قصص قصيرة

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ثقافة وفنون

2

07 فبراير 2025 , 07:00ص
alsharq

      ■ قصة/ حلم يتحقق

❖ نور سيف الجفالي/ كلية طب وايل كورنيل قطر

- الفصل الأول: حلم يبدأ بالتحليق

كانت “مابلوود” بلدة صغيرة وهادئة، تقع وسط تلال متموجة وغابات كثيفة، سكانها يعرفون بعضهم البعض، وكان الهواء هناك يحمل سكونًا لا يخلو من الغموض. بالنسبة لمعظم طلاب مدرسة “مابلوود” الثانوية، كان اليوم الأول من السنة الأخيرة فرصة للقاء الأصدقاء بعد عطلة صيفية طويلة، والبدء في الاستعداد للمرحلة الثانوية. الممرات امتلأت بأحاديث الطلاب؛ الفتيات يتباهين بأزيائهن، والأولاد يعدّلون تسريحات شعرهم الجديدة، فكانت السنة الأخيرة فرصة لصنع الذكريات وترسيخ مكانتهم الاجتماعية. ولكن “مايا لوسون” كانت مختلفة.

لم تنشغل “مايا” بالأحاديث المعتادة أو النقاش حول الأزياء والشائعات، إذ كان عقلها مشغولًا بالكتب الدراسية، والأدوات المخبرية، وأحلامها المستقبلية بأن تصبح طبيبة.

وُلد هذا الحلم من أعماق ألمها الشخصي، عندما كانت “مايا” في الثالثة عشرة من عمرها، تم تشخيص جدتها بورم خبيث في الدماغ، فكانت تلك الكلمة—“خبيث”—بمثابة ناقوس موت. حاولت العائلة التمسك بالأمل، لكن الجراحة فشلت، وسقطت الجدة في غيبوبة دائمة، تاركة “مايا” تعيش تجربة الفقد.

خلال تلك الفترة، كانت “مايا” تقضي ساعات بجانب سرير جدتها في المستشفى، متسائلة كيف يمكن للطب أن يفشل بهذا الشكل. تلك التجربة أشعلت في قلبها شغفًا لفهم علم الدماغ وإنقاذ الأرواح. في ذلك اليوم الأول من سنتها الأخيرة، كانت “مايا” تعرف جيدًا أن كل قرار تتخذه، وكل ساعة تقضيها في الدراسة، ستقرّبها أكثر من حلمها.

- الفصل الثاني: في الظلال

ظاهريًا، بدت “مايا” واثقة، لكن الواقع كان أكثر تعقيدًا، فمع مرور الأسابيع، بدأت تلاحظ ردود فعل زملائها، في البداية، كانت مجرد همسات متقطعة تتوقف عند مرورها، لكنها تحولت إلى شائعات تطاردها دائماً.

قال البعض إنها تحاول التباهي، وأنها ترى نفسها أفضل من الجميع، فيما اتهمها آخرون بالغش للحصول على الدرجات العالية، ولم يكن الأمر يتوقف عند الشائعات فقط؛ بل تجنبتها بعض صديقاتها، وتوقفت الدعوات للقاءات الاجتماعية.

بمرور الوقت، بدأت “مايا” تشعر بالعزلة، فكانت تقضي معظم وقتها في المكتبة، محاطة بالكتب، لكنها لم تعد قادرة على التركيز، حيث تراجعت درجاتها، وبدأ شغفها بالعلوم يخبو، فكانت مشاعر الوحدة والضغوط الاجتماعية تلتهمها.

لاحظ مستشار المدرسة، السيد “هندرسون”، التغيرات في أدائها، وفي أحد الأيام، استدعاها إلى مكتبه وقال: “مايا، ماذا يحدث معك؟ تبدين وكأنك تبتعدين عن حلمك.”

ردت “مايا” بصوت مرتجف: “لا أعرف… أحيانًا، أشعر أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء.”

ابتسم “هندرسون” وقال: “لا تستسلمي. لديك موهبة حقيقية، وعليك أن تواصلي الكفاح في أصعب الظروف.”

- الفصل الثالث: تغيير المسار

مع نهاية الفصل الدراسي الأول، اقتربت الامتحانات التجريبية، فهي التي ستحدد درجاتها التقديرية وتؤثر على قبولها الجامعي، فكانت “مايا” تشعر بضغط هائل، خاصة أن درجاتها السابقة لم تكن كما توقعت.

والدتها، التي كانت دائمًا داعمة لها، بدأت تقلق بشأن حالتها، وقالت لها ذات مساء: “مايا، لا يمكن أن تدعي كل شيء ينهار، لقد عملتِ بجد للوصول إلى هنا، ولا أريدك تستسلمين.”

لكن كلمات والدتها لم تكن كافية لإخراجها من حالتها، ففي إحدى محاضرات البرنامج الطبي الذي التحقت به، لاحظ “بارلو”، أحد الأساتذة، التغيير في حماستها، وبعد انتهاء المحاضرة، استدعاها وقال: أرى أنك لم تعودي تلك الطالبة المفعمة بالطموح، فالطريق الذي اخترتيه صعب، لكنه يستحق كل جهد، لا تدعي الشائعات والضغوط تسرق منكِ حلمك.”

كانت تلك الكلمات بمثابة نقطة تحول بالنسبة لـ”مايا”. أدركت أنها لا تسعى فقط لإثبات قدراتها، بل لأنها تؤمن بحلمها وتريد أن تصنع فرقًا في حياة الآخرين.

- الفصل الرابع: قفزة الإيمان

بإرادة متجددة، قررت “مايا” أن تستعيد شغفها وحبها للعلم، فعادت إلى الدراسة، متجاوزة الشائعات والمشاكل الاجتماعية، وعملت ليلًا ونهارًا استعدادًا للامتحانات، ليس فقط لتحسين درجاتها، بل لتثبت لنفسها قدرتها على تحقيق حلمها.

وعندما ظهرت النتائج، فتحت المغلف بأيدٍ مرتجفة، إذ كانت درجاتها جيدة بما يكفي لاستعادة ثقتها بنفسها، فاحتضنتها والدتها بفخر وقالت: “كنتُ أعلم أنك تستطيعين فعلها.”

ولأول مرة منذ فترة طويلة، شعرت “مايا” بأنها قادرة على مواجهة أي تحدٍّ.

- الفصل الخامس: الطريق الأقل ازدحامًا

بدأت “مايا” بإرسال طلبات التقديم إلى الجامعات، وبدأت مرحلة الانتظار الطويلة لقبولها، وفي أحد الأيام، تلقت بريدًا من الجامعة التي طالما حلمت بها، فتحت المغلف وقرأت الكلمات التي غيّرت حياتها: “نهنئك، مايا لوسون، تم قبولك في كلية الطب.”

غرقت عيناها بالدموع، لكنها أدركت أن هذا ليس سوى بداية الطريق.

لم يكن النجاح بالنسبة لها مجرد حصولها على المعطف الأبيض، بل كان في رحلتها التي علّمتها الصمود والإيمان بنفسها رغم كل الصعوبات.

أخبار ذات صلة

مساحة إعلانية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق