نظّم معهد الدوحة للدراسات العليا النسخة الثانية من مؤتمر TEDx تحت شعار "لغة الضاد"، وذلك يوم الخميس 20 فبراير 2025. يأتي هذا الحدث في سياق الجهود المستمرة للحفاظ على اللغة العربية كلغة فكر وإبداع، وتعزيز دورها في مختلف المجالات، من العلوم والفنون والأدب إلى التكنولوجيا والعلوم الاجتماعية والإنسانية.
وفي كلمة ترحيبية قال الدكتور عبد الوهاب الأفندي رئيس المعهد أن هذه الفعالية مهمة لموضوعها عن لغة الضاد ولتزامن انعقادها مع سلسلة من الفعاليات التي ينظمها المعهد احتفاءً بمرور عشر سنوات على تأسيسه تحت شعار "عقد من الريادة والتميز"، مما يعكس اهتمام المعهد بالمشاركة الفاعلة في إنتاج المعرفة وتعزيز المسؤولية الفكرية تجاه اللغة العربية.
من جهتها، أكدت السيدة نسيمة عابدين، مديرة إدارة الاتصال والعلاقات العامة في معهد الدوحة للدراسات العليا، أن الهدف من تنظيم مؤتمر TEDx في نسخته الثانية في الدوحة هو خلق مساحة حيوية لمناقشة القضايا المتعلقة باللغة العربية، في سياقاتها المعاصرة، عبر الجمع بين الطابع العلمي والبحثي والطابع الشبابي الملهم. ونسعى من خلال هذا المؤتمر إلى تقديم رؤى مبتكرة للحفاظ على حيويتها وتجديد استخدامها في مجالات متعددة".
وأضافت عابدين أن النسخة الثانية من مؤتمر TEDx معهد الدوحة حظيت باهتمام واسع على المستوى الدولي، حيث شهدت مشاركة قوية بتنافس أكثر من 100 متحدث من 13 دولة، إلى جانب تسجيل أكثر من 700 شخص رغبتهم في حضور الفعالية. وأشارت إلى أن هذا الحدث يعكس التزام المعهد بدعم المبادرات التي تسهم في تعزيز مكانة اللغة العربية كلغة فكر وإبداع، كما ينسجم مع الجهود الوطنية الرامية إلى ترسيخ حضورها في مجالات التعليم والبحث الأكاديمي، بما يعزز دورها في المشهد الثقافي والعلمي عالميًا.
تحدث في المؤتمر ثمانية متحدثين بارزين من داخل وخارج قطر، شاركوا أفكارهم وتجاربهم الملهمة حول دور اللغة العربية في بناء الهويات الفردية والجماعية، بالإضافة إلى استعراض قصص النجاح التي برزت من خلال ارتباطهم باللغة. حيث قدّم صانع المحتوى رائف يوسف الخلايلة عرضًا تسائل فيه: هل فعلاً اللعة العربية في خطر فعلاً أو هل سيؤول مصيرها إلى مصائر اللغات التي اندثرت لاستبدال متحدثيها لغات أخرى عوضًا عنها؟. وشاركت فاطمة عبد الله السويدي، دكتورة في إدارة الأعمال، مع الجمهور قصتها عن القراءة والحكايات الشعبية، حيث قالت إنها كبرت وهي تعشق الكتب والقراءة. وأن ساعات قصص من قبل النوم مع أمها وجدتها كونت لديها الفضول للمعرفة والقراءة والبحث عن المزيد بين الكتب. وأشارت السويدي أنها تؤمن بأن إضاعتنا لهذه الساعات الجميلة أدت لخسارة الجيل الجديد لمتعة وشغف القراءة والاطلاع.
وقدمت إيمان النعيم وهي صانعة محتوى علمي عرضًا بعنوان " لماذا يجب أن نصنع محتوى علمي باللغة العربية؟ دعت فيه إلى أهمية إنشاء محتوى علمي باللغة العربية لتقريب المعرفة من المجتمع وتطوير الفكر النقدي. وأشارت إلى أنّ تبسيط المفاهيم العلمية وتقديمها بلغة الضاد يُمَكِّن الأجيال الجديدة من فهم الظواهر المعقدة والمساهمة في بناء مجتمع متطور. كما يُساهم في تعزيز الهوية الثقافية والتواصل العلمي بين الشعوب.
وتحت عنوان " كيف تتحول التحديات إلى فرص؟ حاول عبد الرحمن السالك شرح معاناته الطويلة، خاصة مع مشكلات بصره خلال دراسته، إلى دافع لتحقيق نجاحات لم يكن يتخيلها، حيث استطاع تحويل التحديات إلى فرص شكلت قصة نجاحه.
أما الشاعرة الفلسطينية من غزة منى المصدر فتحدثت عن مفردة البيت من سياق غزيّ مثخن بالحروب، وناقشت المصدر مفردة النزوح من خلال علاقتها بالتقسيم الاستعماري لقطاع غزة بين الشمال والجنوب وما ترتب عليه من تهجير قسري للفلسطينيين من الشمال إلى الجنوب حيث يأتي ذلك أمام مساءلة المقدرة اللغوية على التعبير عن النزوح القسري والتحاف الخيم أو الشارع أمام الحلم بالعودة إلى البيت (الدار) بالعامية الفلسطينية.
وقدم روي بوعلوان وهو صانع محتوى ومُعلِّم متخصص في اللغات واللسانيات، عرضًا بعنوان " العربية تعاني من مشكلة تسويقية: كيف نحلها؟ حيث عرض تجربته في أميركا التي شهدت معدلات التسجيل في دروس اللغة العربية في جامعاتها انخفاضًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. مشيراً إلى أن الأساليب التقليدية في الترويج لتعليم العربية في الغرب أصبحت قديمة.
داعيًا إلى تعزيز مكانة اللغة العربية وجعلها أكثر جاذبية ثقافيًا من خلال تغيير النهج، والاستفادة من المنصات الرقمية، وإبراز جمال العربية. وتحت عنوان "حين نحارب الطغيان باللغة" تحدّث علاء أحمد خويلد، صحفي وصانع أفلام سوري، عن تجربته في السجن، موضحًا دور اللغة في توثيق معاناة السجناء وكشف الجرائم التي تُرتكب في الخفاء، حيث تصبح الكلمات وسيلة لإيصال صوت الضحايا والمنسيين إلى العالم.
وحاولت صفاء بلحساوية، وهي كاتبة وقاصة، وخريجة معهد الدوحة للدراسات العليا أن تسلط الضوء على "تعدد اللهجات" من المحيط إلى الخليج، محدثة فيضانًا من الأصوات، والكلمات، والتعبيرات، والتشبيهات. هذا التنوع الواسع حسب بلحساوية يخلق قصصًا وقضايا مختلفة؛ فقد لا يفهم أفراد بلدٍ ما لهجة بلدٍ آخر، لكنهم قد يعجبون بها، أو يتعلمونها، أو حتى يقلدونها، مما ينسج حكايات جميلة نرويها ونتشاركها.
يشار إلى أن المؤتمر تضمن فقرات ترفيهية وتفاعلية مختلفة تحتفي بجماليات اللغة العربية، حيث شارك أمجد النور، مقدم وكاتب برامج على منصة الجزيرة 360 التابعة لشبكة الجزيرة الإعلامية أغنية "ممنوع من الصرف" إضافة إلى عرض قدمته فرقة سول (Sol Band)، التي تأسست في غزة عام 2012، أصبحت رمزًا للأمل والإبداع في فلسطين. ورغم تهجيرهم في عام 2024، لا تزال الفرقة ملتزمة بمشاركة رسالتها عن الصمود من خلال مزيج فريد من الفلكلور الفلسطيني والبوب المعاصر. إضافة إلى "فرقة وجد"، وهي فريق من طلاب الموسيقى المتعلمين تعليمًا عاليًا والذين وصلوا جميعًا إلى المستوى الخامس في المدرسة الملكية في بريطانيا لترويج الموسيقى لكافة العالم.
وقد جرى خلال فقرات الفعالية عرض عدة فيديوهات منها: فيديو عن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وفيديو للطلبة الأجانب في مركز اللغات بمعهد الدوحة للدراسات العليا، وفيلم قصير بعنوان "عربليزية" إضافة إلى فقرة مع الشاعر السوري محمد ياسين صالح.
هذا ويحظى مؤتمر TEDx معهد الدوحة بدعم ورعاية عدد من الشركاء البارزين الذين يسهمون في تعزيز مكانة اللغة العربية وإبراز أهميتها في المشهد الثقافي والعلمي. ويأتي هذا الدعم في إطار الجهود الرامية إلى ترسيخ حضور اللغة العربية في مختلف القطاعات.
0 تعليق