... لنعتبر

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من الخاص إلى العام، ومن البوح الوجداني الشخصي إلى مساحة الشراكة في الرأي، ومن رمضان وشعائره الإيمانية إلى باقي شهور السنة وسلوكياتنا الاجتماعية والسياسية.

قصة عشتها عشية الشهر الفضيل أتمنّاها إطاراً تشاركيّاً مع الجميع.

22 فبراير 2025

9 فبراير 2025

صديق قريب جداً مني أبلغني أنه للمرة الأولى لن يتمكّن من صوم شهر رمضان نتيجة وضع صحّي مُستجدّ وأن الأطباء أمروه بذلك مُستشهدين بالآية الكريمة «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ»، وبالحديث الشريف «إن الله يُحبّ أن تُؤتى رخصه».

سألته وما المُشكلة في ذلك فردّ عليّ بسؤال: لا توجد مشكلة إنما مَنْ في الكويت من تنطبق عليه صفة المسكين كي أنجز الرخصة بأفضل صورها؟ باغَتني كلامه وأجبته عن إجماع الفقهاء بأن المسكين في التعريف هو الذي لا يملك مالاً أو كسباً يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه. أما حديثاً، فتبسّط التفسير للقول إن المسكين هو من لا يملك شيئاً بما في ذلك قوت يومه.

وبما أنّنا أهل إعلام فنشرات الأخبار والتقارير لا تتوقّف. وبالمُصادفة كان هناك برنامج وثائقي عن المجاعة في أكثر من مكان. في غزة ودول عربية وأفريقية وأخرى آسيوية. مشاهد يندى لها جبين الإنسانية والعين تنظر إلى أهلنا في الدين وإخوتنا في الإنسانية يتضوّرون جوعاً وينتقلون إلى دار البقاء بسبب انعدام التغذية.

هذا الأمر دفعنا إلى المقارنة التلقائية بين ما رأيناه وبين الوضع في الكويت. تناقشنا في أمر عمال النظافة الكرام وغيرهم من عمال التحميل والنقل وغيرهم من عمال المنازل وصولاً إلى العمالة التي تعتبر هامشية، فوجدنا أن جميع هؤلاء يتلقّون وجباتهم الغذائيّة يوميّاً من قِبل الجهات المُشغّلة لهم حتى لو لم تكن ظروفهم المعيشية سيئة ونحن أكثر من سلّط الضوء على مُعاناتهم الإنسانية. هم يستحقّون كلّ دعم وتبرّع وأهل الخير لا يقصّرون أبداً، وخير مثال موائد الإفطار المجاني التي تنتشر في الشهر الفضيل قرب المساجد في كل مناطق الكويت. فقراء ومُتعبون ومُجاهدون للقمة العيش... لكنهم يحصلون عليها. أمّا المفهوم العلمي التقني للمسكين الذي يجب إطعامه من باب الرخصة والكفارة فهو من لا يملك قوت يومه.

لا نريد خوض جدال فقهي مُوسّع حول هذا الأمر فنحن لسنا علماء، لكن صديقي وأنا اتفقنا على أمر واحد وتوقّفنا عنده مليّاً: كم بلد في الدنيا منّ الله عليه سبحانه وتعالى بخير ووفرة ونعمة إلى درجة يصعب معها أن تجد مسكيناً تنطبق عليه الشروط الدقيقة جداً للمسكين وكفّارة إطعامه؟

من هنا، ننطلق إلى الموضوع الأعم. ألا تستحقّ هذه النعمة كلّ الحمد والشكر والامتنان والابتهال إلى الله جلّ جلاله بأن يحفظ هذا البلد؟ أقصد بدءاً بالقناعات العقليّة والقلبيّة وانتهاء بالسلوكيات والمُمارسة... ومن ذلك نشر ثقافة الإيجابية في كلّ مجالسنا ومنتدياتنا وآرائنا والتخفيف ما أمكن من السلبيات والنظرة السوداويّة لأمور الكويت وأوضاعها. كثيرون بيننا يغلب على خطابهم داخل العائلة أو الديوانية أو العمل مفهوم الإحباط ومنه تتفرّع عبارات الحسد وروح الانتقام والتشفّي والعنصريّة من دون أن يحسبوا أن جيلاً شاباً مُراهقاً يتربّى على هذا النهج ويتأثّر بمن يُمارسه وتضعف عنده عوامل الرؤية العقلانيّة الإيجابيّة للأمور.

كانت الكويت قديماً مثالاً للتوادد والتراحم والتعاون والتكافل في كلّ الأمور خصوصاً الاجتماعية منها. قصص مُبهرة مُنيرة عن شهامة ذاك الرعيل النبيل في المُساعدة والاحتواء والدعم. أمّا اليوم، فتكاد تصبح علنية ظواهر مثل الدعوة على من رزقه الله بأن يتعثّر بدل الدعوة له بمزيد من الرزق، ومثل التشفّي بمن أصيب بنكسة صحية أو مالية أو اجتماعية بدل الدعوة له بالسند والستر والوقوف مُجدّداً على قدميه.

الحوار الذي دار بيني وبين صديقي حول إطعام المسكين كان مدخلاً لرؤية الكويت بعيون أخرى. الكويت في خير ونعمة قولاً وفعلاً. تذكّرنا حديث النبيّ العربيّ الكريم: «التحدُّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله». أمّا أركان الشكر الثلاثة حسب العلماء فتنطبق كثيراً على الكويت وهي: التحدّث بها ظاهراً (النعم)، وفقاً لقوله تعالى «وأمَّا بنعمة ربّك فحدّث». الثاني الاعتراف بها باطناً. والثالث أن تُصرف هذه النعمة في طاعة الله - عزّ وجلّ - وتستعين بها على مرضاته.

ووفقاً لهذه الأركان علينا أن نُقرن القول بالفعل وأن نتحدّث عن النعم التي نعيش فيها لا أن يطغى حديث السلبيّات – وهي موجودة – على الجوّ الإيجابي العام، وأن نعترف بها باطناً كمُقدّمة لترجمتها عملاً وسلوكاً في اتجاه مناخ يدفع إلى التقدّم لا إلى الجمود أو التأخّر، وأن تصرف هذه الحقيقة في مرضاة الله، أي في الحرص على التوادد والتراحم والتماسك الاجتماعي وصيانة الأمن العام كما يُصان الأمن الخاص، والعمل على حفظ الاستقرار في البلد كما نحفظ استقرار بيوتنا، وأن ننخرط جميعاً في مسار التنمية ما أمكن، وأن نتمنّى الخير والمزيد منه للجميع وأن نبتعد عن الشرّ والحسد والتشفّي والحقد والانتقام فهي عوامل سترتدّ نارها على أصحابها.

من النقاش حول المسكين الذي تنطبق عليه شروط كفارة الإطعام إلى الشأن العام... العبرة لمن يعتبر... يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق