خزائن سوريا فارغة.. من سيدفع «الراتب الأول»؟

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يترك نظام الأسد سوريةدولة متهاوية على صعيد البنى التحتية فحسب، بل انسحب النهج نفسه على خزائن الحكومة، إذ فرّ من البلاد تاركًا وراءه خزينة فارغة وبلدًا دون أي موارد، مما يطرح تساؤلًا بشأن آلية تمويل الإدارة الحالية للزيادة الكبيرة في رواتب موظفي القطاع العام.

وفي حين تتجه الأنظار الآن إلى الراتب الأول الذي سيستلمه المواطنون في «سوريةالجديدة»، تُثار تساؤلات عن القواعد المالية التي ستستند إليها الإدارة الجديدة لتحقيق ذلك والطريقة التي ستعتمدها لتأمين 120 مليون دولار شهريًا، وهي قيمة الزيادة التي وُعد بها الموظفون وتم تحديدها بنسبة 400%.

كما تُثار تساؤلات بشأن التحديات التي ستواجه الإدارة الجديدة على صعيد تسيير قطاعات ومجالات أخرى في البلاد، وهي التي تفتقد منذ سنوات مقومات فعلية ومتواصلة من الداخل والخارج.

«الوضع في سوريةعلى الصعيد المالي والاقتصادي كارثي، ويتطلب استراتيجية شاملة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتمويلها»، يقول الباحث السوري في مركز «عمران للدراسات الاستراتيجية»، مناف قومان.

ويحتاج الوضع القائم في سوريةأيضًا إلى مزيج من الإصلاحات الاقتصادية العميقة، واستغلال الموارد الطبيعية بكفاءة، واستقطاب الدعم الدولي، مع ضرورة تحسين الشفافية والحد من الفساد في كافة المؤسسات، وفقًا للباحث ذاته.

تعادل قيمة الراتب الشهري للموظف في سورية حوالي 20 دولاراً، بينما يحتاج إلى أكثر من 150 دولارًا لتغطية احتياجاته الغذائية، وهو ما رصده مراسل موقع «الحرة» خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق.

أكثر من خمسة مواطنين في العاصمة السورية أكدوا لنا أن الراتب الشهري الذي كانت تمنحه «حكومة نظام الأسد المخلوع» لم يكن يكفي لتسيير الأمور المعيشية لأكثر من خمسة أيام فقط، لذلك كانوا يعتمدون على الحوالات المالية التي يرسلها الأقارب في الخارج.

في أثناء حكم نظام الأسد، لم تُعرف الآلية التي كانت تتم بموجبها عملية تمويل الرواتب الشهرية للموظفين، سواء في القطاع العام أو الخاص، وكذلك الأمر بالنسبة لمؤسسته العسكرية.

وكان الرئيس المخلوع يصدر مراسيم رئاسية بين عام وآخر يُعلن فيها زيادات، لكنها كانت دائمًا تبقى في «إطار خُلَّبي»، خاصة عند قياسها بسعر صرف الدولار أمام الليرة ومعدلات التضخم في البلاد.

وفي الوقت الحالي، يستبعد مدير البرنامج السوري في «مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية»، كرم شعار، أن «تتم الزيادة في الرواتب بشكل فوري وسريع».

ويربط تحليله في حديثه لموقع «الحرة» بمشكلة «الترهل الإداري الذي تعمل الإدارة الجديدة على تبديده».

وكان وزير المالية في الحكومة الانتقالية، محمد أبا زيد، قد أشار قبل أيام إلى أن «ربع الموظفين يتقاضون رواتب دون أن يعملوا»، واصفًا هؤلاء بفئة «الموظفين الأشباح».

ويضيف: «ولذلك أعتقد أن الرواتب لن تزداد حتى تُحل هذه المشكلة».

لكن الباحث ذاته، وفي المقابل، يرى أن «الدولة السورية لن تكون قادرة على تمويل الزيادة في الرواتب بناءً على مواردها الداخلية دون أن تكون هذه العملية تضخمية».

«هي لا تملك موارد من الليرة السورية مكافئة من القطع الأجنبي»، وعلى هذا الأساس يتوقع أن يكون الاعتماد في التمويل على «دول داعمة مثل قطر».

بالتوازي مع حديث شعار لـ«الحرة»، ليلة الثلاثاء، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول أميركي ودبلوماسي كبير قوله إن «قطر تخطط للمساعدة في تمويل زيادة ضخمة في أجور القطاع العام بسورية».

وبنى المسؤول سياق حديثه على الإعفاء من العقوبات الأميركية الذي أصدرته واشنطن يوم الاثنين، والذي يسمح بالتعامل مع المؤسسات الحاكمة في سوريةلمدة ستة أشهر.

كما قال مسؤول عربي آخر للوكالة إن المحادثات بشأن تمويل قطر لرواتب الحكومة السورية جارية ولم يتم الانتهاء من شيء بعد، مضيفًا أن دولًا أخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، قد تنضم إلى هذه الجهود.

وتشير تصريحات وزير المالية السوري حتى الآن إلى وجود «مساعدات مالية خارجية، وخطوات لإعادة الأموال المنهوبة والمحجوزة في الخارج، وإعادة ضبط الضرائب، مع تقليص الفساد».

يعتقد الباحث السوري قومان أن نجاح هذه الخطوات «مرهون بمساعدة العالم لسوريةعلى تجاوز هذه المرحلة الصعبة»، و«بتقليص نفقات الأمن والعسكر لتحويل الأموال إلى الرواتب».

ومن ناحية أخرى، يوضح الباحث أن «طباعة النقود، وعلى الرغم من كونه حلًا سريعًا، إلا أنه خطير، وقد يؤدي إلى تضخم مفرط إذا لم يقترن بزيادة الإنتاج».

خيارات أخرى قد تكون متاحة أمام الإدارة الجديدة، منها الاستناد إلى موارد معينة مثل الدعم الدولي عبر الاعتماد على مساعدات أو منح دولية مؤقتة لسد الفجوة المالية.

ويُضاف إليها خيارات من قبيل «الاستفادة من موارد النفط والغاز في مناطق قوات سوريةالديمقراطية إذا أُعيدت السيطرة عليها»، فضلًا عن «إشراك القطاع الخاص في تمويل الرواتب مؤقتًا من خلال قروض أو شراكات»، بحسب الباحث السوري.

ويؤكد أن «الحالة في سوريةليست مثالية.. كل الحلول لها إيجابيات وسلبيات، وعلى الحكومة إنشاء توازن بينهما لاتخاذ القرار المناسب».

وتقول الأمم المتحدة إن 17 مليون سوري، بينهم 5.5 ملايين نازح داخل البلاد، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام، مقابل 15.3 مليونًا احتاجوا هذه المساعدات في عام 2023.

وبحسب النشرة السنوية لأسعار المستهلك الصادرة عن «المركز السوري لبحوث السياسات»، شهدت سوريةخلال عام 2023 تضخمًا جامحًا.

إذ زادت الأسعار بأكثر من 400 في المئة مقارنة بالأسعار في عام 2022، التي كانت مرتفعة بالأصل بنسبة 185 في المئة عمّا كانت عليه في عام 2021.

ورغم أن الزيادة في الرواتب ستعطي فسحة معيشية للكثير من السوريين في البلاد، إلا أنها قد تنطوي أيضًا على جانب سلبي.

يرتبط هذا الجانب السلبي، على الخصوص، بانعكاسات هذه الزيادة على مستويات التضخم في البلاد وأسعار المواد الغذائية التي ارتفعت، خلال الأيام الماضية، بحسب ما رصده مراسل موقع «الحرة».

ويرى الباحث الاقتصادي شعار أن «زيادة الرواتب تحمل محاذير».

ويوضح بالقول: «هذه الخطوة مطلوبة.. لكنني مؤمن بأن الرفع لن يكون دفعة واحدة لأن الأمر سينتج عنه استجابة المسعّرين في سورية، وستكون تضخمية جدًا أي رفع الأسعار».

ويجب أن تكون الزيادة بالتدريج، بحسب الباحث السوري، بحيث يُتاح للموظف في القطاع العام أن يحتفظ بالجزء الأكبر منها لنفسه، بعد احتساب قيمة التضخم.

التحديات في سوريةكثيرة، ويتصدرها الدمار الشامل في البنية التحتية ومؤسسات الدولة، والانخفاض الحاد في الإنتاج المحلي - الزراعة والصناعة والخدمات- ، ما يجعل إدارة الموارد صعبة ويعيق توفير إيرادات كافية، وفقًا لقومان.

ويشرح الباحث السوري أن «انهيار قيمة الليرة السورية يزيد الضغط على الإدارة الجديدة لصرف الرواتب بعملة محلية متدهورة».

ويشير إلى التحدي المتعلق بالعجز المالي والفساد، إذ اعتمد النظام المخلوع على الاقتراض الداخلي والخارجي، مما خلق عبئًا ماليًا. وفي ذات الوقت ضعفت السيطرة على الإيرادات العامة بسبب الفساد، مما جعل تمويل المؤسسات تحديًا أكبر.

أخبار ذات صلة

0 تعليق