حزب بلا رأس

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا يزال «مايك»، رمز الطير المقطوع الرأس، لغزًا حتى يومنا هذا، حيث يحاول الناس تفسير كيف تمكن هذا الطائر، في عام 1947 في كولورادو، من العيش لمدة 18 شهرًا بعد قطع رأسه. وعلى هذا النحو، تنطبق هذه القصة على ما تبقى من حزب الله، الذي تلقى ضربة قاتلة خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل—وهي حرب أسفرت عن تفكيك هيكله العسكري ومقتل الغالبية العظمى من قيادته، بما في ذلك زعيمه العقائدي وأمينه العام الذي لطالما اعتبره أنصاره شخصية «أسطورية»، حسن نصر الله.نصر الله، الذي سيتم دفنه الأحد في جنازة ذات طابع احتفالي، يُكرّم في مناسبة يأمل حزب الله، أن تكون وسيلة لإعادة بناء ما تبقى منه. لكن السؤال الأهم هنا: هل يمكن لهذا السعي أن يكون كافيًا لمنع سقوط الحزب النهائي؟إذا افترضنا أن حزب الله يتمتع بأي شرعية لبنانية أو يشبه الأحزاب الأخرى في تاريخه، فإن استعراض السوابق يؤكد أن معظم الأحزاب السياسية اللبنانية لم تتمكن من التعافي بعد وفاة زعيمها العقائدي. فالأحزاب في لبنان قائمة على الشخصنة والولاء للقائد، وليس على المؤسسات، مما يجعل غياب القائد تهديدًا وجوديًا لها. بشير الجميل، مؤسس القوات اللبنانية، وكمال جنبلاط، زعيم الدروز ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، ورفيق الحريري، رئيس الوزراء السني، جميعهم أمثلة على ذلك. فبمجرد اغتيال القائد، تفقد الجماعة تماسكها وتعجز عن الانتقال السلس إلى قيادة جديدة. وإن حدث ذلك، غالبًا ما تقتصر أنشطتها على إحياء الذكرى، وإعادة تدوير خطابات القائد الراحل، بدلًا من الاستمرار كقوة سياسية فاعلة.في حالة حزب الله، فإن هذه العملية أكثر تعقيدًا، فلم تقتل إسرائيل نصر الله فحسب، بل اغتالت أيضًا فكرة حزب الله، وهدمت السردية التي بناها الحزب لعقود، تلك التي كانت تصور الحزب كحامي اللبنانيين والطائفة الشيعية. والأسوأ من ذلك، كشفت الحرب الأخيرة مدى عقم وتخلّف الترسانة الإيرانية التي يمتلكها الحزب، والتي كان يروج لها لسنوات على أنها «قوة ردع استراتيجية».فقد كان واضحًا خلال الحرب أن كل «المفاجآت» التي توعد بها الحزب لم تكن سوى أوهام، إذ تمكنت إسرائيل من استهداف مخازن الأسلحة والمواقع المحصنة للحزب بدقة، مما أظهر ضعفًا استراتيجياً خطيراً في قدرته على الردع.لم تكتفِ إسرائيل بقتل نصر الله، بل اغتالت أيضًا وريثه المحتمل، ابن خاله هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب وقائد جناحه المتشدد. وإن لم يكن هذا كافيًا، فقد قُتل معظم القادة الرئيسيين للحزب، ولم يتبقَ سوى نائب نصر الله، نعيم قاسم، وهو رجل يفتقر إلى الكاريزما والشرعية القيادية.وبخلاف نصر الله، الذي كان يتمتع بقدرة خطابية عالية مكنته من السيطرة على الشارع الشيعي لسنوات، فإن قاسم شخصية لا تملك الوزن السياسي أو الديني الذي يخوله قيادة الحزب في ظل هذه الأزمة الوجودية.جنازة نصر الله قد توفر للحزب فرصة للتعبئة الشعبية، ولكنها لن تستطيع إخفاء الحقيقة المؤلمة: الحزب أصبح بلا رأس، وبيئة الحزب تعيش اليوم أسوأ مراحلها منذ الحرب الأهلية اللبنانية.وما يزيد الوضع تعقيدا هو ما يروج له البعض من ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يسعى إلى وراثة موقع نصر الله. ورغم أن هذا الطموح قد يبدو مغريًا، إلا أنه خطوة خطيرة قد تقوّض إرثه السياسي.في 14 آذار 2005، امتلأت شوارع بيروت بملايين اللبنانيين من مختلف الطوائف، غضبًا من اغتيال رفيق الحريري، وهو ما أدى إلى طرد النظام السوري من لبنان بعد شهر واحد فقط. أما تعبئة الحشود الطائفية، كما يفعل حزب الله حاليًا، فهي ليست أكثر من استعراض زائف للقوة، وتعكس الحقيقة الجوهرية بأن الحزب فقد رأسه، وسيفقد جسده قريبًا.قد لا يكون حزب الله وأنصاره مستعدين علنًا للاعتراف بحالتهم من الحداد، كما أنهم غير مستعدين لطلب المساعدة. لكن الحقيقة أن إيران، التي استخدمت الحزب كأداة لسنوات، لم تعد ترى فيه استثمارًا مربحًا، ولن تغدق عليه الأموال كما فعلت في السابق.يجب على الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام أن يدركا بسرعة أن إظهار التعاطف السياسي لن ينقذ شيعة لبنان، بل سيدفن فكرة لبنان نفسها بجانب المشروع الإيراني التدميري.النهاية ليست مجرد احتمال بعيد، بل هي أمر حتمي... والسؤال الوحيد الذي يبقى: متى؟

منذ 7 دقائق

منذ 43 دقيقة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق