن قانونه صدر العام 2007 وأنشئ الجهاز العام 2010 لكنه ظل جامداً بلا فعالية تذكر عقداً كاملاً تقريباً حتى العام 2020 عندما عدل مجلس الأمة وبموافقة حكومية القانون السابق بحيث ألغى النص الحاسم في تعريف السيطرة التي كانت تنص على أنها «وضع يتمكن من خلاله شخص أو مجموعة أشخاص تعمل معاً، بشكل مباشر أو غير مباشر، من التحكم في سوق المنتجات، بالاستحواذ على نسبة تجاوز 35 بالمئة من حجم السوق المعنية» واستبدل به نصاً مائعاً عرف السيطرة بأنها «العلاقة القانونية أو التعاقدية التي تؤدي بشكل منفصل أو مجتمع الى التأثير الحاسم» دون حتى تحديد نسبة السيطرة!

هيئات عديدة أسست لتنمية الاقتصاد وتحولت بسبب المحسوبيات وتعيينات المحاصصة وغياب الرؤية إلى أعباء على الدولة وأجهزتها

تراكمات ومواكبة

ووسط هذه التراكمات المستمرة منذ 18 عاماً أصبح جهاز حماية المنافسة بعيداً عن الحد الأدنى في مواكبة الاتجاهات الخليجية أو العالمية في مكافحة الاحتكار أو العمليات الضارة بالمنافسة، فلا جواز بعد المحكمة الدستورية لفرض عقوبات وغرامات مالية على مخالفة القانون، ولا وضوح في ظل القانون المعدل في تحديد المسيطر بما يتيح اتخاذ إجراءات تمنع تركز شخص أو شركة أو مجموعة في قطاع معين، ناهيك عن أن السنوات العشر الضائعة من عمر الجهاز في بداياته أفقدته الكثير من الخبرات والمهنية والتأخير في معالجة الممارسات الاحتكارية.

اليوم تبرز مسؤولية مجلس الوزراء الذي يتولى بشكل استثنائي كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية في إصلاح أوضاع جهاز حماية المنافسة والقانون الذي ينظم أعماله لا سيما في سد الفراغ التشريعي الذي نتج عن الحكم بعدم دستورية البند 1 من المادة 34 من القانون الخاصة بالجزاء المالي عن الأعمال المخالفة، فلا قيمة لتوقيع مخالفات تجارية لا تتضمن جزاءات مالية أو عقوبات رادعة، كذلك تمتد مسؤولية مجلس الوزراء إلى إعادة فحص المفاهيم والتعريفات الخاصة بالقانون لاسيما ما يتعلق بتعريف المسيطر بحيث يكون أكثر وضوحاً وصرامة وتحديداً كي لا تكون التعريفات الملتبسة مجالاً للتهرب أو مظلة لممارسات ضارة لا تكبحها مواد غير فاعلة.

مكافحة الاحتكار تعطي معالجات اقتصادية أعمق كالحد من التضخم ورفع الجودة وإتاحة فرص استثمارية ووظيفية

مساهمة أعمق

ولعل أوضاع جهاز حماية المنافسة في الكويت وما تعرض له من مصاعب تفسر لنا العديد من المظاهر الاحتكارية الضارة بالمستهلكين في البلاد سواء كانت علنية كتركّز سلع بعينها عن وكلاء وموردين محددين أو خفية كاستغلال أملاك الدولة عبر الإيجار بالباطن أو حصول موزعين ووكلاء على امتيازات من الدولة بما يمنع دخول المنافسين الجدد مع الأخذ بعين الاعتبار أن مكافحة الاحتكار ومنع الممارسة الضارة بالمنافسة لا ترتبط فقط بحماية المستهلكين إنما أيضاً بإصلاح الاقتصاد على نطاق أوسع... فرفع كفاءة جهاز حماية المنافسة وجعله فاعلاً سيسهم في معالجة أعمق كالتضخم ورفع جودة السلع والخدمات وأيضاً إتاحة السوق لفرص استثمارية ووظيفية.

مجلس الوزراء لا يستهدف رفع كفاءة الهيئات إنما فقط خفض مصروفاتها

اتجاه معاكس

ومع أن الفرضيات السليمة تبدو واضحة إلا أن واقع حال الإدارة العامة في الكويت يبدو في اتجاه معاكس أكثر وضوحاً، فجهاز حماية المنافسة مثله مثل أجهزة وهيئات عديدة أسستها الحكومة لرفع كفاءة الاقتصاد وتحولت بسبب المحسوبيات وتعيينات المحاصصة وغياب الرؤية إلى أعباء على الدولة وأجهزتها وهو أمر ينسحب على هيئات الطرق والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والشراكة والاستثمار الأجنبي المباشر والفني لمشاريع التخصيص وغيرها وحتى إمكانية معالجة أوضاع هذه الحكومة الموازية لا تسير في اتجاه يشجع على التفاؤل، فجلّ ما يستهدفه مجلس الوزراء في معالجته - كما ورد في دراسة وزارة المالية بشأن دمج الهيئات الحكومية المتشابهة هو خفض ضئيل في المصروفات المالية دون رفع كفاءة التشغيل أو مهنية الأداء.

استيراد واحتكار

علّة التضخم في الكويت يمكن إرجاعها إلى سببين أساسيين أولهما غلبة الاستيراد لا سيما في السلع الغذائية والدوائية والاستهلاكية وبالتالي تحمل المستهلكين لتكاليف الشحن والنقل والتخزين وثانيهما الممارسات الاحتكارية المعلنة والخفية التي تضيف علاوة غير حقيقية على سعر أي سلعة أو خدمة، وكلا المسألتين أي الاستيراد والاحتكار يجب أن يحظى باهتمام ومعالجة الإدارة العامة، فإذا كان توطين الصناعة يحتاج إلى سياسات وآماد ليست قصيرة فالواجب ألا يخل بالركن الثاني أي مكافحة الاحتكار الذي يتطلب إجراءات عاجلة أولها إحياء جهاز حماية المنافسة عبر سد الفراغ التشريعي بعد حكم الدستورية والتعديل المائع للقانون ناهيك عن رفع كفاءة الجهاز ومهنيته وفاعليته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق