لنضع الأمور في نصابها الصحيح، لم يكن من السهل إزالة نظام القمع والوحشية في سورية لولا إرادة السوريين أنفسهم، خصوصاً من آمنوا بهيئة تحرير الشام، التي أثبتت، من منذ اليوم الأول، أن فيها رجال دولة، على رأسهم أحمد الشرع، يقدمون مصلحة بلادهم على مصالحهم الخاصة.
لذا، لم يأتِ مؤتمر الرياض لدعم سورية من فراغ، إنما لأن الداعين إليه شعروا بأهمية مساعدة هذا البلد العربي بقوة للخروج من محنته، التي ابتلاه بها قادة عصابة بدعم من رأس الإرهاب النظام الإيراني، الذي رأى في سورية نقطة ارتكاز لمحوره الشرير.
خلاص سورية، وملء الفراغ في سدة الرئاسة اللبنانية بانتخاب الرئيس جوزاف عون، يشكلان حلقة أخرى من انكسار السيطرة الفارسية على أربع عواصم عربية، ونهاية القلق الذي شكلته رؤية قاصرة النظر، حكمها حلم تغيير الثقافة الاجتماعية، والسياسية، وحتى الدينية في العالم العربي.
صحيح أن التغيير كبير، وهناك صعوبات في إزالة أذرع الأخطبوط الشيطاني، لكن مع القيادات الجديدة في كل من سورية ولبنان والعراق، لن يكون ذلك مستحيلاً، خصوصاً أن الضلع الوحيد المتبقي هو عصابة الشياطين الحوثية التي تتحكم في مصير يمن الحكمة.
سألنا كثيراً، ونعيدها اليوم: ماذا استفادت شعوب تلك الدول من الهيمنة الفارسية عليها، ألم يتدمر قطاع غزة جراء التصاق بعض القوى الفلسطينية بمحور الشر الفارسي، فيما سقط إلى اليوم ما يزيد على 51 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وأصبح كل القطاع غير صالح للحياة؟
طوال نحو 44 عاماً، عمل النظام الفتنوي على ترسيخ الانقسام بين الشعوب من خلال زبانيته المأجورين في لبنان والعراق واليمن، وتوظيفه نظام البعث لخدمة مصالحه، فجلب على تلك الشعوب الويل والحصار والجوع والإفقار والموت.
لقد غاب الرشد عن قادة هذا النظام حين دعموا فئة قليلة على الأكثرية في تلك الدول، وكان في منظورهم أن الأمر استتب لهم، ولن ينازعهم أحد في العواصم الأربع التي سيطروا عليها، بينما تناسوا أن الشعوب الحية مهما اشتد الظلم عليها لا بد أن تثور، وتقتلع الظالم مهما كان جبروته.
لقد بدأت سريعاً الهزات الارتدادية لزلزال سورية على بقية محور الشر المخدراتي، فتباشيرها بدأت في لبنان، مع هزيمة "حزب الشيطان"، فيما العراق بدأ يستعيد عافيته مع حكومة الرئيس محمد شياع السوداني، وهذا لا بد أن يكون في حسابات قادة الحوثي، الذين لا شك عليهم اليوم أن يتحسّسوا رقابهم، بعدما دمر "تحالف حارس الازدهار"، معظم قوتهم، وشدد العقوبات والحصار.
نعترف أن عصابة الحوثي شكلت طوال سنوات شوكة في خاصرة دول الخليج العربية، وكانوا ولا يزالون ينفذون الأجندة الإيرانية، وكأنهم عمي بصيرة لم يتعلموا من الدرسين اللبناني والسوري.
ما جرى في العامين الماضيين، خصوصاً في الأشهر الأخيرة، يدل على أن العالم العربي، مقبل على سلام واستقرار، وأن لا فئة مهما كانت قوتها العسكرية، وتعاظم قمعها، يمكنها أن تغير ثقافة المجتمع، والدليل أن الشعب السوري عاش طوال 54 عاماً في ظل أبشع أساليب الوحشية، لكنه لم يغير عقائده، وأخيراً ثار على النظام، لذا نقول للحوثيين: انظروا ماذا فعل نظام الملالي بالشعوب، وكيف ثارت عليه، واعتبروا، قبل أن يأتي الدور عليكم، لأنه لن يكون لكم أي مكان في عالم عربي مستقر ومزدهر.
0 تعليق