كأن المدين في الكويت مرتكب جريمة عظمى، فالجميع يحاول أن ينهشه، بدءاً من بعض أئمة المساجد، وحتى القضاء، فلا معين له، لأنه وقع في فخ الحاجة، فبعض الأئمة توعدوه بطريقة غير مباشرة، بالنار وسوء المصير إذا لم يسدد دَيْنه، فيما القانون يمنعه من السفر، حتى لو كان للعلاج فيفرض عليه قضاء التنفيذ دفع عشرة في المئة من الدَّين، فمن أين يأتي بذلك، وهو معسر، وفي أي قانون هذه العَشرة في المئة؟
وهو في الوقت نفسه مهدد بالسجن، خصوصاً مع تفعيل "الضبط والإحضار"، حتى لو كان الدَّين أقل من مئة دينار، فيما لو وقع شيك من دون رصيد، لقاء دَين قائم على الربا، يسجن ثلاث سنوات، ورأينا المآسي في هذا الشأن، فهناك العديد من الأسر تفككت، لأن الأم وقعت تحت ضغط الزوج، وأصدرت شيكات بلا رصيد، فكان مصيرها السجن، فيما الزوج طلقها وتزوج غيرها.
الغريب في هذا الشأن أن العقوبة لا تُدمغ، أي إذا أصدر المدين عشرة شيكات، تصبح العقوبة 30 سنة، لأن السجن عن الواحد منها ثلاث سنوات.
هذا الأمر ليس موجوداً إلا في الكويت، المتمسكة بقانون قديم أَلْغته دول العالم منذ عقود، ففي الدول الأوروبية، والدول العربية أيضا، لا يُسجن مصدِّر الشيك إذا كانت نواياه حسنة، وليس مزوراً أو نصاباً، ففي ذلك إجراء آخر، لأن المبدأ هو أن الغُرم على المفرط، ولقد عملت بذلك حتى الدول غير الإسلامية.
بينما قروض البنوك، فهي مؤمنة بالرهونات والضمانات، ما يمنعها من الوقوع تحت طائلة الخسارة، كما أنها لديها قاعدة مصرفية، وهي الديون المعدومة، وفي هذا الشأن يمكننا العودة إلى ديون "سوق المناخ" الشهيرة، البالغة نحو سبعة مليارات دينار، فهي أصبحت هالكة ومجرد ديون دفترية، لأن المدين إما توفاه الله، وإما لأن الدَّين لا يورث، وحتى إذا كان يورث، إلا أن الورثة لا قدرة لهم على السداد، أو ماتوا.
المُلْفت للنظر أن الجميع يعمل لصالح الدائن، الذي ربما يكون مرابياً، أو نصاباً، أو أنه يسعى من خلال ذلك إلى غرض مشبوه.
هذا لا يمنع أن بعض الديون محقة، ولها أسبابها، ومنها على سبيل المثال، عدم الالتزام بالنفقة الزوجية، لكن إذا كان الزوج معسراً، فهذا يصبح من اختصاص بيوت الزكاة، والجمعيات الخيرية، لأن الأساس إعانة الناس على قضاء حوائجهم، ومنها بالطبع الغارمون والمعسرون، وغيرهم ممن لا يجدون قوت يومهم.
كل هذا لا يُرى حين يجري البحث بالأسباب الدافعة إلى الاستدانة، لأن القاعدة السائدة هي ما ورد في مسرحية "تاجر البندقية" أي قطع اللحم من جسد المدين، وليس المساعدة، علماً أن المسلمين يجب أن يقتدوا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي توفاه الله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير.
قبل أيام جرى تعديل تطبيق "سهل" والسماح بسفرة واحدة للمدين، فيما اسم التطبيق يدل على تسهيل أمور الناس، بينما الواقع عكس ذلك عند التنفيذ، لأن المطلوب شهادة من مواطن حتى لو غادر البلاد، لابد أن يعود إليها، إذ لا وطن له غير وطنه هذا.
يا وزير العدل، نحن اليوم في عهد الرحمة بالناس، وسعي ولي الأمر إلى تصحيح الأخطاء في القوانين، ومن الواجب العمل على تيسير أمور المواطنين، وليس ملء السجون بالمعسرين، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
يا وزير العدل، في محاكم التنفيذ عندما يريد المواطن السفر يدفع 10 في المئة، فيما يتندرون عليه أنه يدعي العلاج، وعليه أن يدفع هذه النسبة، فيما كلفة العلاج لا تتعدى خمسة آلاف دينار، بينما دينه كمعسر مليون دينار، يعني أنه سيدفع مئة ألف دينار، ونكرر إنه معسر.
يا وزير العدل هل هذا حل، وبأي قانون يمنع من السفر لسفرة واحدة أو مرتين أو ثلاث، وهو مواطن، فلماذا هذا العذاب، ألا يكفي عذاب الدَّين، وتهديد بعض الأئمة من أنه سيصْلى بالنار في الآخرة إذا لم يدفع؟
0 تعليق