اياً كان وضع النواب، لا يمكن لفئة صغيرة منهم ان تحتكر وجهات النظر، وتعمل على فرض ارادتها على البقية، فالمعارضة الحقيقية هي التي تعمل على تصويب المسارات، وليس فرض ارادتها.
اذ، خلال جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية تهاوش بعض النواب، وصدر منهم ما يعيبهم، ويعيب هذا الحدث الكبير الذي انتظره اللبنانيون طوال نحو سنتين ونصف السنة.
صحيح ان الطبيعي في الديمقراطيات ان يتساجل النواب في البرلمان، لكن ان يتفوهوا بالفاظ معيبة، وتخدش الحياء العام، فهذه ليست ديمقراطية، اذ ماذا تركوا للعامة؟
والسؤال اليوم: ان هذه المشكلات التي حدثت في البرلمان اللبناني هل تفيد الشعب، ألا يفهم هؤلاء ان بلادهم بحاجة الى الاستقرار، وانهم قدوة لشعبهم؟
صحيح انتهت الانتخابات بوجود رئيس للجمهورية، يعول عليه العالم العربي، ان يكون ذلك بداية لاستقرار لبنان، الا ان ما حدث في الجلسة يدل على ان بعض النواب، مع كل تقديري لهم، لا يدركون أن بلدهم يضيع من غير رئيس، وحكومة اصيلة، وان المناسبة لها من الضرورة ما يحتم عليهم ان يرتقوا الى مستوى الحدث التاريخي.
فإذا كان في قلب اي واحد منهم اي كلام ضد الثاني، كان عليه ان يحتفظ به لمناسبة اخرى، وليست في قاعة البرلمان، بل كان عليه ان يقف على منصة الصحافيين، او يتكلم في مجلس خاصة، ويتكلم كما ينبغي.
مقعد النائب ملك للشعب، فهو يمثل الامة جمعاء، كما ينص الدستور اللبناني، وليس ملكاً للشخص او تياره السياسي، فيجب ان يكون احترامه للشعب، ولقد حدد الدستور كيفية التخاطب بين النواب، رغم الحفاظ على الرأي والرأي الآخر، فهذا هو أساس الديمقراطية.
ما جرى في تلك الجلسة يسيء الى الديمقراطية اللبنانية، التي كانت مثالا للعرب في مرحلة من المراحل، لهذا إذا استمر البرلمان على هذا المنوال، فلن يكون هناك سوى الخراب، فيما المطلوب منه ان يبدأ العمل من اجل انهاض الاقتصاد المدمر جراء ممارسات نيابية وحكومية جلبت على الشعب الفقر، وافسحت في المجال كي يدخل العدو لبنان ويستبيحه، ويدمر القرى والمدن.
طوال السنوات الماضية كنت أراقب الوضع في لبنان، لانني احب هذا البلد، وشعبه، وعرفت المرض الذي ابتلي به، وهو طاقم سياسي لم يفكر يوما بمصالح شعبه وبلده، لهذا افسح في المجال ليكون الاغتيال الطريق لتصفية الحسابات، بدءا من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فيما استباحت قوى ظلامية البلاد، وخاضت الحروب على حساب الشعب اللبناني، الذي دفع الثمن باهظاً.
كل هذا دفع الى استباحة حدود لبنان، من كل الجهات، لان في زمن الفوضى لا احد يدافع عن حدودك، بل يستغلها كي يحقق اهدافه، فالاسرائيلي له اطماع في لبنان، وللاسف لم يكن هناك صوت عقل ينبه الى ذلك، بل هذا استقوى بالاسرائيلي، وذلك بالايراني، وثالث بالسوري، حتى اصبح لبنان اشبه بمزارع لكل دولة طائفتها، وحزبها الذي يدير حصتها.
في المقابل ترك الجيش وحده، من دون تسليح، كي يدافع باللحم الحي، بل اسوأ من ذلك، بدلا من ان يحمي الحدود، تحول الى شرطة في الداخل.
مصيبة العالم العربي في العنتريات الكلامية، خصوصا في البرلمانات، حيث يحاول النائب اثبات قوته الكلامية، وهذا ما حدث في لبنان، الذي حين اعتدت عليه اسرائيل لم تنظر الى قوة هذا النائب او ذاك الكلامية، ولا الى الدستور، انما الى مصالحها.
0 تعليق