الإسكان بين الاستدامة والتيسير

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
شاركت مؤخرا بورقة مشتركة في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة WUF12 بعنوان "الإسكان الميسر: التحديات والسياسات". أكدت الورقة على المفهوم الشمولي للإسكان باعتباره ليس مجرد مكان يحمينا من العوامل الخارجية ويوفر لنا الخصوصية والأمان فحسب؛ بل هو نظام معيشي متكامل. إن قضية الإسكان ليست متعلقة بالمسكن بحد ذاته بل بالأسرة، هذه الأسرة التي تكافح وتنتقل من مكان إلى آخر من أجل الحصول على مسكن يتلاءم مع حدود القدرة الاقتصادية ويلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الاجتماعية.

في الشرق الأوسط، نشأت أغلب برامج الدعم السكني كردة فعل على انتشار الإسكان غير الرسمي والفقر والطلب على الإسكان. إن مفهوم الإسكان يتناول العديد من المتغيرات بما في ذلك توزيع المساكن وتكاليف الإيجار، وأنواع المساكن، وسياسات التمويل وقدرة الأسر على الاقتراض، وسياسات سوق الإسكان التي تتحكم في مستويات العرض والطلب. ومع ذلك، يظل دخل الأسر ومتوسط تكاليف الإسكان في المدن عاملا حاسما في أي دراسة متعلقة بالإسكان؛ إذ لا يمكن وضع حلول مجردة دون فهم التباين في سوق الإسكان.

إن الدراسات الحديثة في الإسكان تتناول أبعاد التيسير والاستدامة معا، فتوفير السكن لم يعد اليوم هدفا استراتيجيا بحد ذاته، ويبقى التحدي في تطوير البيئة السكنية المتكاملة بما فيها فرص عمل متكافئة وحق الوصول العادل للموارد. بعبارة أخرى، توفير مشاريع سكنية في أماكن شبه نائية وبعيدة عن مركز المدينة ولا توفر فرص عمل أو في مدن لا تعاني في الأصل من أزمة إسكان، هو بحد ذاته مضيعة للجهد والوقت. قد تسجل ملكية الإسكان نسبا عالية ولكنها في الوقت ذاته تعجز عن حل أزمة الإسكان لتعطي مؤشرا على ضعف السوق العقاري الإيجاري وزيادة الأعباء المالية لرسوم الرهن العقاري وتراكم الديون التي قد تمتد لعقود طويلة وترهق كاهل الأسر. وفي هذا المنطق، لم يعد عامل "ملكية المسكن" مؤشرا حاسما في قياس مدى فاعلية منظومة الإسكان؛ بل في مدى قدرة هذه المنظومة على خلق خيارات واسعة ومرنة للإسكان وسوق عقاري يستجيب للتنوع الاقتصادي والاجتماعي.

إن تلبية الطلب المستقبلي في الإسكان يتطلب تطوير سياسات تأخذ في الاعتبار التنوع الاجتماعي والاقتصادي للسكان في إطار متسق مع إدارة الأراضي والتشريعات الحضرية. وفي هذا الإطار يؤكد الهدف رقم 11.1 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة SDGs على "ضمان حصول الجميع على مساكن وخدمات أساسية ملائمة وآمنة وبأسعار معقولة، وتحسين الأحياء الفقيرة بحلول عام 2030". إن المفهوم الشمولي لتيسير الإسكان ينطوي على تحسين مستويات المعيشة من خلال دعم مبدأ "العيش الميسور". وينبغي لهذا المفهوم أن يأخذ في الاعتبار التكاليف غير المباشرة؛ فالسكن لمجرد السكن لن يكون كافيا في ظل ارتفاع تكاليف النقل، وتكاليف المرافق، والمعيشة والخدمات العامة.

تعمل المدن المستدامة على تطوير برامج الإسكان في إطار يراعي تحقيق الأهداف التنموية العليا والتوازن الإقليمي، وصولا لتضمين هذه البرامج في سياق الخطط الاستراتيجية للمدن. تضع المدن المستدامة لوائح لمنع المضاربة العقارية لضمان سوق إسكان عادلة وتراقب مخزون الإسكان في المدينة.

وأخيرا، تشجع المدن المستدامة المستثمرين على توفير بدائل إسكان اقتصادية واستغلال الأراضي الشاغرة داخل المدينة، من خلال التشريعات الحضرية العادلة، بما في ذلك دعم مبدأ النمو الذكي وتجديد الأحياء السكنية المتدهورة عمرانيا ودعم سياسات إعادة التوطين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق