لا أحد يمكنه أن يصادر على فرحة قطاعات واسعة من الشعب السوري برحيل نظام الأسد.. لكن يجب النظر بحذر إلي تحديات ما بعد بشار، لأن التحديات صعبة جداً وأكثر تعقيداً، خاصة أن هناك أصابع إقليمية ودولية تلعب في سوريا وكانت لها الذراع الطولى في إسقاط بشار ونظامه الذي استمر لسنوات طوال لتحقيق مآربها وأطماعها.
هنا يبقى التحدي الأصعب وهو الحفاظ على وحدة الدولة السورية، خاصة أنها تضم أطيافاً متنوعة من الأعراق والأقليات تطمح إلى الانفصال، بالإضافة إلى أن عودة المُهجرين وبناء الاقتصاد المنهار من أهم القضايا التي يجب أن تكون على رأس أولويات القيادة الجديدة.
ولا شك أن وضع مصلحة الشعب السوري كأولى الأولويات لن يتحقق إلا بتشكيل حكومة وحدة مدنية قادرة على تلبية مطالب وتطلعات السوريين.
في هذا السياق جاء الموقف المصري واضحاً تجاه ما يحدث في سوريا الشقيقة، وتضمن البيان أن مصر تتابع باهتمام كبير التغير الذي شهدته الجمهورية العربية السورية الشقيقة، وتؤكد وقوفها إلى جانب الدولة والشعب السوري ودعمهما لسيادة سوريا ووحدة أراضيها.. ودعا البيان جميع الأطراف السورية بكافة توجهاتها إلى صون مقدرات الدولة ومؤسساتها الوطنية، وتغليب المصلحة العليا للبلاد، من خلال توحيد الأهداف والأولويات وبدء عملية سياسية متكاملة وشاملة تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلى واستعادة وضع سوريا الإقليمي والدولى.
مع الحديث عن مستقبل سوريا في ظل الأزمات السياسية والاجتماعية المستفحلة، يبرز سؤال جوهري حول شكل الدولة السورية في مرحلة ما بعد بشار الأسد.
هذا السؤال يتعلق بمستقبل وطن دُمّرت مؤسساته وشُرّد شعبه على مدى أكثر من عقد من الزمان.
رحيل بشار الأسد، ليس نهاية للمشكلات السورية، بل بداية لمرحلة شديدة التعقيد.
هناك عدد من التحديات الأساسية التي ستواجه سوريا الجديدة، منها إعادة بناء الدولة خاصة بعد تدمير المؤسسات الحكومية خلال الحرب التي تحتاج إلى إعادة هيكلة، بدءًا من القضاء والتعليم وصولاً إلى الأمن والاقتصاد.
وضرورة معالجة الانقسام المجتمعي خاصة أن الصراعات الطائفية والإثنية تركت جروحًا عميقة تحتاج إلى جهود مصالحة وطنية شاملة.
كما يجب التعامل بحنكة مع القوى الخارجية والتدخلات الأجنبية، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية، تُشكل عقبة أمام استعادة السيادة السورية.
على الرغم من كل هذه التحديات، هناك فرص حقيقية لإعادة بناء سوريا كدولة حديثة.
الأوضاع بعد بشار تحتاج إلى صياغة دستور يعكس تطلعات جميع مكونات الشعب السوري ويضمن الحقوق المتساوية.
سوريا تحتاج إلى دعم دولى ورعاية التوافق على حل سياسي شامل، يمكن أن يسهم الدعم الدولي في إعادة إعمار البنية التحتية والاقتصاد.
وتبقى سوريا في حاجة إلى ظهور قيادة قادرة على تجاوز الإرث القديم وفتح صفحة جديدة مع الداخل والخارج.
ونأمل أن يتم التحول السياسي في سوريا سلمياً عبر انتقال تدريجي للسلطة يتضمن إصلاح النظام من الداخل، وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على إعادة بناء الدولة.
أما في حالة انهيار النظام ومؤسسات الدولة فقد تدخل البلاد في فوضى مؤقتة تتطلب جهودًا إقليمية ودولية لتثبيت الأمن.
سوريا بعد بشار ليست مجرد حلم وردي، بل معركة طويلة لإعادة بناء الوطن. التحديات كثيرة، لكن إرادة الشعب السوري وإمكاناته الثقافية والاقتصادية تمثل حجر الأساس لأي مستقبل مستدام. المهم هو أن يتوحد السوريون حول هدف مشترك وهو بناء دولة لكل أبنائها، بعيدًا عن الاستبداد والطائفية.
0 تعليق