محكمة الوزراء: المصروفات السرية مال عام له حُرمة

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حبس طلال الخالد 14 سنة بسبب الاختلاس والكسب غير المشروع

  • المتهم احتفظ بالمصروفات الخاصة لنفسه وسعى إلى إخفائها وإضفاء المشروعية عليها
  • 318 عملية صرف مجهولة من بند المصروفات السرية في وزارة الداخلية
  • اشترى 13 مركبة فاخرة نقداً خلال فترة وجيزة لم يفصح عنها في "الذمة المالية"

جابر الحمود

قضت محكمة الوزراء برئاسة المستشار هاني الحمدان بحبس وزير الداخلية السابق الشيخ طلال الخالد 14 سنة عن تهمة اختلاسات مصروفات وزارتي الدفاع والداخلية، مع إلزامه برد نحو 10 ملايين دينار وتغريمه 20 مليون دينار.

وتضمن حكم هيئة المحكمة في القضية الاولى الخاصة بمصروفات وزارة الدفاع المتهم فيها الوزير السابق ووافد، بالحبس 7 سنوات للأول، وإلزامه برد مبلغ 500 ألف دينار وتغريمه مليون دينار وعزله من الوظيفة، كما أمرت بحبس المتهم الثاني 4 سنوات وتغريمه 294 ألف دينار وإبعاده عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة.

وقضت في القضية الثانية الخاصة بمصروفات وزارة الداخلية بالحبس 7 سنوات مع الشغل والنفاذ للشيخ طلال الخالد وألزمته برد مبلغ 9 ملايين دينار، وتغريمه 19 مليون دينار ومصادرة السيارات محل القضية.

وفي تفاصيل الحكم المتعلق بوزارة الدفاع، أكدت المحكمة أن المتهم استغل صفته الوظيفية السابقة كوزير للدفاع وكونه المسؤول الوحيد عن بند المصروفات الخاصة بتلك الوزارة والمسلم إليه كعهدة مالية فاختلس تسعة ملايين وخمسمائة واثنين وسبعين ألفا وثلاثمائة وتسعة وثلاثين دينارا، وذلك عن طريق إصدار أوامره للموظفين المختصين بوزارة الدفاع لصرف تلك المبالغ ليحتفظ بها لنفسه مدعيا صرفها لمصلحة الوزارة على خلاف الحقيقة وذلك بالمخالفة للإجراءات والشروط المعمول بها في هذا الشأن، وقد انصرفت نيته باعتباره حائزاً لتلك الأموال إلى التصرف فيها على اعتبار أنها مملوكة له بإنفاقها على أمور خاصة به، ومن ثم تكون جريمة اختلاس الأموال العامة محل التهمة الأولى المسندة له متحققة الأركان، وصح إسنادها إليه، كما أنه وحال علمه بأن تلك الأموال متحصلة من جريمة الاختلاس سالفة البيان قام بشراء 13 سيارة وهو عالم بأن تلك الأموال متحصل عليها من جريمة بقصد إخفاء وتمويه مصدر الأموال غير المشروع، إمعانا منه لإعادة إظهاره في صورة مال مشروع رغم علمه بأنه متحصل من جريمة اختلاس الأموال العامة، الأمر الذي يقطع باتجاه نية المتهم إلى إخفاء حقيقة هذه الأموال وتمويه مصدرها لإضفاء المشروعية عليها، وهو ما يحقق عناصر تهمة غسل الأموال وصحة إسنادها إليه.

زيادة غير مبررة

وأضافت المحكمة انه حقق زيادة في ثروته غير مبررة وهي حصيلة الأموال المختلسة محل تهمة الاختلاس في البند الأول حال كونه وزيرا للدفاع، إذ ثبت استغلاله لأعمال ونفوذ مركزه وحصوله على تلك الأموال نتيجة هذا الاستغلال، ودون أن يفصح عنها متعمدا تقديم إقراري الذمة المالية المؤرخين في 16 نوفمبر 2022، و9 مايو 2024. ناقصين أثناء شغله لمنصبه الوزاري وبعد تركه له وهو ما يوفر في حقه أركان تهمتي الكسب

غير المشروع وتقديم المتهم لإقراري الذمة المالية ناقصين على النحو الذي جرى عليه تقرير الاتهام.

وتابعت المحكمة انها لم تقتنع بما قرره بالتحقيقات وما أورده دفاعه من أن جل المبالغ المصروفة من بند المصروفات السرية كانت المصادر سرية وأمنية تصرف مباشرة من الوزير - المتهم - وعن طريق أحد الضباط، واستندا في ذلك إلى إيصالات مقدمة من الأخير للتدليل على صحة هذا الدفاع، لكن المحكمة وبعد إحاطتها بتلك الايصالات وما حوته من بيانات، تبين لها ان إجمالي ما صرف من الوزير المتهم بحسب ادعائه خلال الفترة من ابريل وحتى أغسطس 2023 يجاوز مبلغ مليوني دينار.

وثبت للمحكمة من صور إيصالات صرف أموال بند المصروفات الخاصة المقدمة من كل من مراقب قسم الصندوق بوزارة الدفاع، و مدير هيئة مكتب وزير الدفاع وعددها (32) إيصال تسليم المتهم الثاني مبلغ مالي مقداره 589,500 الف دينار من أموال بند المصروفات الخاصة ممهورة باسمه وتوقيعه بخانة المستلم.

كما ثبت للمحكمة من اطلاعها على اقرارات الذمة المالية الخاصة بالمتهم الأول الشيخ طلال الخالد والمقدمة منه للهيئة العامة لمكافحة الفساد. نزاهة - باعتباره من الخاضعين لأحكام القانون رقم 2 لسنة 2016 ولائحته التنفيذية وعددها اربعة إقرارات أنها جاءت خالية من ذكر أي عناصر لذمته المالية تفيد بوجود مصادر دخل أخرى له سوى دخله الذي يتقاضاه من الوظيفة العامة عن كل منصب حكومي كان يشغله، وكان

ذلك مناقضا لإقرار الذمة المالية الأخير والمقدم منه.

وأشارت المحكمة إلى أنه وفي واقعة اختلاسات الدفاع، فإنه ثبت للمحكمة من نموذج اعرف عميلك - الخاص بالمتهم الثاني (وافد) الصادر من أحد البنوك جاء فيه بأن مصدر دخله المفصح عنه لدى البنك هو راتبه المقدر بثلاثمائة دينار كونه يشغل وظيفة معقب معاملات في مجلس الوزراء، ومن مستخرج البيانات الشخصية الصادر من وزارة الداخلية الخاص بالمتهم الثاني بأنه يعمل بمجلس الوزراء بوظيفة معقب معاملات.

وانتهت المحكمة إلى تكامل العناصر القانونية للتهم المذكورة المسندة إلى المتهمين، حيث قام المتهم الأول مستغلا صفته الوظيفية السابقة كوزير للدفاع وكونه المسؤول الوحيد عن بند المصروفات الخاصة بتلك الوزارة والمسلم إليه كعهدة مالية باختلاس مبلغ مقداره 589,500 الف دينار كويتي منه، وذلك عن طريق إصدار أوامره للموظفين المختصين.

المُشرّع نظم أوجه صرف المصروفات السرية

المساءلة والعقاب واجبان حال إنفاق المال العام للمصالح والمنافع الشخصية

دفاع المتهم لم يقدم دليلاً معتبراً يحمل هذا الدفاع وتطمئن إليه المحكمة

مصادرة السيارات متحصلات جريمة غسل الأموال

المتهم أقر بملكيته لعدد ثلاثين سيارة بقيمة إجمالية تقدر بـ 964 ألف دينار

تضمن الحكم المتعلق بوزارة الداخلية أن المحكمة اطلعت على الإيصالات المقدمة وثبت لديها بالكشف الخاص بالسنة المالية (2022 - 2023) وجود (93) عملية صرف بمبالغ متفاوتة خلت من الصرف للمصادر السرية أو الأمنية، بينما تبين في كشف السنة المالية (2023-2024) وجود عدد (229) عملية صرف بمبالغ متفاوتة منها ثماني عمليات صرف وجهت لأفراد والباقي لمصادر سرية وأمنية، كما ثبت للمحكمة من تحريات جهاز أمن الدولة التكميلية أن جهاز الحاسب الآلي بمكتب الرائد بالوزارة يخلو من ثمة بيان خاص بصرف أموال بند المصروفات السرية.

