د. أحمد البوعينين: تحويل تراثنا إلى أداة معرفية لمواجهة التحديات
صلاح الدين خالد: مطلوب تحرك عاجل لتعزيز الجهود التعاونية
علي المعرفي: التحديات المعقدة تتطلب نهجًا متكاملًا
انطلق أمس المؤتمر الإقليمي «الذاكرة في التراث: تعزيز التعاون بشأن التراث الوثائقي في المنطقة العربية»، الذي تنظمه دار الوثائق القطرية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على مدى يومين بالدوحة. حضر افتتاح المؤتمر سعادة السيد إبراهيم بن علي المهندي وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وسعادة السيد عبدالله بن خليفة العطية رئيس مجلس أمناء دار الوثائق القطرية، وعدد من كبار الشخصيات، وعدد من أصحاب السعادة السفراء المعتمدين لدى الدولة، ونخبة من الخبراء الدوليين والإقليميين وصناع القرار وممثلي المكتبات الوطنية والمتاحف والأرشيفات من مختلف الدول العربية.
ويهدف المؤتمر إلى تعزيز التعاون الإقليمي لحماية التراث الوثائقي وضمان استدامته، مع تسليط الضوء على أهميته كذاكرة حيّة للأمم وهويتها الثقافية.
ويناقش المشاركون أبرز التحديات التي تهدد هذا التراث، بما في ذلك التغير المناخي، النزاعات الإقليمية، والتحديات التقنية، مع طرح حلول مبتكرة لتعزيز الجهود المشتركة.
وأكد الدكتور أحمد عبدالله البوعينين، الأمين العام لدار الوثائق القطرية، في الكلمة الافتتاحية أهمية المؤتمر كمنصة لتعزيز التعاون العربي والدولي في حماية التراث الوثائقي: التراث الوثائقي ليس مجرد وثائق محفوظة في الأرشيفات، بل هو سجل حيّ لهويتنا وتاريخنا، مشيرا إلى أن مسؤوليتنا اليوم ليست فقط الحفاظ عليه، بل تحويله إلى أداة معرفية تُسهم في مواجهة تحديات العصر، مع ضمان استدامته للأجيال القادمة».
وأضاف: «نحن في دار الوثائق القطرية ملتزمون باستخدام أحدث التقنيات الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي والرقمنة، لتحسين عمليات الأرشفة وحماية الوثائق من التلف. كما نسعى لأن نكون مركزًا رياديًا في التحول الرقمي للأرشيفات الوطنية والعربية».
وشدد على أهمية الشراكات مع المنظمات العالمية مثل اليونسكو وبرنامج «ذاكرة العالم»، والسعى لإعادة بناء ذاكرة الشعوب بما يتناسب مع التحديات المعاصرة. وقال «إننا نعمل على صياغة سياسات وأطر عمل إقليمية ودولية توحد الجهود وتزيد من قدرتنا على مواجهة هذه التحديات».
مواجهة التحديات
وعبّر سعادة السيد صلاح الدين زكي خالد ممثل منظمة اليونسكو لدول الخليج العربي واليمن ومدير مكتب اليونسكو في الدوحة، عن فخره بالمشاركة في هذا الحدث البارز الذي يجمع ممثلي مؤسسات التراث الوثائقي في المنطقة العربية، مشيرًا إلى أن المؤتمر يمثل فرصة مهمة لتعزيز الجهود المشتركة لحماية التراث الوثائقي وتثمينه على الصعيد الإقليمي والدولي.
وأكد سعادته أن حماية التراث الوثائقي العربي تمثل مهمة أساسية ليس فقط لتوثيق الماضي، بل أيضًا لبناء جسور تواصل بين الأجيال وتعزيز الحوار الثقافي العالمي، لافتا إلى ضعف تمثيل التراث الوثائقي العربي في سجل ذاكرة العالم الدولي، حيث يشكل فقط 5 % من إجمالي السجل، مما يستدعي ضرورة التحرك العاجل لتعزيز الجهود التعاونية وزيادة الوعي بأهمية هذا التراث.وقال ممثل منظمة اليونسكو لدول الخليج العربي واليمن ومدير مكتب اليونسكو في الدوحة، في تصريح لـ «العرب» على هامش المؤتمر، في إطار الجهود المستمرة للحفاظ على التراث الوثائقي العربي، تأتي هذه الشراكة في هذا المؤتمر بين منظمة اليونسكو ودار الوثائق القطرية كخطوة رائدة تهدف إلى إنشاء لجنة إقليمية عربية تُعنى بحماية التراث الوثائقي وتشجيع إدراجه في سجل ذاكرة العالم.وأوضح أن المؤتمر يهدف إلى أن يكون نقطة بداية لتعزيز العمل الجماعي بين الدول العربية، بما يضمن زيادة تمثيل العناصر العربية في ذاكرة العالم، إلى جانب الحفاظ على الوثائق باستخدام التكنولوجيا الحديثة. وأوضح أن دور اللجنة الإقليمية العربية المرتقبة هو العمل على تحقيق مجموعة من الأهداف المحورية، أبرزها: تعزيز التعاون وبإنشاء قنوات اتصال مباشرة بين الدول العربية لتبادل الخبرات والممارسات المثلى في مجال حماية الوثائق، تسليط الضوء على الخبرات المحلية.
معايير للحماية
وبدوره أكد السيد علي المعرفي، الأمين العام للجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، خلال كلمته، أن المؤتمر يشكل منصة هامة لتوحيد الجهود وتعزيز التعاون الإقليمي للحفاظ على التراث الوثائقي، الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية والتاريخية للشعوب العربية. موضحا أن هذا الحدث يعكس التزام دولة قطر بدعم الجهود الثقافية والتعليمية، إقليميًا ودوليًا، بما يسهم في توطيد الروابط بين شعوب المنطقة.وأضاف أن التحديات المعقدة التي تواجه التراث الوثائقي تتطلب نهجًا متكاملًا يقوم على تعزيز التعاون الإقليمي، وتبادل الخبرات، وتطوير آليات مبتكرة لضمان حماية هذا الإرث واستدامته. كما نوّه بدور اللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم في دعم هذه الجهود وأنها ملتزمة بتعزيز الشراكات مع الهيئات الإقليمية والدولية لضمان حماية هذا الإرث للأجيال القادمة.
تحديات وحلول.. ولجنة إقليمية
شهد اليوم الأول من المؤتمر جلسات حوارية مكثفة تناولت قضايا محورية في مجال حماية التراث الوثائقي، حيث ركزت على أبرز التحديات التي تواجهه والحلول الممكنة لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي.
الجلسة الأولى بعنوان «حالة التراث الوثائقي في المنطقة العربية»، قدم خلالها السيد فاكسون باندا، رئيس وحدة التراث الوثائقي في اليونسكو، عرضًا عن التحديات التي تواجه التراث الوثائقي العربي، مثل ضعف التمثيل العربي في السجل الدولي لبرنامج «ذاكرة العالم». وأكد باندا على ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي لتوثيق التراث وإبرازه عالمياً.
ودعت جلسة “مخاطر تغير المناخ على التراث الوثائقي” إلى تبني إستراتيجيات إقليمية لتحسين ظروف الحفظ وتعزيز الرقمنة. حيث تم استعراض أهم التحديات المناخية في كل دولة وأثر ذلك على التراث الوثائقي.
أما الجلسة الثالثة، فقد ركزت على “حماية التراث الوثائقي في مناطق النزاع”. شارك فيها متحدثون من فلسطين ولبنان والسودان والعراق، حيث عرضوا تجاربهم في توثيق وحماية الوثائق التاريخية خلال النزاعات.
واختتم اليوم الأول بجلسة حول «أهمية الرقمنة في حماية التراث الوثائقي”، استعرض فيها الدكتور الوليد خالد الكعجة من مكتبة قطر الوطنية تجارب المكتبة في رقمنة الوثائق وضمان الوصول إليها.
ويشهد المؤتمر اليوم الأربعاء، جلسات موسعة تركز على تأسيس لجنة إقليمية لبرنامج “ذاكرة العالم” بهدف تعزيز التمثيل العربي في السجل الدولي.
ويختتم المؤتمر باعتماد التوصيات النهائية التي تسعى إلى وضع رؤية مستقبلية لضمان استدامة التراث الوثائقي وحمايته من التحديات، مع تعزيز التعاون الإقليمي والدولي.
خبيران لــ «العرب»: جهود قطرية كبيرة لصون التراث
أشاد خبيران في التراث بجهود المؤسسات الثقافية القطرية في الحفاظ على الموروث الثقافي على المستوى العربي.
وأكدا في تصريحات لـ «العرب» أن هذه الجهود تعزز استدامة هذا التراث وإغناء الباحثين المعنيين بالتراث بالمواد الأرشيفية التي تعزز البحوث العلمية المختصة بهذا الجانب.
وأوضح السيد محمد سعيد البلوشي، خبير التراث في وزارة الثقافة، أن دولة قطر تولي أهمية كبيرة لتعزيز التواصل الثقافي وحفظ التراث من خلال توقيع اتفاقيات تعاون ثقافي مع العديد من الدول، سواء العربية أو الصديقة، مشيرا إلى أن هذا المؤتمر يمثل ذاكرة للتراث العربي، وفقا لبرنامج ذاكرة العالم في اليونسكو والتي دعت إلى أن تمتلك كل دولة لجنة وطنية تُعنى بحفظ التراث.
وأضاف أن المؤتمر يتيح للدول المشاركة تقديم أوراق عمل تسلط الضوء على تجاربها المختلفة، بما يشمل التحديات التي تواجهها مثل تغير المناخ، الرطوبة، الآفات، والترميم، إضافة إلى الجوانب المالية المتعلقة بحفظ الوثائق. واعتبر أن تبادل هذه التجارب يساهم في تجنب المشكلات وتعزيز الكفاءة في إدارة التراث الوثائقي. وأكد البلوشي أن التوصيات الصادرة عن المؤتمر ستكون نقطة انطلاق لتحديد الخطوات المستقبلية التي تهدف إلى تحقيق الأهداف المرجوة، مشددًا على أهمية التعاون الإقليمي من خلال اللجنة العربية المرتقبة لتعزيز الجهود المشتركة في الحفاظ على التراث الوثائقي العربي.
وأكد الدكتور عبدالعزيز مسلم مدير معهد الشارقة للتراث في الامارات العربية المتحدة أهمية المؤتمر الإقليمي ودور اللجنة في تعزيز التراث الثقافي العربي، مشيرًا إلى أنه يمثل فرصة استثنائية لتعزيز الجهود المبذولة في الحفاظ على التراث الثقافي العربي.
وقال إن المؤتمر يُعقد برعاية دار الوثائق القطرية، التي تمتلك مجموعة كبيرة من الوثائق المهمة، وأن قطر سبقت دولًا عربية أخرى في إتاحة الوثائق إلكترونيًا بجودة عالية، مما يتيح للباحثين العرب حرية أكبر لاستكشاف المعلومات.
وحول تأسيس لجنة إقليمية لحفظ التراث العربي المنبثقة عن هذا المؤتمر، قال الدكتور مسلم: “أنا متفائل بهذه الخطوة، وأتمنى أن تنجح ولا تواجه نفس المصير الذي واجهته لجان أخرى انتهت قبل أن تبدأ. نجاح هذه اللجنة يتطلب دعمًا حقيقيًا من جهات محددة لتستمر وتحقق أهدافها.
معرض يبرز كنوزاً ثقافية
رافق المؤتمر معرض متميز يعكس جمال وغنى التراث الوثائقي العربي، ويضم المعرض مجموعة من المخطوطات والصور والوثائق التي تسلط الضوء على تاريخ المنطقة. وأتاح المعرض للحضور فرصة لاستكشاف مراحل تاريخية مهمة من خلال هذه الكنوز الثقافية.
0 تعليق