السنوات الأربع المقبلة: اختبار دقيق للصمود العالمي

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

العالم يقف على حافة اللا يقين، بينما يستعد دونالد ترامب للعودة إلى المكتب البيضاوي في العشرين من يناير الجاري.

خطابه، الذي غالباً ما يكون استفزازياً، انتقل من القومية الاقتصادية إلى ما يراه العديد من المحللين اليوم كأجندة توسعية مستترة.

في تصريحات حديثة، طرح ترامب فكرة ضم كندا، واستعادة السيطرة على قناة بنما، وتغيير اسم خليج المكسيك إلى "خليج أميركا"، وحتى الاستحواذ على غرينلاند.

هذه التصريحات تثير تساؤلات مقلقة: هل تشير إلى تحول أوسع، مشابه لتدخل إيلون ماسك الأخير في الانتخابات الألمانية، أو إعادة توجيه بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي نحو الولايات المتحدة، هل نحن بصدد عصر استعماري حديث أم مجرد نسخة أخرى من الصخب المحسوب لترامب؟

ادعاءات ترامب أنه كان بإمكانه حلّ النزاع الروسي- الأوكراني تسلّط الضوء على تناقض صارخ. فمن جهة، يقدم نفسه كصانع سلام، ومن جهة أخرى، تشير أفعاله وأقواله إلى ستراتيجيات قد تؤدي إلى تصعيد التوترات العالمية.

جدول أعماله في السياسة الخارجية يبدو وكأنه يتجاهل سيادة الدول، مما يثير القلق بين الحلفاء والخصوم على حدّ سواء. السنوات الأربع المقبلة ستكون اختباراً ليس فقط لمكانة أميركا، ولكن أيضاً لصمود المجتمع الدولي.

اقتراح ترامب بضم كندا قوبل بإدانة سريعة من القادة الكنديين، الذين اعتبروا الفكرة سخيفة ومسيئة. رئيس الوزراء جاستن ترودو رفض الفكرة بشكل قاطع، مشدداً على سيادة كندا الثابتة. وبالمثل، أثارت تعليقاته بشأن قناة بنما قلقاً في أميركا اللاتينية. القناة، التي تُعد شرياناً حيوياً للتجارة الدولية، تخضع للسيطرة البنمية منذ عام 1999، وأي اقتراح باستعادتها لن ينتهك فقط الاتفاقيات الدولية، بل قد يزعزع استقرار المنطقة.

تغيير اسم خليج المكسيك إلى "خليج أميركا" يعكس بشكل أكبر تجاهل ترامب للروابط التاريخية والثقافية.

يرى المسؤولون المكسيكيون، إلى جانب المجتمع اللاتيني الأوسع، هذا الخطاب كإهانة لهويتهم الوطنية، وربما تمهيداً لسياسات أكثر عدوانية.

هذه التصريحات مهدت الطريق لتوترات متزايدة في جميع أنحاء الأميركتين، حيث تستعد الدول لما قد يحدث لاحقاً.

اهتمام ترامب بغرينلاند عاد إلى السطح خلال خطبه الأخيرة، اذ أكد مجدداً أن الاستحواذ على غرينلاند هو مسألة أمن قومي. رفضت الدنمارك، التي تحكم غرينلاند، هذه الادعاءات وكررت تأكيدها على استقلال غرينلاند. وقد وصف المسؤولون الدنماركيون اقتراحات ترامب بأنها "إهانة سخيفة" لسيادتهم. التداعيات الجيوسياسية لمثل هذا الاستحواذ يمكن أن تغير ميزان القوى في القطب الشمالي، وهو منطقة حيوية للتجارة والأمن العالميين.

هذه الطموحات قد تأتي بنتائج عكسية، مما يهدد الأمن والمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة. من خلال استفزاز الحلفاء، وزعزعة استقرار المناطق الرئيسية، تخاطر سياسات ترامب بتقويض الشراكات الستراتيجية لأميركا، وكشف نقاط ضعفها. ماذا يمكننا أن نتوقع أكثر من إدارة ترامب؟

هذه الأسئلة تلوح في الأفق مع تشكيل أجندته للسياسة الخارجية.

بالنسبة للمنطقة العربية، قد تعني عودة ترامب تحديات متزايدة. تحتفظ الولايات المتحدة بقواعد عسكرية كبيرة في دول عربية رئيسية، وعشرات الآلاف من الجنود على الأرض.

هذه التواجد العسكري يمثل هيمنة ستراتيجية، لكنها أيضاً تجعل هذه الدول أهدافاً محتملة، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية.

تصريحات ترامب السابقة تزيد من حالة القلق. ففي مناسبات مختلفة، أشار إلى أن الدول العربية "مدينة" للولايات المتحدة بجزء من ثروتها كتعويض عن الحماية العسكرية.

والأشدّ إثارة للجدل، حين ألمح إلى أن القادة العرب يجب أن "يدفعوا"، مما يشير إلى أن المظلة الأمنية الأميركية لها ثمن. هذه التصريحات تثير تساؤلات حول نهجه تجاه الحلفاء، وما إذا كان النفوذ المالي سيصبح ركيزة أساسية لسياسته الخارجية.

تمتد تداعيات هذه التطورات إلى ما وراء العالم العربي. موقف ترامب العدائي تجاه كندا والدنمارك وبنما، يهدد بتوتر التحالفات طويلة الأمد.

رؤيته الجريئة يمكن أن تقوض المبادئ الأساسية للقانون الدولي والديبلوماسية. الدول ذات السيادة لن تقف مكتوفة الأيدي. سوف تردّ، ربما ديبلوماسياً، وربما اقتصادياً، أو بطرق قد تتصاعد إلى صراعات أوسع.

بالنسبة لأوروبا، المخاطر عالية. انتقادات ترامب لحلف الـ"ناتو" زعزعت بالفعل الدول الأعضاء. قد يؤدي تجاهله المحتمل للاتحاد الأوروبي، ككتلة متماسكة إلى تشجيع القوى المعادية، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في مشهد جيوسياسي هشّ بالفعل.

بينما يتعامل العالم مع هذه الشكوك، يبقى السؤال: هل ترامب جاد، أم أن هذا مجرد استعراض؟ بشكل أكثر خطورةً، هل يمكن أن تقود أفعاله العالم نحو حرب عالمية ثالثة؟

لقد شهدت فترته السابقة مزيجاً من الخطاب والعمل. انسحب من الاتفاقيات الدولية، وفرض تعريفات جمركية، وأعاد تعريف التحالفات. ومع ذلك، فإن بعض تهديداته الأكثر تصعيداً لم تتحقق.

إذا علمنا التاريخ شيئاً، فهو أخذ مثل هذه التهديدات بجدية. عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب هي السمة المميزة لديه، ويجب على المجتمع الدولي أن يستعد لجميع الاحتمالات. على العالم العربي، خصوصاً، إعادة تقييم تحالفاته الستراتيجية والاستعداد لتحول محتمل في السياسة الأميركية. هذا وقت للوحدة والصمود واليقظة.

السنوات الأربع المقبلة ستكون محورية. سوف تختبر ليس فقط صمود الدول، بل أيضاً مبادئ السيادة والتعاون الدولي. يجب على قادة العالم أن يقفوا بحزم، مستعدين للدفاع عن شعوبهم وأراضيهم ضد أي اعتداء.

هل يمكن أن يتماشى هذا مع تأثيرات عالمية أخرى، مثل دور إيلون ماسك المثير للجدل في ألمانيا، وإعادة تنظيم بريطانيا ستراتيجياً؟

ومع انكشاف أجندة ترامب، هناك أمر واحد مؤكد: هذا ليس وقتاً للتهاون، بل لاتخاذ إجراءات حاسمة وموحدة. التاريخ سيحكم علينا من خلال كيفية استجابتنا لهذه التهديدات الوشيكة.

رجل أعمال إماراتي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق