لا إنجاز بوجود... هؤلاء

المصدر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مُتابعة لمقالنا «استمرّوا كرجال دولة» الذي أشدنا فيه بتوجّه الحكومة لإقرار أمور مُفيدة للبلد وللأجيال القادمة رغم عدم شعبيّتها، نقف اليوم أمام خبر إنشاء أكبر قاعدة بيانات للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط في الكويت مع ما يُرافق ذلك من تمكين الكفاءات الوطنيّة وتعليم 4500 مُوظّف وتدريب 30 ألف شخص على كيفية الارتقاء بالأداء الحكومي والمُؤسّسات العامة بالدولة.

هذا الخبر مُقدّمة ضرورية لما سيأتي ومدخل ضروري لكلام موضوعي رغم قساوته.

5 مارس 2025

22 فبراير 2025

مع تكرار الإشادة بمُحاولات الحكومة الدؤوبة للخروج من حالة الجمود والضعف التنموي الذي أصاب البلاد، ومع إقرار جُملة قوانين تخدم الاقتصاد وتُحرّك عجلة المشاريع يبرز السؤال: هل يكفي ذلك للانطلاق نحو مُستقبل أفضل على مُختلف الصعد؟

الجواب ببساطة وبسرعة: لا.

جزء أساسي من الانهيار السابق على كلّ المُستويات يعود إلى سيادة البيروقراطية في إدارات الدولة كُلّها، وجزء أساسي من حالة الشلّل الذي ضرب المشاريع هو انعكاس لعجز هذه الإدارات وضعفها، وعوامل هذا الضعف وتلك البيروقراطية سببها الأساسي أداء القياديّين والمُديرين والمسؤولين في تلك الإدارات الذي لم يرْقَ إلى المستوى المطلوب، بل على العكس أدّى إلى مزيد من التراجع ومزيد من المخاوف باستحالة إجراء أيّ عمليّة إصلاح وتطوير... يكفي هنا، ومن دون التوقّف كثيراً عند هذه النقطة، أن الكويت الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض 3 أو 4 أنظمة لضبط الدوامات يومياً ولا تفرض أنظمة لمُراقبة الكفاءة وإنْ فعلت فنظريّاً فقط.

هذه مُشكلة أزليّة. سلبيّة وعجز وقلّة كفاءة القياديّين والمسؤولين في إدارت القطاع العام عوائق أساسيّة أمام التطوير بل وأمام خُطط الحكومة للعبور إلى مُستقبل أفضل للكويت والكويتيّين. وإذا لم يتغيّر نهج القيادي أو المسؤول فلا أمل يُرتجى وسنظلّ ندور في حلقات مُفرغة.

عوامل كثيرة أسرت غالبية القياديين والمسؤولين (وليس جميعهم) في دائرة الخوف والعجز والتقصير والإهمال، وكي نكون موضوعيّين، فإن لذلك أسباباً لا تخفى على أحد، أهمها على الإطلاق:

النهج الحكومي السابق الذي كان سائداً وجعل السلطات تزحف على بعضها من باب سلامة البقاء في المقعد الوزاري. أي أنّ الوزير ساير نائباً وساوم شخصيات قبليّة ومذهبيّة ناشداً الرضى، فدفعت الإدارة ثمن هدفه وتغلّب الطّالح على الصّالح ما ولّد استنكاف الجيّدين عن العمل وتَصدّر من دخل بواسطة ولو لم تكن قدراته تُؤهّله لمركزه.

الإرهاب الفعلي الذي مارسه سابقاً بعض النواب على بعض القياديّين والمسؤولين لفرض مُعاملاتهم بتوظيف أبناء الدائرة أو القبيلة أو المذهب. ويقال – ليس من باب التندّر- إن سكرتير نائب كان يعين وينقل مُوظّفين حتى من دون معرفة النائب.

وهناك قياديّون لم يعملوا بما تفرضه عليهم مسؤولية المنصب خوفاً من الخطأ والمُحاسبة، استناداً إلى قاعدة من يعمل يُخطئ ومن لا يعمل لا يُخطئ.

وهناك قياديّون لم ينخرطوا بقوّة في ميدان العمل لأنهم اعتبروه جسراً لمنصب أعلى يريدون الوصول إليه بأقلّ جهد مُمكن. ومع الأسف هذا الأمر ينطبق أكثر على بعض أبناء الأسرة الذين عملوا في إدارات وهيئات إنّما كانت أعينهم على منصب وزير مثلاً.

وهناك عامل مُهمّ وهو الضغط غير المُبرّر والمُبالغ فيه أحياناً من ديوان المُحاسبة الذي ينشر مُلاحظات بهدف التصحيح فيحوّل البعض هذه الملاحظات إلى معركة سياسيّة إما تغيّر في المنصب أو تدفع صاحب المنصب إلى الإحباط.

طبعاً، لن نتوسّع في مفهوم حشر الإدارات والوزارات بالتوظيف العشوائي ما دفع بالكفاءات والخرّيجين من أفضل جامعات العالم إلى خيارات أخرى داخليّاً وخارجيّاً. وأيضاً لن نُعيد طرح أسماء كنماذج على الضّعف والعجز لأن الهدف أعمّ من شخصيّات بعينها.

هذه مُشكلتنا الأساسية في إدارات الدولة، وعلى الحكومة إيلاء هذا الموضوع أولوية قُصوى. هؤلاء القياديّون والمسؤولون هم من سينفّذ الخُطط والمشاريع وإذا كان المُحرّك معطوباً فلن تتحرّك الآليات. اليوم نهج بعض النواب في التدخّل اختفى، ونعلم أن توجيهات صدرت لديوان المُحاسبة بإعادة تنظيم الرّقابة والتّدقيق بالتّركيز على الإصلاحات من دون ضغط أو مُبالغة، والقياديّون والمسؤولون عملهم صار تحت المجهر في ظل نهج جديد من مُحاسبة لا تُميّز ولا تخضع.

اليوم، وتزامناً مع القرارات والمشاريع، ينبغي إعادة تأهيل الإدارات عبر إعادة تأهيل قياديّيها. مفهوم العطاء والعمل أولاً، ومفهوم الالتزام عنواناً، ومفهوم الإنتاج والخلق والإبداع هويّة... لا نقص عندنا في أنظمة الرقابة والتطوّر الإداري وإنّما كان الضّعف في العزيمة الغائبة والواسطات والمحسوبيّات الحاضرة، لذلك فالإقدام هنا ليس تفصيلاً وإنما أساس نجاح القرارات والخُطط والمشاريع.

لم يعد هناك عُذر لا للقيادي ولا للحكومة. وتأخير التغيير المطلوب في الإدارات ستدفع الحكومة ثمنه ويقال إنها ضيّعت طريقها عند عقبات إداريّة. إذا أراد القيادي أن يعمل فميدانه مفتوح، وإن أراد الاستمرار في النهج السابق فليترك مكانه لآخر يريد أن يعمل... لأن إنشاء أكبر قاعدة للذّكاء الاصطناعي، مثلاً، يحتاج إلى إداريّين أذكياء لا مُصطنعين.

«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق