أوقفوا 'موائد الرحمن' وحولوها إلى الغارمين في السجون

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حلّ علينا أمس شهر رمضان المبارك، أعاده المولى تعالى على الجميع بالخير، ولنا في هذه المناسبة وقفة، لا بد منها في ما يتعلق بهدر الطعام في هذا الشهر الفضيل، فقد قال تعالى في محكم تنزيله العزيز: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا".

في المقابل، هناك العديد من الأوجه التي يمكن الإنفاق عليها، وتكون مصدراً للأجر المبارك من الله، عز وجل، لكن يبدو أن البوصلة تتجه في هذا الشهر إلى وجهة خطأ، خصوصاً في ما يتعلق بما يسمى "موائد الرحمن"، التي أصبحت، في العقود الأخيرة، أشبه بالوجاهة، وليس القصد منها الأجر والثواب، لا سيما إذا علمنا أن العالم الإسلامي يهدر نصف وجبة كل يوم من الطعام خلال شهر رمضان.

ففي دولة مثل الكويت، يُرمى ما يزيد على أربعمئة ألف طن سنوياً، بينما في العالم الإسلامي يذهب نحو 931 مليون طن سنوياً إلى القمامة، في المقابل هناك عشرات الآلاف من الغارمين الذين أوقعتهم الحاجة تحت سيف الديون، لا يجدون من يرفع عنهم الضيم، والتبرع لهم بدلاً من الإنفاق على الهدر غير المبرر، من خلال موائد أثبتت الأيام أنها لا تذهب إلى الناس المعوزين.

دولة الإمارات خرجت من ذلك المأزق في الشهر الفضيل، عبر تبرع نائب رئيس الدولة، حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، بحملة 100 مليون وجبة لإطعام الفقراء والجوعى في 20 دولة، فيما خصصت حملات التبرع الشعبية لسداد ديون الغارمين.

أما المملكة العربية السعودية، فقد أعلنت أن في موائد الإفطار الجماعي يُهدر سنوياً نحو 700 مليون ريال، ولذا أصدرت حكوماتها بياناً عن تخصيص هذه المبالغ للغارمين، والتفريج عن المطلوبين أو المسجونين على قضايا مالية، ولا يستطيعون تسديدها.

في كل دول الخليج العربية، هناك الكثير من الغارمين الذين لا يستطيعون تسديد ما عليهم، ولقد حلت بعضها هذه المشكلة عبر رؤية تقوم على مبدأ "التكافل الصحيح"، إلا في الكويت، إذ رغم حملات التسديد، لا تزال الأزمة مستمرة، بسبب تحول مؤسسات وقطاعات معنية في الدولة مجرد محصل للدائنين، لهذا تحول القضاء والشرطة إلى جباية الديون، خصوصا في ما يتعلق بالشيكات من دون رصيد.

الكثير من المدينين وقعوا تحت ضغط ومغريات بعض المرابين حين كانوا بحاجة إلى المال من أجل ضرورات، إما لتعليم أولادهم، أو للطبابة، فيما غالبية النساء السجينات بقضايا مالية، استغلهن أزواجهن للتوقيع على صكوك دين، أو شيكات بلا رصيد، ومن ثم طلقوهن حين دخلن السجن، لذا أليس من الأجدى حل أزماتهن؟

في أغلب العالم أجمع ألغيت جناية "الشيك من دون رصيد"، بينما لا يزال يُعمل بها عندنا، بل أضيف إليها في الآونة الأخيرة "الضبط والإحضار"، رغم أن قانون الإفلاس كان قد ألغى هذه المادة، وهذا، لا شك، يزيد من معاناة أصحاب الحاجات، بينما في المقابل، هناك الكثير من دافعي الزكاة يرغبون في أن تذهب زكواتهم إلى الوجهة الصحيحة، فهل هذا يحصل؟

بيوت الزكاة والجمعيات واللجان الخيرية لا تتكفل بهؤلاء الغارمين، وتبدّي عليهم الخارج، لهذا معظم الإنفاق من الأموال الخيرية يذهب إما لسفرات موظفيها، أو للدعاية، وهذا ليس حلالاً لهم، لأنهم ينفقون الأموال في غير موضعها، بينما أصحاب الحاجة يبقون يعيشون المعاناة.

من المتعارف عليه أن الزكاة تذهب إلى الغارمين، والذين عليهم دية دم، أو للفقراء، وليس للمزيد من العقوبات عليهم، فمنذ زمن قلنا، ونكرر إن "المفرط أولى بالخسارة"، فهذا فرط في ماله حين أعطاه لمن لا يستطيع السداد، وهي بالمناسبة قاعدة شرعية.

في هذا الشأن، نكرر ما كتبناه في 19 أبريل عام 2023، وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، والرحمة برفع الظلم عن الغارمين، الذين لا شك أنهم سيدعون، هم وأسرهم، بالعمر المديد ووافر الصحة، لمن رفع عنهم هذا الهم الكبير.

لذا، في بداية هذا الشهر الفضيل، وبدلاً من هدر الطعام، وهو مال ينفق على موائد تكفي الجائع وجبة واحدة، أن يوظف للسداد عن الغارمين، وإقالة عثراتهم من ليل السجون، فهل يعقل أن يهدر في شهر رمضان، في كل الدول العربية، ما يزيد على 5.5 مليار دولار خلال ثلاثين يوماً، بينما نسبة الفقراء فيها بلغت نحو 52 في المئة؟!

ألا تنطبق الآية الكريمة التي بدأنا بها على المسلمين الذين يتوخون الأجر والثواب فيصبحون "مبذرين"؟

  • أحمد الجارالله
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق