تطرق متحدثون بمنتدى الجزيرة إلى ما خلفته الحرب على غزة من اثار مدمرة على مستوى الإنسان الفلسطيني وعلى بيئته عامة، والتي ستبقى شاهدة على جرائم الاحتلال وعلى سياسة الإبادة الجماعية التي انتهجها لأكثر من خمسة عشر شهرا. وتناولت الجلسة الرابعة من اليوم الأول للمنتدى، والتي حملت عنوان «الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة» دفع الفلسطينيين فاتورة الحرب بمفردهم تحت أنظار مجتمع دولي عاجز عن إغاثتهم، وأن ما ينتظرهم من تحديات سيفسح المجال لتدخل العديد من القوى وتداخل الكثير من الأدوار، ووضع القضية الفلسطينية بعد نهاية الحرب، وكيف سيكون وضع إسرائيل بعد فشلها في تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة وتغيير خريطة الشرق الأوسط؟
أدار الجلسة أحمد طه – المذيع بقناة الجزيرة مباشر، وتحدث خلالها أسامة حمدان، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، و لقاء مكي، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، ومحسن محمد صالح، مدير مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، وجوني منير، الصحفي والمحلل السياسي.
وقال أسامة حمدان: أعتقد بأنه فلسطينياً نشأت قناعة لدى الجانب الفلسطيني بإمكانية المبادرة والقدرة على التأثير وتحقيق الإنجاز، يوم السابع من أكتوبر كان انجازاً تاريخياً، نجحت مجموعة لا تتجاوز بضع مئات أقل من ربع المجموعة المتحصنة في مواقعها حول غزة من الجيش الإسرائيلي في تدمير وتفكيك فرقة غزة في جيش الاحتلال، والتي كان يتواجد في مواقعها يوم العملية قرابة أربعة الاف جندي إسرائيلي، وخلال 6 ساعات تم تفكيك هذه الفرقة بسلاح هو سلاح فردي وبسيط وكان نجاحاً مذهلاً، ما اعطى الفلسطيني الشعور بالقدرة على الإنجاز اذا ما تحرك مبادراً وبشكل سريع.
وأضاف: أعتقد أن القضية الفلسطينية ستكون في المرحلة القادمة أمام جملة من التحديات أهمها تحدي التقدم أو الانكفاء، وهذا سيؤثر فيه عدة عوامل، العامل الأول هو المشروع الوطني الفلسطيني وهل سنستعيد مشروعنا الوطني الفلسطيني التاريخي، فهو مشروع تحرير وعودة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني، أم مرحلة أخرى بمسار سياسي، فمنذ توقيع أوسلو لم يوفر لنا أي مكاسب بل كان متراكمة من الخسائر.
ونوه إلى الاحتلال الإسرائيلي يجتاح المخيمات الفلسطينية في الضفة ويدمر الأحياء هناك وينسفها كما كان يفعل في غزة، وأن هناك 40 ألف مهجر ونازح من المخيمات خلال الثلاثة شهور الأخيرة منذ بدء العملية العسكرية في الضفة، يجري طردهم بلا تعليق أو أي حديث عن هذه الجريمة، وأن الضفة مستهدفة والمشروع الوطني الفلسطيني ربما يكون في طور إعادة البناء واستعادة اصالته.
وتابع حمدان: فيما يتعلق بتحدي إعادة اعمار غزة، فهذا الاعمار سيكون التحدي فيه بين استخدام الاعمار كوسيلة للضغط على الفلسطينيين أو أن يكون اعمار غزة فرصة للمنطقة في بناء مسار يخدم المشروع الاستراتيجي وهو التحرير وإقامة الدولة، واعتقد أن هذا التحدي مسؤولية العرب فيه أساسية.
وأكد أن الموقف العربي يطرح سؤالا كبيرا بين القدرة على الصمود في وجه الضغوط، لا سيما الأمريكية، أو اللجوء لتسويات، وأن الانتصار في غزة يضعنا أمام فرصة وتحد للمنطقة، فرصة أن هزيمة إسرائيل أمر ممكن، وبالتالي تحقيق انجاز سياسي مبني على الانتصار العسكري أمر ممكن، ولكن التحدي هل هناك استعداد لخوض هذه المعركة والتعاطي معها بجدية وهذا سؤال كبير.
وأشار إلى فشل العدو الصهيوني، في تحقيق أهدافه وأن هذا إقرار إسرائيلي، فلا استطاع أن يهجر الشعب الفلسطيني أو أن ينهي المقاومة، ولم ينجح في نشر الفوضى، وقد كان ذلك أحد أهدافه في قطاع غزة، إضافة إلى الفشل العسكري، بانهيار فرقة كاملة، وأن هناك جيشا مرهقا يحتاج إلى إعادة بناء، وازمة ثقة وفق نظرية القتال الراهنة على تحقيق انجاز أو انتصار، معرباً عن اعتقاده بأن إسرائيل ستدخل في أزمة داخلية عميقة، وأن هذه الأزمة ليس سببها الصراع السياسي فقط وانما المعركة التي فجرت طبيعة التناقضات داخل هذا الكيان، ولم يعد الجيش محل ثقة.
لقاء مكي: إسرائيل ستعاود عدوانها على إيرانقال لقاء مكي إن الحرب بين إسرائيل وإيران وقعت بالفعل، وهناك قصف متبادل، وأن هناك حديثا عن هجوم إسرائيلي مرتقب خلال هذه الشهور بدعم أمريكي، وفق ما نشرته نيويورك تايمز ومعاريف، وأن الأمور متعلقة بالعلاقات بين إيران وإدارة ترامب.
وأضاف مكي: قبل يومين، استقبل ترامب رئيس الوزراء الهندي، وفي المؤتمر الصحفي قال انه تم الاتفاق على طريق عظيم للوصل بين الهند وإسرائيل وإيطاليا ثم أمريكا، وهو لم يعلن عن شيء، فهو مشروع قديم أعلن عنه بايدن في سبتمبر 2023 في قمة العشرين في مومباي، سمي لاحقاً الممر الكبير، وهو مشروع معروف كبديل لطريق الحرير.
وأشار إلى أن هذا المشروع اختفى مع 7 أكتوبر، ولكن القضية تتعلق بمشروع استراتيجي، وترامب يتبناه باعتباره مشروعه، ومثل هذه المشاريع، ونقل ميناء حيفا من ميناء محلي إلى ميناء دولي سيكون الأكبر في العالم يتطلب تأمين الطريق، وتأمين البيئة الأمنية المحيطة به من المشاريع الضخمة، وقد قال ترامب إن استثمارات كبيرة ستنثر فيه، فتأمين البيئة، حيث الشمال حزب الله، فقد تأمنت البيئة نسبياً من لبنان، وتأمينها من غزة والضفة، والضفة أقل لأنه لا يوجد بها بنى بنية تحتية للصواريخ التي تصل حيفا وتل ابيب مثل غزة، ومع بقاء حماس لا يزال هذا المشروع مهددا.
وأوضح أننا أمام رؤية للمنطقة بأنه يجب أن يعاد تشكيل الوضع الجيوسياسي فيها حتى تتحقق هذه الرؤية، فلا يمكن تحقيق هذه الرؤية ذات الطابع الاقتصادي، الا من خلال استيعاب الشعب الفلسطيني وليس تهجيره.
محسن صالح: يوجد تجاهل لطبيعة أرض فلسطين وقدسيتها
من جانبه أشار محسن صالح إلى التجاهل لطبيعة أرض فلسطين بقدسيتها وارتباط شعبها بها واستعدادهم للتجذر بها والتضحية من اجلها، وعدم التفريق بين القيم الإنسانية العليا كالحرية والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية وبين قيم السوق في البيع والشراء والاستملاك، وما يتعلق بذلك.
وقال صالح: هناك عدم ادراك أو تعمد عدم ادراك أو تجاهل أن الاحتلال الإسرائيلي لم يمتلك قطاع غزة أو يستطيع أن يتصرف به، فقد خاض 5 حروب مع حصار لمدة 17 عاما، ولم يستطع أن يسيطر على قطاع غزة فعلى أي أساس يستطيع أن يتملكه، وأن الشعب الفلسطيني تجذر في هذه الأرض على مدار الاف السنين، وفي الـ 77 سنة الماضية ظهرت مئات المشاريع للتهجير وكلها فشلت.
جوني منير: حرب مدمرة لاقتلاع الفلسطينيين من غزة
أشار جوني منير إلى أن كل الحروب لها أهداف استراتيجية كبيرة، وأن نتنياهو حددها بلقائه بايدن بتغيير وجه الشرق الأوسط، فالمشكلة ليست فقط محصورة، لا في غزة ولا لبنان، لافتاً إلى أن اسرائيل عندما بدأت الحرب المدمرة، لم يكن الهدف فقط تأمين واقع أمني للمستوطنات الإسرائيلية فقط، فكان هناك شيء له علاقة بطرد واقتلاع الفلسطينيين من غزة ولاحقاً التضييق عليهم في الضفة الغربية وطردهم.
وقال منير: اذكر هنا كلاما لإسحاق رابين، عندما قال «ليتني أنام في إحدى الليالي واستفيق لأجد غزة ابتلعها البحر»، والآن نفهم جيداً كيف كان يفكر العقل الإسرائيلي، فيريد طرد الفلسطينيين خارج غزة وخارج الضفة الغربية، وبرأيي الذهاب لأبعد من ذلك.
وأضاف: جرى تدمير كل شيء في غزة لجعل الحياة مستحيلة، لكن مقابل هذه الأفكار المجنونة، هناك نقاط أخرى إيجابية بإمكانية مواجهة هذا المشروع إذا احسنا التصرف، والنقطة الأولى تعود إلى الفلسطينيين أنفسهم، فتظهر الاحصائيات تمسك الفلسطينيين بأرضهم.
0 تعليق