وثبت للمحكمة من أصل معاملات المرور المقدمة من جهاز أمن الدولة شراء المتهم لعدد 13 مركبة تزامنت مع فترة توليه وزارة الداخلية وبعد فترة وجيزة من تركها، كما ثبت من صور معاملات الشراء الصادرة من وكالات ومكاتب السيارات شراء تلك المركبات الفاخرة نقدا.

الذمة المالية

وثبت للمحكمة من التحليل المالي المعد من الهيئة العامة لمكافحة الفساد لجنة الفحص (أ) - بشأن المتهم في القسم الثالث بند النتائج النهائية أن المتهم كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وقد أسفر التحليل المالي عن عدم مطابقة بعض بيانات عناصر الذمة المالية التي أفصح عنها الخاضع في إقرارات الذمة المالية لنتائج الاستعلام، وعدم إفصاحه عن ملكيته لعدد من المركبات والتي ثبتت ملكيته لها وذلك بالاستعلام المجرى من الهيئة خلال فترة تحرير إقرارات الذمة المالية، الأمر الذي يثير شبهة تقديم إقرار ذمة مالية ناقص أو غير صحيح.

وثبت المحكمة من اقرارات الذمة المالية الخاصة بالمتهم والمقدمة منه للهيئة العامة لمكافحة الفساد - نزاهة - باعتباره من الخاضعين لأحكام القانون رقم 2 لسنة 2016 ولائحته التنفيذية خلوها من الإقرار بشأن السيارات في بند المنقولات عدا الإقرار الأخير المقدم بعد الميعاد بتاريخ 2024/5/9 والذي أقر فيه المتهم بملكيته لعدد ثلاثين سيارة بقيمة إجمالية تقدر بمبلغ 964 ألف دينار.

أعمال السيادة

وجاء في الحكم أنه لا يجدي المتهم نفعا قوله في التحقيقات وما جاء بمعرض دفاعه أن الوقائع محل الاتهام لا يجب أن يتدخل فيها القضاء لكونها من أعمال السيادة، وأن المبالغ التي صرفت محل الاتهام مخصصة لأغراض الأمن القومي وسيادة دولة الكويت، وهي أمور سرية لا يجوز الإفصاح عنها تتعلق بمصلحة الدولة العليا وسيادتها وسلامة أراضيها، وذلك بعد أن اطمأنت المحكمة إلى أدلة الثبوت على النحو المتقدم وأن المتهم قد قام باختلاس الأموال محل الاتهام ولم يقم بصرفها في القنوات السليمة، كما أنه لا ينال من ذلك دفاع المتهم بعدم وجود تنظيم قانوني أو لائحي أو ثمة قرارات إدارية تضع آلية منضبطة تحكم صرف الأموال من بند المصروفات السرية لوزارة الداخلية، ووجود فراغ تشريعي متعمد بهذا الشأن نظرا لطبيعة أوجه إنفاق الأموال المخصصة لهذا البند على أمور تتعلق بالأمن القومي للبلاد ومصالحها العليا، فإن هذا الدفع في غير محله، ذلك أن المادة 80 من القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة قد نصت على أنه ( فيما يتعلق بمراجعة المصروفات السرية يكتفى في شأنها بإقرار يوقعه الوزير المختص كل ثلاثة أشهر يتضمن بيان قيمة المبلغ المصروف خلال هذه المدة من اعتماد المصروفات السرية المخصص لوزارته بالميزانية وشهادة بأن هذا المبلغ قد تم صرفه في حدود الاعتمادات المقررة وفي الأغراض التي خصصت من أجلها.... )، ويبين من ذلك أن المشرع نظم أوجه صرف المصروفات السرية بحيث تصرف في حدود الاعتمادات المقررة بالميزانية الخاصة بالوزارة وفي الأغراض التي خصصت من أجلها، فالمصروفات السرية ليست مالا مباحا، وإنما هي مال عام له حرمة، يلزم أن ينفق فيما خصص له تحقيقا للمصلحة العامة للجهة المخصص لها هذا الإنفاق، فإن حاد هذا الإنفاق عن الصراط وتمت استباحة المال العام ممن هو في عهدته وأؤتمن عليه تحقيقا المصالح و منافع شخصية وجبت المساءلة وحق العقاب، وهو ما تحقق في القضية الماثلة في حق المتهم.

