- «صهوات الخيول» عنوان استلهمته من تفاخر العرب... ودُرر العمالقة الذين حاورتهم
- توفيق الحكيم كان يُقدّم لي الشاي والقهوة واليانسون لإخفاء بُخْله
- الصحافة أخذت مني جهداً كبيراً وأعطتني محبة الناس وأصدقاء حقيقيين
- كنتُ وما زلتُ في الصف الأول بالدفاع عن المرأة الكويتية
عبّرت الكاتبة الروائية الصحافية والإعلامية القديرة الدكتورة فاطمة يوسف العلي، عن فخرها واعتزازها لكونها مازالت في الصفوف الأولى بالذود عن حقوق المرأة، مؤكدة أن «الكويتية تُشرّف». كما أشارت إلى أنها أول من كتب رواية تضيء على المساواة بين الرجل والمرأة في الكويت، وكانت بعنوان «وجوهٌ في الزحام».
العلي، تطرقت في حوار مع «الراي» إلى إصدارها الجديد «صهوات الخيول»، والذي ضمّ مجموعة من الحوارات الصحافية التي أجرتها طوال مشوارها، مع باقة من الأدباء والمثقفين والمفكرين، على غرار توفيق الحكيم ونزار قباني وإحسان عبدالقدوس، وغيرهم.
• نراكِ «بيتوتية» جداً ونادراً ما تغادرين المنزل، ما السبب؟
- لأنني كثيرة السفر، وحين أعود إلى بيتي أُفضّل الهدوء والسكينة والجلوس معظم الأوقات. فبالرغم من أن علاقاتي ودودة إلا أنها قليلة، إذ ليس لديّ شغف الانفتاح على الآخر، فأكثر أصدقائي الحاليين من سنوات الدراسة، وهم أصدقاء حقيقيون.
• هل ما زلتِ تحرصين على إطعام الطيور بيدك وريّ الأشجار في حديقة المنزل؟
- بالطبع. أهتم كثيراً بشجيرات التفاح والبرتقال والمانجو اللذيذة، بالإضافة إلى نخلة «البرحي» التي ورثتُها عن والدي «رحمه الله»، فقد كان حريصاً على الاهتمام بها يومياً. وقبل وفاته، طلب مني وإخوتي زراعة أشجار البرحي، كلٌ في بيته، ومنذ ذلك اليوم أصبح بيني وبين هذه الشجرة لغة حوار خاصة، وحب مُعلّق على جذوعها، ولذلك فإنها في كل عام، تُعطيني طرحاً جميلاً من الثمار اليانعة، فعلاقتي مع الزرع والطيور والطبيعة، متأصلة في نفسي منذ الصغر.
• وماذا عن علاقتك أيضاً مع المطبخ، فهناك من يقول إنك طاهية ماهرة؟
- الحمد لله. فقد تعلمت هذا الشيء في سنٍ مبكرة، ولذلك فإنني أجيد كل الطبخات وأصعبها، بالإضافة إلى صناعة الكيك والحلوى.
• ما الذي يجعل امرأة مثلك، مشغولة بكتاباتها وجولاتها وبعائلتها، أن تحرص على إعداد الطعام بنفسها؟
- لأنني أحب ممارسة الفن في المطبخ، وأحرص تماماً على الأكل الصحي، بعيداً عن الوجبات المشبعة بالدهون المهدرجة، والمعلبة، وغيرها.
• لندخل في صلب الموضوع، ونتحدّث عن إصدارك الأخير «صهوات الخيول»، الذي احتوى على حوارات كنتِ أجريتها في السابق مع عمالقة الأدب والثقافة والفنون... بداية ما المقصود بالعنوان؟
- استلهمته من تباهي العرب وتفاخرهم بخيولهم الأصيلة والنادرة، ولأن صهيلها فيه من الشموخ والأنفة والعظمة الشيء الكثير، ارتأيت أن أختار هذا العنوان، تعبيراً عن فخري واعتزازي بالفكر والكلام الدرر الذي قيل لي من بعض الكتّاب والمفكرين والقامات الذين أجريت معهم هذه المقابلات الصحافية وأخذت منهم الدروس والعِبر.
• مَنْ ساعدك في الوصول إلى هؤلاء العمالقة، مثل نزار قباني وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ وغيرهم، لعمل المقابلات الصحافية؟
- كان هناك صديق للإعلاميين والفنانين والمبدعين يُدعى وجدي الحكيم، إذ كان يحظى بعلاقة وثيقة بالإعلام الكويتي، وكان كثير الزيارة إلى الكويت، وهو صديق لي ولزوجي الكاتب صالح الشايجي، وكنتُ أستعين به عندما يستعصي عليّ الوصول إلى أحد الشعراء أو الكتّاب أو الفنانين.
عندما أجريت اللقاء الصحافي مع عبدالقدوس، كان الأخير للتو خارجاً من السجن، بسبب مقالاته وكتاباته التي تتعارض مع فكر ونهج الرئيس أنور السادات، فخلال خروجه كان يرفض اللقاء مع أي صحافي، بمن فيهم وجدي الحكيم، ولكنه خصّني بلقاء حصري، ومن بعدها أصبحنا صديقين، وأزوره مع زوجي في شقته بمنطقة الجبلاية التي كانت على النيل.
• في الحوار الذي جمعك بعبدالقدوس، نجحتِ في استخراج كل ما في نفس الضيف من آلام ومآسٍ كان سببها الزعيم الليبي معمر القذافي والملك فاروق «وفقاً لكلامه»... ألم تخشينَ من ردة الفعل من هاتين السلطتين إزاء فتح نوافذ كان يُفضّل أن تكون مغلقة؟
- لا أخاف من شيء، لأن أمانتي الصحافية تُحتّم عليّ طرح السؤال وأخذ الجواب، ومِنْ ثَم أقوم بتفريغ اللقاء وتسليمه إلى الصحيفة، وأترك حرية النشر من عدمه للرقابة الموجودة فيها.
• لاحظنا أسلوبك الحواري الفذ والمُعاصر وجرأتكِ في الطرح لاستخراج ما يختلج صدر الضيف من أسرار وخبايا، وذلك عبر الحوارات التي أجريتها مع هؤلاء العمالقة في كتاب «صهوات الخيول»، فهل كُنتِ سابقة لعصرك؟
- مِثلُ مَنْ، مِنَ الضيوف؟
• مثل توفيق الحكيم عندما سألته عن بخله الشديد، ألم يكن سؤالك له مستفزاً؟
- ضاحكة: كان لابد من توجيه هذا السؤال، لأنه معروف في بخله. وقد حاول أن ينفي هذه الصفة خلال لقائي به، إذ كان يقدم لي الشاي والقهوة واليانسون باستمرار وبلا توقف.
• ما الشخصية التي قابلتها وتأثرتِ بها؟
- في مصر، الفنان التشكيلي صلاح طاهر. فبمجرد دخولك لجريدة «الأهرام» تَشُدك لوحاته الفنية المُبهرة، والتي تُزيّن أيضاً جدران البنوك المصرية الكبيرة. هو فنان شمولي، كاتب ورسام ومفكر وفيلسوف. أما في الكويت، فتأثرت بصديقي الحميم أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت الدكتور فؤاد زكريا، إذ كنّا نتبادل الكتب ونلتقي دوماً في كل جلسة أدبية.
• «صهوات الخيول» يقع في 390 صفحة، فهل يعد هذا الكتاب موجزاً لمسيرتك الأدبية الطويلة؟
- بالقطع لا. فهناك الكثير من الحوارات التي لم يسعفني الوقت لتوثيقها، بالإضافة إلى بعض الشخصيات التي كنتُ أودّ اللقاء بها، ولكنهم فارقوا الحياة في حقبة السبعينات من القرن الماضي ولم تسنح لي الفرصة للقائهم. علماً بأنه لدي الكثير من المنجزات في الصحافة والقصة والرواية، فكلما حللت ضيفة على أحد البرامج التلفزيونية والإذاعية يطالبوني بتوثيق الحوارات التي أجريتها في مشواري الصحافي لأنها ثروة كبيرة، «بحسب قولهم»، وكنت دوماً أرجع عدم توثيقها إلى ما تتطلبه تلك المهمة من مجهودٍ مضنٍ، حتى التقيت رئيس تحرير جريدة «الراي» الأستاذ وليد الجاسم في آخر استضافة لي في برنامجه التلفزيوني، فتحدثنا في هذا الجانب، ومن بعده حدثتني صديقتي فاطمة ناعوت، التي تولت كتابة مقدمة الكتاب، والتي عرضت عليّ المساعدة وأصرّت على جمع أرشيفي الصحافي من صحف عربية عدة، منها «الأهرام» و«الأخبار» و«دار الهلال»، فصدحت «صهوات الخيول» لتعلن عن ظهورها.
• هل وجدتِ صعوبة في جمع هذا الجزء من أرشيفك الصحافي؟
- لا شك أن العمل على استعادة الأرشيف لم يكن سهلاً على الإطلاق، ولكنني وجدت التعاون من جميع الصحف التي تضمّ أرشيفاً ثرياً، مثل «الراي» و«القبس» و«السياسة»، وكنت محظوظة بالعثور على هذا الأرشيف عدا بعض الحوارات التي فُقدت، والشكر لرئيس تحرير القبس وليد النصف، لتعاونه معي في استعادة أرشيفي، بحكم أن أغلب كتاباتي كانت في هذه الصحيفة الغراء.
• ماذا أخذت منك الصحافة، وماذا أعطتك بالمقابل؟
- أخذت مني جهداً كبيراً، وأعطتني محبة الناس وأصدقاء حقيقيين. وللعلم ما زلتُ أحتفظ بالمسجلات القديمة التي كنتُ أُجري من خلالها الحوارات الصحافية.
• مِن أين لكِ كل هذه الثقافة والحسّ الأدبي والثراء اللغوي التي نراها في كتاباتك؟
- أنا قارئة نهمة منذ الصغر. ففي الشعر أقرأ لمجموعة شعراء منهم نزار قباني، وفي الأدب لطه حسين، ومحمد المنفلوطي، فضلاً عن قراءتي للأدب الأوروبي والأميركي، واللاتيني، مثل روايات أغاثا كريستي وإرنست همنغواي وفيكتور هوغو، والقائمة طويلة. هذه القراءات أعطتني حصانة وثروة لغوية، لأستند إليها في كتاباتي درءاً للإحراج، لا سيما خلال المحاضرات والندوات التي كنتُ ألقيها في بعض العواصم العربية والإسلامية والآسيوية والأوروبية، على غرار جامعات سيدني وطهران والهند والقاهرة وتونس والمغرب، وغيرها.
• ما النصيحة التي تودّ الأديبة فاطمة العلي توجيهها إلى الصحافيين والكتّاب الشباب؟
- في زماننا لم تكن موجودة مثل هذه الفرص المتاحة أمامكم الآن، من أجهزة حاسوب وتكنولوجيا متطورة تساعد الصحافي على كتابة أخباره ومقالاته. كانت لديّ آلة طابعة صغيرة، وهي عزيزة جداً عليّ، وما زلت أتذكر عندما اشتريتها من «سوق الغربللي» قبل أن أفقدها خلال الغزو العراقي الغاشم للكويت.
باختصار، أنصح الشباب أولاً بالتواضع وبالعمل الدؤوب، وتثقيف أنفسهم بالمزيد من القراءة والإطلاع.
• كيف تَصفين الحب في حياتك؟
- حب أبنائي لا ينازعه أي حب آخر، وكذلك حبي لزوجي الذي أعتبره صديقاً، وزميلاً أيضاً، إذ عملنا معاً في برامج إذاعية وتلفزيونية، وتشاركنا الكتابات الصحافية. الجميل في العمل مع زوجي هو أننا كنا نكتب البرامج ونقدمها عبر الإذاعة، وكان أسلوبه وحسّه الصحافي جميلاً جداً، فأقنعته بكتابة المقال. وبالفعل ذهبنا إلى «القبس» والتقينا مدير تحريرها وقتذاك الأستاذ رؤوف شعوري، وقلت له: «أقدم لكَ مشروع كاتب»، فعندما اختبره وافق عليه فوراً، وأصبح لدى زوجي عمود على الصفحة الأخيرة بعنوان «بلا قناع». أرى أنه من واجب المرأة أن تدعم زوجها في كل مجالات الحياة، وهو أيضاً كأستاذ لغة عربية كان يدعمني.
• هل عاشت الدكتورة فاطمة العلي، مراحل حياتها، الطفولة والصبا، كأي إنسان عادي، أم كنتِ مختلفة عن بنات جيلك؟
- لم تشغلني في السابق اهتمامات أبناء وبنات جيلي، إذ كان عقلي سابقاً لزماني. ففي ذاك الزمان، اشتغلت على قضايا المرأة وحقوق الإنسان من خلال جمعيات داخل الكويت وخارجها. وفي العام 1971 طرحتُ روايتي الأولى «وجوهٌ في الزحام» وكنت أول امرأة كويتية تكتب رواية، وهي تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة ودرء الفروقات بين الشباب والشابات، والحمد لله أن الرواية ذاع صيتها في الخليج والوطن العربي، وأنا أعتزّ بها كثيراً.
• هل يمكننا القول إنك أول من ناصر المرأة الكويتية؟
- لا. فقد سبقتني كل من لولوة القطامي ونورية السداني.
• نقصد روائياً وثقافياً.
- لقد كنت وما زلتُ في الصف الأول بالدفاع عن المرأة الكويتية في الصحافة، إذ تبنيت مثل هذه القضايا طوال مسيرتي، وأفتخر كوني حملت هذا الشيء في جميع المحافل.
• برأيك، هل أخذت المرأة حقها كاملاً في وقتنا الحالي؟
- بكل تأكيد، خصوصاً بعد دخولها البرلمان والسلك القضائي والعسكري، وإدارة المال والأعمال، وهي تستحق ذلك لأنها مثابرة وطموحة، وتعمل على تحقيق إبداعها لخدمة الوطن، والكويتية تُشرّف.
«جريدة الأهرام»
استذكرت العلي، سنوات الدراسة في جامعة القاهرة، وزياراتها المستمرة لجريدة الأهرام، مؤكدة أنها تدربت في تلك الفترة على العمل الصحافي، وعزّزت الثروة اللغوية على أيدي كبار الأساتذة والمثقفين، «ممن كانوا يرحبون بي بحفاوة بالغة، ولا سيما الكاتبين الكبيرين توفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس، إلى جانب (بنت الشاطئ) وكمال الملاخ، الذي كان من شدة تواضعه وبساطته يوصلني إلى (الأصنصير)».
«التواضع المفقود»
ذكرت الكاتبة القديرة أن التواضع أصبح مفقوداً في الوقت الحالي، «وبات الغرور والتكبّر والتعالي سمة من سمات بعض النجوم الشباب، إلا ما ندر. ولا ننكر أن هناك بعض الشباب المتواضعين، ولكنهم قلّة».
«مجموعة حيوات»
أكدت العلي أنها لم تَعِش حياة واحدة، بل مجموعة حيوات، كانت موزعة بين العمل الثقافي، والعلمي، والنسائي، والعائلة، «لذلك فأنا أحتاج في أغلب الأوقات إلى الراحة والجلوس في البيت».
«لا أبحث عن الألقاب»
فيما شددت على أنها لا تبحث عن الألقاب، وبأن أعمالها ورواياتها هي ما تمنحها اللقب، ذكرت العلي أن النجاح دائماً ما يجذب الحساد، و«قد كابدت الغيرة غير العفوية بكل صورها وأشكالها، ولكن برضا رب العالمين ودعوات الوالدين كان الله ينقذني في كل مرة».
«الجوائز والتكريمات»
لم تُخفِ الكاتبة القديرة خزينتها من الجوائز والتكريمات التي حصلت عليها طوال مشوارها، سواء في الرواية أو القصة القصيرة أوالعمل الإنساني، والنسائي بالتحديد.
واستدركت «لعلّ من أهم الجوائز التي أعتزّ بها، هي تلك التي منحتني إياها جامعة الدول العربية، وتسلمتها من أمينها العام وقتذاك عمرو موسى. فأنا محظوظة جداً، حيث إن الزمن أعطاني الفرص بأن أكون إعلامية وكاتبة وقاصة وباحثة جامعية، وكل ما تمنيته في حياتي قد تحقق».
«عهد هتلر»
خلال الحوار، قامت العلي بعرض مجموعة من الصور النادرة التي جمعتها بالعديد من الأسماء البارزة في مقابلات صحافية وسهرات تلفزيونية ومناسبات، منهم عبدالله الأنصاري وعبدالرزاق العدساني ومحمد الفايز، بالإضافة إلى «بنت الشاطئ» ونجيب محفوظ ونوال السعداوي ويونس بحري الذي يعد أحد السياسيين المحنكين في «عهد هتلر»، وكان يُدير إذاعة «صوت العرب» من ألمانيا، ويردد شعاره الدائم «هنا العرب»، وقالت إن «من صفاته أيضاً أنه تزوج بأكثر من 100 امرأة».
0 تعليق