بأسلوبه السهل الممتنع، وباللهجة العامية، يسرد لنا الروائي هيثم بودي قصة عن بناء سور الكويت الثالث.
قال الراوي: وبنص الليل في رمضان بدوا أهل الكويت يحطون أساسات السور والشباب يشيلون الصخر من عربانة الصخر ويصفونها بالأساس... صافين طابور كل واحد فيهم يطاول الصخرة إلى الثاني لما توصل إلى الأستاد.
وهذا كل من منصور وأحمد مع عربانة الطين، وبدأ اليوم الأول، متوكلين على الله ما يدرون جانهم يقدرون يبنونه مثل ما خططوا له وإلا لا، لكنهم متوكلين على الله، بهمتهم وإرادتهم، وبعون الله بنوا من الطين سور.
إصرار وعزيمة، والحريم قاموا بدورهم وأكثر، يطبخون الفطور والسحور لكل أهل الكويت ويجيبونه الشباب قبل أذان الفجر ويتجمعون ويتسحرون عند السور المبني «سور الكويت الحبيبة»، إلى أذان الفجر، يصلون ويرجعون إلى بيوتهم في ملحمة عظيمة أرخها التاريخ من سنة 1920 «سنة السور».
***
وأضاف الراوي:
في مكان المطينة بالليل، اشتغلوا الشباب يخلطون التراب بالرماد والماي ويسوونه طين ثقيل متماسك. ناس يفرغون التراب في وسط المطينة، وناس يحملون قُرَب الماء ويصبونها على التراب في المطينة، والأستاد آمر المطينة واقف عليهم يم النار وهو يوزع العمل.
- قال أستاد البناء موجهاً حديثه إلى الذي يفرغ الماء: بس، بس يا مبارك كل جربة ماي تعادل يلتين تراب للطين، لا تكثر وآنا بوك.
- مبارك: إن شاء الله عمي.
- الأستاد: اللي يفرغون التراب لا تحفر تحته، إقلب التراب من فوق، وأول ما تحوش القاع وخّر شبلك، لا يطلع لنا شغل ثاني يا عيال.
- ردوا الشباب مستجيبون للتنبيهات: إن شاء الله ابشر.
*** قال الراوي:
- وراح الأستاد للي يفرغون الماي بالفنطاس اللي هو مخزن مربع من خشب يصبون فيه الماي ويخزنونه، وراح للي يسوون اللبن، اللي هو الطابوق من الطين يتأكد من شغلهم وهم يصفون مرابيع خشب على الأرض متساوية حتى يفرغون فيها الطين ويسوون منه الطابوق. - الأستاد: بارك الله فيكم، مسحوا وجه الطين عدل يا عيال، لا تصادفكم صخرة مثل هذي، ترى هذي إتميَّل اللبنة اللي فوقها، ويقطها البناي وما يبني عليها.
- قال رجل بناء: إن شاء الله عمي.
- الأستاد: بارك الله فيكم. ما شاءالله وصلوا بعارين الماي، ما شالله عشر بعارين.
- صاح الاستاد مرحباً: يالله حيهم، يالله حيهم.
ارتفع صوت الإبل وهي تنوخ وتجلس على الأرض.
- قال قائد قافلة إبل الماء حمود: السلام عليكم بو فاضل، هذي قُرَب الماي الحلو، جبناها من كيفان والشامية.
- الأستاد: قواكم الله، قواكم الله. نزلوا قُرَب الماي يا عيال، وفرغوها بالفنطاس الكبير.
- استجابوا الشباب ملبين الأوامر: إن شاء الله.
***
الراوي:
ووصل منصور وأحمد شايلين شعلتين عشان الطريج، ويسلمون على الأستاد.
- منصور وأحمد: السلام عليكم عمي بوفاضل.
- الأستاد: وعليكم السلام يا هلا بعيالنا... خير؟
- منصور: عمي بو أحمد البنا، يقول توكلوا على الله ودزوا لنا الطين.
- الأستاد: الحمدلله، ابشر يا ولدي الحين... يا الله يا عيال حملوا الطين في اليلة.
- كم يلة عندكم؟
- قال رجل: سبع عمي.
- الأستاد: توكلوا على الله، حملوا الطين في اليلة وركبوهم في العربانة.
- قال رجل: إن شاء الله.
- الأستاد يسأل منصور: شسمك يبه..
- أنا منصور وهذا أحمد.
- الأستاد: عاونوهم يبه، شيلوا الطين في اليلة وركبوهم العربانة.
- منصور وأحمد: إن شاء الله عمي.
***
قال الراوي:
- وتعاونا منصور وأحمد مع الشباب وحطوا الطين باليلة، ولما ترسوا اليلال ورفعوهم مع العيال على العربانة اللي يجرها حمار... حتى اكتملت عدد سبع يلال، وشال منصور وأحمد الشعلتين وتحركا يتبعهم الرجل اللي يجر الحمار وعربانة الطين.
وارفعوا الكويتيين أول ذراع من السور في اليوم الأول، بعدين قالوا الأستادية أن الصخر قليل، وأن الشباب مو ملحقين على تكسير الصخر. فكروا وقالوا لازم الحريم يجيبون الصخر من السيف، لو كل وحدة تشيل لها صخرة من بعد الفطور، وفعلا استجابوا الحريم.
وقال بومنصور لمنصور وأحمد إنهم يفترون على فرجان المطبة، ويخبرون الحريم أنهم يطلعون اليوم بعد الفطور حتى ينقلون الصخر إلى السور.
*** وبعد الفطور راح منصور وأحمد حتى يفترون على البيوت يخبرون الحريم أن يشيلون الصخر من البحر ويوصلونه إلى السور، لأن الرجاجيل مشغولين في البنا والحفر.
وافترق منصور عن أحمد في السكة بالليل.
- منصور: أحمد أنت روح شمال إلى فريج براحة بوحمود، وأنا أروح جنوب وأمر على فلاح يساعدني.
- منصور: خوش أنا بطق هذا الباب.
- أحمد متحمساً: خوش يلا، في أمان الله.
- منصور: فمان الله أحمد. طرق منصور الباب عند أحد البيوت، وأطلت منه امرأة.
- منصور: السلام عليكم خالتي. اليوم بعد التراويح الكل يشيل الصخر من البحر إلى السور.
- المرأة: بعد التراويح؟
- منصور: إي نعم.
- المرأة: إي إن شاء الله. غادر منصور البيت إلى بيت آخر، وطرق الباب عدة طرقات، فخرج رجل ليستفهم.
- قال الرجل: خير يا ولدي.
- منصور: عمي اليوم الأستادية يوصون كل الحريم يطلعون يشيلون الصخر بعد التراويح من البحر إلى السور، ناقصنا صخر.
- ردّ الرجل مستجيباً: إي إن شا الله. ابشر الحين أقول للحريم.
- منصور: جزاكم الله خير.
- الرجل: جزاك الله خير، تفضل خذلك لقيمات من الحجية..
- منصور: لا مشكور عمي، بروح أخبر فريجكم.
- الرجل: حياك الله. ثم أغلق الباب.
***
وهكذا تعاضد أهل البوادي مع الحاضرة ليبنوا السور في أقل من شهرين ووضعوا البوابات الخشبية «الدروازات» خط الدفاع الأول ورفعوا على طول السور البيارق الحمراء وكلمة كويت التي تتوسطه، ليكون بذلك ملحمة خلدها التاريخ، حين لم يستطع الغزاة نيل مآربهم وعادوا خائبين.
0 تعليق