أدلة غير معتبرة

وأضافت المحكمة أنه لا يقدح في ذلك ما أثاره دفاع المتهم من عدم جدية التحريات وباقي الدفوع الموضوعية ومنها أن السيارات محل الاتهام من متحصلات استثماراته العقارية وأمواله الخاصة وليس من أموال بند المصروفات الخاصة بوزارة الداخلية، ذلك فضلا عن أن دفاع المتهم لم يقدم دليلا معتبرا يحمل هذا الدفاع وتطمئن إليه المحكمة، فإنه من حق المحكمة أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب وأنها متى أخذت بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها طرحت جميع الاعتبارات التي ساقها لحملها على عدم الأخذ بها، وللمحكمة أن تعول على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة أخرى، طالما أنست فيها الصدق واطمأنت إليها وقدرت جديتها، وقد اطمأنت هذه المحكمة إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة على النحو المتقدم المؤيدة بتحريات المباحث وأقوال مجريها، ومما ثبت بمستندات الدعوى المرفقة، فإنها تلتفت عن دفاع المتهم بنفي الاتهام وإنكاره وتصوير الواقعة بصورة مغايرة للصورة التي اطمأنت إليها المحكمة، ولا يعدو ذلك إلا أن يكون دفاعا قصد به التشكيك في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة.

وحيث أنه وعما يثيره دفاع المتهم من باقي الدفوع الموضوعية سواء ما تعلق منها بتصوير الواقعة أو بنفي التهم المسندة إليه، أو بعدم توافر أركانها، أو المجادلة في تقدير الأدلة التي اقتنعت بها هذه المحكمة والأدلة التي أخذت بها المحكمة أو غيرها، فلا يعدو كل ما تقدم إلا أن يكون جدلا موضوعيا تلتفت عنه المحكمة.

ثبوت التهم

وبالبناء على ما تقدم، فإن المحكمة وبعد أن أحاطت بواقعة الدعوى وبأدلة الثبوت فيها، وعرضت لدفاع ودفوع المتهم على النحو السالف بيانه، فإنها تخلص إلى صحة إسناد جميع التهم المشار إليها للمتهم، ويكون ثبت لديها يقينا أن المتهم في الزمان والمكان المبينين بتقرير الاتهام اقترف الجرائم المسندة إليه الواردة بتقرير الاتهام ومن ثم تقضى بمجازاته بالمواد 1/2، 3، 9، 16 من القانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة والمواد 2 / أب، 27، 28، 1/40-2 من القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والمواد 2 1، 1/2-2، 2/22-3-4-6، 7، 48، 49 من القانون رقم لسنة 2016 في شأن إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية، وعملا بالمادة 1/172 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، مع إعمال المادة 84 من قانون الجزاء للارتباط بين التهم المسندة للمتهم لانطوائها على مشروع إجرامي واحد ومجازاته بعقوبة الجريمة الأشد وهي اختلاس الأموال العامة، وحيث أن مناط القضاء بعقوبة العزل في الحالات التي يجوز فيها ذلك قانونا، أن يكون المحكوم بعزله قد ارتكب الجريمة حال شغله للوظيفة، ولا أثر لاستمرار بقائه فيها حتى صدور الحكم أو إنهاء أو انتهاء خدمته الوظيفية، ذلك أن الفائدة من الحكم بهذه العقوبة بهذه الحالة الأخيرة هو أن يمنع من إعادة توظيفه المدة التي يقررها الحكم سواء كان العزل مؤقتا أو مطلقا، فإنه من المتعين تطبيق أحكام المادة 16 من القانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة بعزل المتهم من وظيفته،وحيث أنه ولما كانت من متحصلات جريمة غسل الأموال التي ارتكبها المتهم هي السيارات المنوه عنها سلفا، فإن المحكمة تقضي بمصادرتها عملا بالمادتين 2/28، 1/40 من القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق