صلاح والهلال والقوس والموت بلبنان على شكل باقة ورد

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لا أعلم أين سيؤدي بي هذا العنوان، بما أني لست كرويا. ولا أفهم في الرياضة قيد أنملة. لقد هادنت في صغري معلم الرياضة مفتول العضلات في المرحلة المتوسطة، وقرر أن أكون حكما في حصص الرياضة الخاصة بفصلي، بعد تلك الهدنة طبعا، حكما جاهلا بالتحكيم كبشار الأسد، رئيسا لا يفقه في الرئاسة، ولا في إدارة ربطة عنقه "الطويل". وقد هرب.

أحب النادي الأهلي الملكي ولا أتابعه ولا أعرف عنه شيئا سوى حبي له. أقدر الهلال بما أنه نادٍ يستحق أن يكون كيانا رياضيا وطنيا مشرفا. أحاول الابتعاد عن النصر، لأنه نادٍ مزعج، وجمهوره متذمر ويجيد فنون الشكوى، يشبه في إيران في السياسة، أقول يشبه، وإيران تعشق إشعال المواقد، ولا يتفوق عليها أحد في حفلات اللطم والنواح. والنصراويون كذلك، أقصد الجمهور النصراوي. سترك يا الله من هذه السطور.

فهمت أن نادي الهلال قدم عرضا للنجم محمد صلاح للانضمام لصفوفه. فتح باب التكهنات على مصراعيه في هذا الملف، ولاحقته كبريات صحف العالم.

تابعت في ليلة كتابة هذا المقال برنامج الصديق والحبيب بتال القوس. استوعبت بعضا من رؤوس الأقلام بخصوص استقطاب "مو صلاح" لأزرق الرياض. سمعت الأرقام الفلكية المقدمة له، أصبت بالذهول. والسؤال؛ هل تلك الأرقام جاءت لصلاح من خلال مفاوض أو رسالة وسيط؟ فحسب فهمي أن لا المفاوض ولا والوسيط يملكان تلك الأرقام، لأنها مرعبة، هل جاءته عبر صندوق بريد؟ الله أعلم.

سأغلق ملف الرياضة، وأتناول ملفا أفهمه ويفهمني. على ذكر صندوق البريد، تذكرت دولا أعرفها وتعرفني. أعي أن إسقاط مفهوم صندوق البريد على دولة، فذلك إهانة كبرى، لأنها ستفقد معنى الدولة الذي يفترض اكتمال الأركان. وانعكاس على الشعب. لأنه سيستشعر تدني القيمة الوطنية.

قد يرى أحد أن فكرتي هذا اليوم تفتقد الارتباط، غير صحيح، فالوهج الذي أشعل الوسط الرياضي السعودي يشبه أو يوازي وهج التحول الذي طرأ على لبنان، عقب انقلاب المعادلات وموازين القوى، ووجد نفسه أنه يجب عليه نزع رداءه القديم، مقابل حلته الجديدة التي جاءت له برئيس جمهورية، وطني قادم من صفحة بيضاء، مضادة للسوداء الحزبية، التي حولت لبنان في حقبة تاريخية إلى صندوق بريد، تتنازع على أرضه دول الإقليم والعالم بمجمله.

وجوزيف عون وهو الرئيس الذي أعنيه، لم يدخل قصر بعبدا الرئاسي لالتقاط الصور أو لتوزيع الابتسامات، لا بل لأجل لملمة دولة مفككة، وهذا أقل وصف لها، حتى لا أقول مخطوفة، من الداخل، ليتم تقديمها رهينة للخارج.

أتصور أن العالم بأسره استشعر ضرورة تحويل البوصلة في لبنان، من عابرة للقارات إلى وطنية، ما الدليل؟ زيارة الرئيس الفرسني إيمانويل ماكرون، الذي تجول في شوارع بيروت، وتناول صفيحة لحم بعجين، وبعضا من المأكولات اللبنانية، وبادل اللبنانيين الصور التذكارية، والأماني والتطلعات.

وفي جولة ماكرون رسائل تشبه تلك التي بعث بها يوما حين زار لبنان، وهبط في المطار، وتجاهل مسؤولي العهد القديم، وذهب لتناول العشاء مع الفنانة فيروز.

ما هي تلك الرسائل؟ أولها: إضفاء نوع من الطمأنينة على لبنان بعد إطلالة الرئيس الجديد. فهناك شريحة كبرى في الشارع اللبناني تؤمن بالحلول الفرنسية، لا سيما من الشريحة المسيحية.

ثانيا: منح البائسين تأكيدات أن الحضن الفرنسي قريب ولو ابتعد، لا سيما من يشعرون بحالة من اليأس، بسبب اللا دولة، والانفلات الأمني، وانتشار السلاح السائب، ووضع لبنان كرهينة بيد الخارج.

ثالثا: تثبيت النفوذ الفرنسي في لبنان، وهذه قد تكون رسالة موجهة للداخل تفيد بأن الرهانات الفرنسية التاريخية ما زالت باقية، لأنها في الأصل كانت محقة.

فالرأي العام الفرنسي في طبيعته يختلف على سبيل المثال عن الأمريكي، الذي لا يعارض فكرة البحث عن نفوذ لدولته في أي بقعة من هذا العالم الفسيح.

أعتقد أن لبنان الجديد سيعاني في قادم الأيام من محاولات عرقلة سياسية تستهدف تعطيل تشكيل حكومة نواف سلام، الذي جاء من خارج التركيبة الحزبية اللبنانية. وسيكون "الثنائي الشيعي" بطلا للتعطيل، تحت ذريعة أنه لم يتم استشارته في الاسم، وأن رئيس الحكومة المكلف تم فرضه فرضا، وهذا يستحيل قبوله.

وقولي هذا ليس تكهنا أو حديثا عابرا، بل مرتبط بعوامل أهمها أن حزب الله سيسعى لاستعادة اكتساب ما فقده في "العسكرة" بالسياسة. ماذا بعد؟ يمكن لي الاستدلال من خلال العودة للوراء قليلا، بقول محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله "من حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، وأي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها على الإطلاق". وأن يتحدث زعيم من زعماء الدم في لبنان عن العيش المشترك، فذلك مضحك، ومثير للاشمئزاز.

إن المخاض العسير القادم من لبنان بحاجة إلى مواجهته عبر التحام الشعب برأس الدولة، لقطع دابر التهديدات التي اعتاد عليها أبواق التطرف منذ عقود. فعشم اللبنانيون والعرب قاطبة بالرئيس الذي جاء لتقليم أظافر الإرهاب، وإعادة القنافذ لبيوتها. فلا هناك قنفذ شائك، وآخر أملس.

وإلا ستعود لبنان الجديدة لمربعها الأول، وتتحول لنار خامدة تحت الأقدام، وبلا جاذبية. وسيتفوق عليها وهج صلاح، ونادي الهلال الذي أشعل الدنيا. وحماسة بتال القوس. وعليها أن تتفرغ لتلقي الموت.. على شكل باقة ورد!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق